نواصل تقديم المقترحات والتنبيهات بشأن مبادرة الأخ رئيس مجلس الوزراء، إتساقا مع موقفنا الداعي إلى التعامل الإيجابي مع المبادرة، والذي ينادي بالتفاعل العملي مع مقاصدها ومراميها، بدلا عن التعامل السالب الذي يكتفي بطرح الأسئلة والتعليقات الكسولة وغير المفيدة، أو يتخذ وضعية المراقب ويتوقف عند الإنتقادات دون طرح البدائل. وللتذكير، فإننا حتى اللحظة قدمنا مجموعة من الإقتراحات والتنبيهات، ضمت:
1 ـ أن تلتزم الحكومة وتتقيد بمبدأ المراجعة والتقويم في إطار ثلاثية المشاورة والشفافية والمساءلة، وأن تنشئ، في هذا السياق، آلية مناسبة يُخاطب بها رئيس الوزراء الناس بشكل منتظم، راتب ودوري.
2-أن يُسرع رئيس الوزراء بعقد مؤتمر مائدة مستديرة وفق المحاور المطروحة في المبادرة، للتوافق حول كيفية إنقاذ الوضع الراهن المأزوم، وحتى لا يتسلل الفشل إلى خلايا الفترة الإنتقالية، على أن يخلص المؤتمر إلى مقررات قابلة للتنفيذ، ولا ينتهي إلى مجرد أوراق وأطروحات تظل معلقة في الهواء.
3 ـ إنشاء مكتب يتبع مباشرة لرئيس مجلس الوزراء، متخصص في رسم السياسات العامة ويساعد ويدعم الحكومة في عملية إتخاذ القرار على ضوء حيثيات علمية يوفرها المكتب.
4 ـ أن يشرف رئيس الوزراء على تفعيل آلية متابعة تنفيذ القرارات، سوى عبر إجتماعات مجلس الوزراء أو عبر الوحدات المتخصصة بمتابعة التنفيذ في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، والعمل الجاد لإكتشاف كل إمكانات الأمانة، والإستفادة القصوى منها.
5 ـ أن يكون المجلس القومي للتخطيط الإستراتيجي ضمن أهم أولويات إهتمامات الحكومة الإنتقالية.
تنص الفقرة الأخيرة في مبادرة الأخ رئيس الوزراء على أنه حال الإتفاق على القضايا الواردة في المبادرة، يتم تكوين آلية مشتركة من كل الأطراف لمتابعة تنفيذها، وتطوير الإتفاق بين مختلف مكونات الفترة الإنتقالية. بالنسبة لتطوير الإتفاق، فأعتقد أن مكانه مؤتمر المائدة المستديرة، والذي ضمّنا تفاصيله في إقتراحنا الثاني الذي ناقشناه من قبل، أو أي وعاء أو منبر آخر يُتوافق عليه.
أما الآلية المشتركة من كل الأطراف لمتابعة التنفيذ، فنرى، وهذا هو إقتراحنا السادس، أن يقوم الأخ رئيس الوزراء بتشكيلها فورا، بعد التشاور مع الجهات المعنية. وهنا أشير إلى أن فهمي لعبارة «كل الأطراف» هو أن تشمل القوى خارج الحرية والتغيير وخارج مجلس شركاء الفترة الإنتقالية، المؤمنة بالثورة وبميثاق الحرية والتغيير، وخاصة القوى الشبابية التي ظلت تهدر في الشوارع دفاعا عن روح الثورة، لأن بخلاف ذلك ستكون الآلية مجرد إستنساخ لمجلس الشركاء، لا طعم له ولا لون!. الإسراع بتشكيل هذه الآلية يعني التقدم خطوة في إتجاه تنفيذ مهام الفترة الإنتقالية الواردة في متن مبادرة الأخ رئيس الوزراء، والتي تتطابق تماما مع المهام المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الإنتقالية. فالفصل الثاني في الوثيقة الدستورية، حدد بدقة المهام المطلوب إنجازها خلال الفترة الإنتقالية، وكان كل المطلوب من حكومتنا الإنتقالية إضافة التفاصيل الضرورية والعملية، ثم تحويل هذه المهام إلى برنامج عمل ومصفوفة جاهزة للتنفيذ وفق جدول زمني محدد. وهذه المهام تشمل:
