لبنان بين تطويق التحقيق العدلي وتكليف ميقاتي

يتحضّر لبنان المنكوب لذكرى مرور عام على التفجير شبه النووي الذي دمّر مرفأ بيروت وأحياء بأسرها منها وقتل المئات من مواطنيها، في وقت لا يعرف التدهور المتواصل في ظروف العيش حدوداً ولا رحمة، ما بين أزمة الكهرباء المستشرية وفقدان الأدوية وطوابير السيارات أمام محطات الوقود.
وبالقدر نفسه الذي تتداعى فيه قوى حركة 17 تشرين الداعية لإسقاط كل المنظومة الحاكمة لجعل يوم 4 آب مناسبة لحيوية احتجاجية عالية النبرة، وداعمة للتحقيق العدلي في القضية، فقد تشبث كل طرف بحمايته لأحد المطلوب استدعاؤهم من قبل القاضي طارق البيطار. فتيارا الرئيس نبيه بري وسعد الحريري يسعيان لمنع استماع البيطار الى الوزراء السابقين والنواب الذين يطلب استدعاءهم، و«حزب الله» يعبّر من خلال المناخات الإعلامية المحسوبة عليه أنه لن يسمح باستدعاء مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، كما تروج هذه المناخات للسؤال الاستنكاري عن السبب الذي حال دون أن يطلب بيطار الاستماع إلى قائد الجيش الحالي العماد جوزيف عون. في المقابل، تكتسب استدعاءات بيطار شعبية كبيرة في الرأي العام، لا سيما في المناطق المسيحية.
وإذا كان انفجار 4 آب 2021 قد دفع للإطاحة بحكومة حسان دياب، التكنوقراطية إنما الموالية لـ«حزب الله» تأتي ذكرى يوم الرعب هذا لتنبه إلى أنه قد مضى عام كامل دون أن تفلح المؤسسات المحتضرة في هذا البلد في الاتيان بحكومة جديدة، رغم تراكم الملفات شبه التعجيزية على كاهل هذه الحكومة العتيدة. وينتظر اليوم أن تجرى الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس حكومة جديد بعد اعتذار الحريري، في وسط تقاطع بين «الثنائي الشيعي» أمل وحزب الله وبين «تيار المستقبل» ما يفسح المجال للحديث عن ظهور ثلاثي يضم هذه الأطراف ويسمّي الرئيس نجيب ميقاتي لتشكيل ثالث حكوماته، في مقابل سلبية تجاه هذه التسمية من طرف تيار رئيس الجمهورية، ورجحان عدم تسمية أي أحد لهذا المنصب من طرف حزب القوات اللبنانية التي تركز على مطلب التعجيل بالانتخابات النيابية المزمع اجراؤها في ربيع العام المقبل.
وإذا كان تكليف الرئيس ميقاتي أشبه بالمحسوم في ضوء هذه المعطيات، فإن نجاحه في تشكيل الحكومة لا يبدو مضموناً، وإن كان من الخطورة بمكان، في ظل التدهور المتواصل للأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وملامستها حد المجاعة بالنسبة إلى المناطق الأكثر بؤساً في لبنان، أن لا يصل هذا التكليف لأي نتيجة إيجابية وضمن مدة معقولة.
هناك من يربط حظوظ التشكيل بتقدم المفاوضات الإيرانية الأمريكية، وهناك من يثبت عينه على الهوة الفاصلة بين الموقف الفرنسي الداعم لخيار تكليف ميقاتي، وبين الموقف السعودي، الذي مع تفضيله استبعاد الحريري عن رئاسة الحكومة في الوقت الحالي، إلا أنه يتعامل أساساً مع ترشيح يعوّمه الحريري وبري و«حزب الله» على أنه لمصلحة الأخير، ما لم يطرأ ما من شأنه تبديل الصورة.
هل نتجه لاختلاط الحابل بالنابل في كل هذا؟ انفجار اجتماعي جديد من تحت، وفشل جديد في إنتاج حكومة جديدة من فوق، وانقسام حاد حول التحقيق العدلي؟ المسار الى الآن يبعث على التشاؤم. في الوقت نفسه، من دون هبة شعبية جديدة فإن الأمور ستكون أسوأ. إذ ليس ما يمكنه أن يحمل الأطراف المتصارعة على أطلال حكم ودولة على وقف مهاتراتها رغم هول الانهيار المالي والمعيشي. كذلك التحقيق العدلي في قضية المرفأ، من دون دعم شعبي ميداني واضح، فإن القوى السياسية والأجهزة الأمنية أشرفت على تطويقه من كل حدب.