فجأة سرت رعشة شديدة في أوصال القطاعات الدولية المعنية بالحريات العامة، بعد انتشار خبر مفاده أن آلاف الأشخاص في العالم تعرضوا لعملية تجسس ورصد إليكترونية عبرت الحدود واستعصت على الكشف، باختراق هواتفهم النقالة.
وقد عُثر على أدلة تفيد بأن قائمة طويلة من الهواتف كانت أهدافًا لبرنامج تجسس يُعرف بـ «بيغاسوس» وهو فيروس من نوع «حصان طروادة» الذي استخدم سابقا لاختراق أجهزة الكومبيوتر، تم تطويره بواسطة مجموعة (إن إس أو) الإسرائيلية. وجاء في تقرير أصدرته مجموعة من المؤسسات الإعلامية الأسبوع الماضي أن الحكومات الاستبدادية استمرت في استخدام «بيغاسوس» على نطاق واسع للتجسس على نشطاء حقوق الإنسان والصحافيين والمحامين في جميع أنحاء العالم. وتضمنت القائمة بعض المجرمين المعروفين الذين يُعتزم استخدام البرنامج ضدهم. تضمنت القائمة أيضًا أرقام هواتف مئات رجال الأعمال التنفيذيين والشخصيات الدينية والأكاديميين وموظفي المنظمات غير الحكومية والمسؤولين النقابيين والحكوميين، بمن في ذلك رؤساء دول ورؤساء حكومات، وكذلك بعض أفراد الأسر الحاكمة في المنطقة.
وكشفت صحيفة «الأوبزيرفر» البريطانية عن التفاصيل في 18 يوليو 2021 وتبعتها صحيفة «الغارديان» التي نشرت تفصيلات أكثر واستمرت في التطرق للقضية بضعة أيام. وقد توفرت تلك المعلومات بعد أن عملت مؤسسات إعلامية غربية عديدة لاكتشاف حقيقة المشروع التجسسي المذكور. ومن هذه المؤسسات: الغارديان (المملكة المتحدة) لوموند وراديو فرنسا (فرنسا) دي تسايت وزود دويتشه تسايتونج وإذاعة غرب ألمانيا (ألمانيا) واشنطن بوست وفرونتلاين (الولايات المتحدة الأمريكية) هاريتس (إسرائيل) وبروسيسو وأريستيغو نوتيشياس (المكسيك) كناك ولي سوير (بلجيكا) ذا وير (الهند) درج (لبنان) دريكت 36 (المجر) مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد.
وثمة تفصيلات مثيرة حول البرنامج التجسسي الذي أنتجته مجموعة «ان اس أو» الإسرائيلية، نشرتها وسائل الإعلام الدولية في الأيام الماضية، ولكن هناك ثلاثة محاور للقضية: الأول: مشروع بيغاسوس نفسه، والجهة التي طوّرته وقامت بتسويقه. الثاني: الجهات الممولة لتطويره في البداية ثم تسويقه واستخدامه وتحديد الجهات المستهدفة به. الثالث: المدلولات السياسية والأمنية لجريمة التجسس هذه، وانعكاساتها في مجال النضال من أجل التحول الديمقراطي ودعم حقوق الإنسان في العالم. ولكل من هذه القضايا الثلاث أهميتها في تحديد توجه المسار الإنساني في القرن الحادي والعشرين. فالتجسس ليس ظاهرة جديدة، بل ممارسة سلطوية منذ القدم، ولكن يفترض أنها أصبحت مقننة ومحكومة بمواثيق حقوق الإنسان الدولية ومقولات سيادة البلدان على حدودها واحترام الخصوصيات الشخصية للأفراد. كما أنها محكومة في دائرتها الأوسع بمبدأ إقامة حكم القانون ونفاذه على البشر بشكل متساو، على تعدد الحدود وأشكال الحكم والانتماءات الأيديولوجية. وقد تأكد أن من بين الذين استهدفوا بعملية التجسس التي شملت ما يربو على 50 ألف جهاز هاتفي أكثر من 600 ناشط سياسي ومسؤول حكومي، و189 صحافيا، و64 من رجال الأعمال، و85 من نشطاء حقوق الإنسان، بالإضافة لأفراد أسر عربية حاكمة. وأصبح واضحا أن تقنيات التجسس المتطورة، التي كانت في السابق حكراً على بضع دول فقط، باتت الآن منتشرة على نطاق أوسع وتتجاوز كثيراً ما نعرفه عن الخصوصية والأمان في عالم الإنترنت.
في الماضي القريب، إذا أرادت أجهزة الأمن معرفة ما يفعله بعض الناس، كان الأمر يتطلب قدراً كبيرا من الجهود لتحقيق ذلك. وربما كان على الجهات الأمنية الحصول على تصريح للتنصت على هاتف الشخص المستهدف أو زرع شريحة في منزله أو إرسال فريق لمراقبته. كما كان الاستهداف مركّزا ومحصورا بالاشخاص الذين يشكلون خطرا على النظام السياسي في بلدهم كالمعارضين الناشطين والجواسيس (كما كان يحدث خلال الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي).
«بيغاسوس» مشروع يهدف لمنع التحول الديمقراطي
Inمقالات
0