نددت الصين بمقترح لمنظمة الصحة العالمية يتضمن التدقيق في أنشطة مختبراتها
إنجي مجدي صحافية
حذر كبار خبراء الأمراض المعدية في الولايات المتحدة من أن رفض الصين لخطط منظمة الصحة العالمية لإجراء تحقيق آخر في منشأ فيروس كورونا داخل البلاد، يهدد بالحرمان من بيانات عالمية مهمة ولازمة لتحديد الأوبئة المستقبلية ودرئها. بينما جددت بكين انتقاداتها لما وصفته بـ”التلاعب السياسي” بتعقب منشأ الوباء.
وتحدث عدد من كبار خبراء الأمراض المعدية في الولايات المتحدة لمجلة “بولتيكو” الأميركية، معتبرين “أن رفض السلطات الصينية السماح لخبراء منظمة الصحة العالمية الوصول إلى ووهان، حيث ظهر الفيروس أولاً في ديسمبر (كانون الأول) 2019وتفشى، يعمق الشكوك المتزايدة في أن الحكومة الصينية تحاول التستر على احتمال أن يكون الفيروس مصمماً عن عمد”.
رفض يثير الشكوك
وقال عميد المدرسة الوطنية للطب الاستوائي في كلية بايلور للطب في هيوستن بالولايات المتحدة، بيتر هوتز، “لقد كان لدينا بالفعل وباءان سابقان من سلالة فيروس كورونا ظهرا في الصين، لذا فإن التحقيق من داخل بكين هو أفضل فرصة لنا للتعرف على كيفية انتقال هذا من الخفافيش إلى البشر”. وأضاف، “لا يمكننا القيام بذلك دون الذهاب إلى هناك. لا توجد طريقة يمكنك من خلالها الوصول إلى عمق الأمر من مسافة تبعد 5 آلاف ميل”.
واعتبر مدير مركز أبحاث وسياسات الأمراض المعدية في جامعة مينيسوتا وعضو المجلس الاستشاري السابق للرئيس جو بايدن، مايكل أوسترهولم، “إن رد الصين على طلب منظمة الصحة العالمية غير مبرر”. وقال، “أعتقد أن ما طلبته منظمة الصحة العالمية كان معقولاً تماماً”. وجادل بأن رفض الصين التحقيق سوف يغذي التكهنات التآمرية حول كيفية ظهور الفيروس، قائلاً “إنه يجعل الناس يشكون في أنه من صنع الإنسان وأُطلق عمداً”.
ووصف أستاذ الصحة العامة في كلية جونز هوبكنز، كريس بيرير، رفض الصين للتحقيق بأنه “إشكالي للغاية”. وأرجع الخبير الأميركي تصرف بكين إلى تصميم الحزب الشيوعي الصيني الحاكم على خنق أي كشف سلبي محتمل حول أصول الفيروس”. وقال، “أعتقد أن الصينيين لديهم الآن رواية رسمية (عن الوباء) وهم يدفعون بها بشدة، ولا توجد فرصة لإعادة النظر في تلك السردية”.
وفي الكونغرس الأميركي، قال النائب الديمقراطي آمي بيرا، رئيس اللجنة الفرعية لآسيا والمحيط الهادئ وآسيا الوسطى وحظر الانتشار النووي، لصحيفة “بوليتيكو”، إن تصرف الصين “غير مقبول”، وطالب “بتحليل شامل وشفاف ومستقل لأصول كوفيد -19”.
وفي وقت سابق من الشهر الحالي، قال مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، إن التحقيقات في أصول جائحة “كوفيد-19” في الصين تواجه العراقيل بسبب نقص البيانات الأولية عن بدايات انتشار الفيروس هناك. وقدمت المنظمة مقترحاً لبكين، يتضمن إجراء مرحلة ثانية من الدراسات حول أصوله، على أن يشمل ذلك عمليات تدقيق للمختبرات والأسواق في مدينة ووهان، وطالبت السلطات بالتحلي بالشفافية.
التلاعب السياسي بالقضية
لكن الصين نددت، الخميس الماضي، بمقترح منظمة الصحة العالمية، في شأن التدقيق في أنشطة مختبرات صينية في إطار توسيع التحقيق حول منشأ فيروس كورونا، واعتبر نائب وزير الصحة زنغ يشين، أن الخطة تنم عن “عدم احترام” و”غطرسة إزاء العلم”. وكرر المسؤول الصيني موقف بلاده أن بعض البيانات لا يمكن تقديمها بالكامل بسبب مخاوف تتعلق بالخصوصية. وأضاف أن الصين تعارض تسييس القضية.