1 ـ وقف الحرب الأهلية وتحقيق السلام الشامل والعادل. 2 ـ محاسبة منسوبي النظام البائد عن كل الجرائم التي إرتكبوها بحق الوطن والمواطن منذ إغتصابهم السلطة. 3 ـ تفكيك بنية التمكين لنظام الإنقاذ وبناء دولة القانون والمؤسسات. 4 ـ إلغاء القوانين والنصوص المقيدة للحريات. 5 ـ الإصلاح القانوني وإعادة بناء المنظومة العدلية بما يحقق ويضمن إستقلال القضاء وسيادة حكم القانون. 6 ـ تسوية أوضاع المفصولين تعسفيا من الخدمة المدنية أو العسكرية. 7 ـ إيقاف التدهور الاقتصادي وتخفيف أعباء المعيشة وإرساء أسس التنمية المستدامة. 8 ـ إصلاح أجهزة الدولة المدنية والعسكرية بما يحقق قوميتها وعدالة توزيع الفرص دون الإخلال بمبدأ الأهلية والكفاءة. 9 ـ إنتهاج سياسة خارجية متوازنة على أساس الإستقلالية والمصالح المشتركة. 10 ـ توفير خدمات الصحة والتعليم والسكن والضمان الإجتماعي وإصحاح البيئة. 11 ـ عقد المؤتمر القومي الدستوري وإنشاء آليات وضع الدستور الدائم للبلاد. 13 ـ إجراء تحقيق شفاف ودقيق في جريمة مجزرة فض الإعتصام في الثالث من يونيو/حزيران 2019. 14 ـ سن التشريعات وتكوين الآليات الضرورية مثل المفوضيات، قوانين العمل النقابي…الخ.
صحيح أن المهام المذكورة في المبادرة تكاد تكون متطابقة، وقع الحافر على الحافر، مع تلك المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية، وبالتالي هي واجبة التنفيذ، بل أن تقصير الحكومة حيال تنفيذها يعد خرقا دستوريا. ومع ذلك فإن الآلية المشتركة المقترحة في مبادرة رئيس الوزراءـ قد تعالج هذا القصور وهذا الخرق، والذي إمتد لأكثر من عامين، إذ أنها في إعتقادي ستمثل مصدرا ودافعا لبث الإرادة والعزيمة والثقة في مجلس الوزراء، كما أنها ستتيح منبرا ملائما لإدارة حوار بناء حول كيفية تنفيذ المهام الأكثر تعقيدا مثل إصلاح القطاع الأمني والعسكري، تأكيد ولاية وزارة المالية على المال العام…الخ، فهذه القضايا، وغيرها، تحتاج إلى تفاهمات وحوارات صريحة وشفافة، بعيدا عن العنتريات والضجيج الإعلامي الذي لا طائل له، بل يغذي بذور الخلافات والإنقسامات. كما أن الآلية يمكن أن تتولى مهام التحضير لمؤتمر المائدة المستديرة المقترح، أو لأي شكل آخر للحوارات المجتمعية حول قضايا المبادرة وكيفية إنجاح الفترة الإنتقالية. مختصر الكلام، أن يشكل رئيس وزراء هذه الآلية المشتركة اليوم قبل الغد، وإلا فإن المبادرة ستنتهي إلى مجرد زوبعة في فنجان.
الإقتراح السابع، وهو تنبيه للأخ رئيس الوزراء إما أن يُسرع، وفورا، بتشكيل المفوضيات القومية، ليس لأنها إستحقاق دستوري منصوص عليه، ولكن الأهم من ذلك، لأنها الآليات الرئيسية لاستعادة الدولة المخطوفة من براثن النظام البائد لصالح دولة الوطن، أو يخرج للناس ليحدثهم عن المعوقات التي تمنعه من ذلك. هذا التنبيه كررناه كثيرا، وسنظل نكرره إلى أن يُنجز أو يسقط، وعندها قطعا ستسقط الحكومة الإنتقالية في عيون الثورة والثوار.