أعادت الإجراءات التي اتخذها الرئيس التونسي، قيس سعيد، ليل الأحد، بتجميد عمل البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة من منصبه، الجدلَ حول تقارير وتسريبات نشرت قبل عدة أشهر، حول مخاوف من تنفيذ سعيّد “انقلابا ناعما” في البلاد.
وخلال اجتماع طارئ مساء الأحد في قصر قرطاج مع قيادات عسكرية وأمنية، أعلن الرئيس سعيد “تجميد كل اختصاصات المجلس النيابي، فالدستور لا يسمح بحله ولكنه لا يقف مانعا أمام تجميد كل أعماله”، كما قرر “رفع الحصانة عن كل أعضاء المجلس النيابي، وسيتولى رئاسة النيابة العمومية حتى تتحرك في إطار القانون لا أن تسكت عن جرائم ترتكب في حق تونس، كما سيتولي رئيس الدولة السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة يعيّنه رئيس الجمهورية”.
وقال سعيد إنه اتخذ هذه القرارات بعد التشاور مع رئيسيْ الحكومة والبرلمان، وعملا بأحكام الفصل 80 من الدستور، مشيراً إلى أنه اتخذ قرارات أخرى ستصدر تباعا ضمن مراسيم خاصة.
كما برر اتخاذ هذه القرارات بأن “عديد المرافق العمومية تتهاوى وهناك عمليات حرق ونهب، وهناك من يستعد لدفع الأموال في بعض الأحياء للاقتتال الداخلي”.
في 24 أبريل/ نيسان الماضي، نشرت “القدس العربي” تقريرا مترجما عن موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، تناول الوضع السياسي في تونس. وكتبت فرانشيسكا إيبل، مراسلة الموقع في تونس، أن بعض التونسيين يتساءل عما إذا كانت البلاد في خضم انقلاب دستوري هادئ، آنذاك.
وأشارت الكاتبة إلى أن ذلك يأتي في ضوء سلسلة من التحركات العدوانية المتزايدة التي قام بها الرئيس التونسي “قيس سعيد” خلال الأشهر الأخيرة، ما دفع بعض المراقبين إلى التحذير من أن “سعيد” ربما يمهد الطريق لمزيد من الإجراءات للقضاء على خصومه وتعزيز سلطاته الرئاسية، عبر التلاعب بتفسير دستور البلاد ما بعد الربيع العربي.
وفي ذلك الوقت، اتهم زعيم حزب “أمل تونس”، “أحمد نجيب الشابي”، “سعيد” بتنفيذ “انقلاب ناعم”، فيما كتبت صحيفة “الإيكونوميست المغاربية” أن الخطاب كان علامة على “شهية سعيد التي لا يمكن السيطرة عليها للسلطة”.
وفي ما يبدو استشرافا للمستقبل، نقلت الكاتبة تعليق أستاذ القانون الدستوري “ربيع الخريفي” بقوله إن هذه الخطوة قد تعني أن “قرارات مؤلمة وأياما صعبة على وشك الحدوث، قد تبدأ بسلسلة من الاعتقالات بين النواب”، في إشارة إلى تعليق لـ“سعيد” قال فيه إنه لا يمكن للحصانة حماية السياسيين.
وفي حديثه إلى “ميدل إيست آي”، تحدث “رضوان المصمودي”، عضو اللجنة السياسية لحركة النهضة، عن قلقه من أن إصرار الرئيس على إعادة تفسير الدستور يمكن أن يؤدي إلى “أفعال خطيرة”، وأن هذا سيكون بمثابة انقلاب.
وقال “المصمودي”: “لن يكون انقلابا عسكريا تقليديا.. هذا مستحيل في تونس.. لكن ما هو ممكن هو إنهاء التحول الديمقراطي في تونس.. مع استمرار تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي، يمكن أن نصل إلى وضع فوضوي وقبيح للغاية”.
ويقول “المصمودي”: “أعتقد أنه إذا كان هناك صراع حقيقي على السلطة، فسنرى قيس سعيد مختلفا. لديه القدرة على أن يصبح رئيسا مستبدا، إنه عنيد جدا، تماما مثل القطار”.
وأنهى المصمودي حديثه مع “ميدل إيست آي”: بالقول: “تونس لا يمكن أن يحكمها رجل واحد، لم يعد عرض الرجل الواحد ممكنا”.
الموقع البريطاني، عاد ليفجّر جدلا آخر في تونس بعد نحو شهر من تقريره الأول، حين نشر وثيقة قال إنها “مسربة من مكتب مديرة الديوان الرئاسي نادية عكاشة، يعود تاريخها إلى 13 مايو/ أيار 2021، تتحدث عن تدبير انقلاب في تونس”. فيما وصفت الرئاسة التونسية ذلك بأنه “مسرحية سيئة الإخراج”.
ووفق الوثيقة، فقد “حث خبراء الرئيس قيس سعيد على تفعيل الفصل (المادة) 80 من الدستور وإعلان الحالة الاستثنائية كأداة لتركيز جميع السلطات بيد رئيس الجمهورية”، وهي حالة الاستثناء ويعبر عنها “بالديكتاتورية الدستورية”.
وتقترح الوثيقة لتنفيذ تفعيل الفصل 80 “الدعوة لانعقاد مجلس أمن قومي مستعجل، ودعوة كبار المسؤولين لحضوره من بينهم رئيس البرلمان راشد الغنوشي”.
وتشرح الوثيقة تفاصيل الخطة: “ترفع الجلسة بعد ذلك، دون السماح للحضور بمغادرة قصر قرطاج، مع جعل منطقة القصر الرئاسي مقطوعة عن شبكة الاتصالات أو الإنترنت، ويتولى رئيس الدولة التوجه بكلمة للشعب بحضور رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة للإعلان عن التدابير الاستثنائية”.
ومن التدابير الاستثنائية “تكليف العميد خالد اليحياوي (مدير الأمن الرئاسي) بالإشراف على وزارة الداخلية بالنيابة، علاوة على مهامه كمدير عام للإدارة العامة لأمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية”.
ويتم نشر “القوات المسلحة على مداخل المدن والمرافق الحيوية وفي الوقت ذاته سيتم وضع الأشخاص الرئيسيين تحت الإقامة الجبرية”.