وجددت الصين هجومها على الولايات المتحدة في هذا الصدد، أمس الأحد. فخلال مؤتمر صحافي مع نظيره الفنلندي في مدينة تشنغدو بمقاطعة سيتشوان الصينية، قال وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، “ينبغي السماح بدراسة أصل الفيروس لمنع المخاطر المستقبلية على نحو أفضل، لكن دون التلاعب السياسي بالأمر”.
وأضاف وانغ يي، “يتفق جميع وزراء الخارجية الذين قابلتهم على أنه لا ينبغي أن تتلاعب السياسة بتعقب المنشأ، ولا ينبغي استخدامه لإلقاء اللوم على بلد معين، ناهيك عن تقسيم المجتمع الدولي. فقط عندما نتحد يمكننا هزيمة الفيروس حقاً”. وانتقد علانية ما وصفه محاولة الولايات المتحدة منذ البداية بـ”تسييس الوباء”. مضيفاً، “الولايات المتحدة ترغب في التخلي عن مسؤوليتها عن استجابتها الفاشلة للوباء وتحقيق الغرض السياسي المتمثل في تشويه سمعة البلدان الأخرى وقمعها. من الضروري أن نتذكر هذه الصفحة القبيحة في سجلات كفاح البشرية ضد الفيروس”.
قوات الأمن تحيط بمختبر ووهان خلال زيارة لفريق منظمة الصحة العالمية (أ ب)
وقال وزير الخارجية الصيني، إن “كوفيد -19” يحتاج إلى تتبع المنشأ، وكذلك “الفيروس السياسي”. وأضاف، “بحسب الإفادة المنشورة على موقع الخارجية الصينية، فإن خطة منظمة الصحة العالمية بشأن المرحلة الثانية من دراسة أصول الفيروس، لا تتعارض فقط مع متطلبات قرار جمعية الصحة العالمية الثالث والسبعين، ولكنها تتجاهل أيضاً الاستنتاجات والتوصيات الواردة في تقرير البحث المشترك للمرحلة الأولى”، وتابع، “يبدو أنه عندما تعود الولايات المتحدة إلى منظمة الصحة العالمية، فإنها لا تركز على الانضمام إلى المعركة الدولية ضد الوباء، بل على الاستمرار في نشر الفيروسات السياسية عبر المنصة. إذ لم تكن هناك خطة عمل حقيقية للعثور على منشأ الفيروس، لكنها خطة لتشويه سمعة الصين كدولة مستقلة وذات سيادة، فلن ولا يمكن أن نقبلها”.
نشأة الفيروس
لا يزال خبراء الصحة العالمية يختلفون حول نظريات منشأ الفيروس. ففي حين خلصت المرحلة الأولى من تحقيقات منظمة الصحة العالمية إلى أنه من غير المرجح تسرب الفيروس من مختبر (حيث تشير النظريات إلى مختبر ووهان لعلم الفيروسات)، وأن الفيروس ربما تطور داخل حيوان وانتقل إلى الإنسان، فإن آخرين يصرون على أنه لا يزال من المبكر للغاية حسم الأمر بالنظر إلى الحاجة لمزيد من التحقيقات والبيانات التي ترفض الصين تقديمها.
ووجه بعض العلماء انتقادات لمنظمة الصحة العالمية في هذا الصدد أيضاً، إذ أشار هوتز إلى أن المنظمة أخطأت بالتركيز على مختبر ووهان، وقال، “نطالب بأشياء لن توافق عليها الحكومة الصينية أبداً، مثل طرق باب معهد ووهان لعلم الفيروسات للاطلاع على دفاتر الملاحظات التي لن يوافقوا عليها. هناك سوء فهم لدى منظمة الصحة العالمية بأنها ستصل إلى الجزء الأعمق من خلال التحدث إلى علماء معهد ووهان لعلم الفيروسات والتأمل في دفاتر الملاحظات. هل ستجري بحثاً في 15 ألف صفحة من دفاتر معهد ووهان لعلم الفيروسات، وتبحث عن المكان الذي كتب فيه أحدهم “عفواً؟!”.
وأودى فيروس كورونا بحياة أكثر من 4 ملايين شخص وأصاب نحو 200 مليون آخرين في جميع أنحاء العالم. وكان للجائحة تأثير كبير في الحياة وسبل العيش، فضلاً عن التداعيات الاقتصادية الصارخة. وأشار تقرير صادر عن خدمة أبحاث الكونغرس في 9 يوليو الحالي، إلى أنه نتيجة للوباء، “ربما دخل 95 مليون شخص في جميع أنحاء العالم في حالة فقر مدقع في عام 2020، مع زيادة عدد المصابين بسوء التغذية بمقدار 80 مليوناً مقارنة مع مستويات ما قبل الجائحة”.
اندبندنت