سد النهضة: السيسي في مواجهة أكبر أزمة في تاريخ مصر الحديث

تمثل حماية تدفق مياه نهر النيل، على رأس مهام أي حاكم لمصر منذ نشأتها، وترتبط شرعية الحاكم بالحفاظ على النهر، وضمان حماية تدفق مياهه.
وتواجه مصر بحسب تصريحات المسؤولين والمعارضة على حد سواء أزمة تتعلق بوجودها من الأساس، ليس فقط في تأثير سد النهضة المباشر خلال عمليات ملء خزان السد التي ستؤثر على تدفق المياه إلى دولتي المصب، والنتائج التي ستترتب على ذلك، ولكن باعتبار السد بات هو والمشروعات الأخرى التي تتبناها أديس أبابا أشبه بمحبس على النيل الأزرق يتحكم في واردات مصر والسودان من المياه.
جلسة مجلس الأمن الدولي التي عقدت الشهر الماضي لمناقشة ملف سد النهضة، لم تشهد ضغطا على إثيوبيا لإجبارها على توقيع اتفاق ملزم أو حتى إدانة لقرارها ببدء تنفيذ الملء الثاني للسد بدون التوصل لاتفاق ملزم، واكتفت الدول الأعضاء في مجلس الأمن بحث الدول الثلاث على العودة للمفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، وإعلان رفض استخدام الحل العسكري في الخلاف، في إشارة لتلويح سابق للرئيس المصري بأن حصة مصر من مياه النيل خط أحمر، مع ما اعتبرته اديس أبابا انتصارا لها. واتمت إثيوبيا عملية الملء الثاني في ظل بيانات مصرية وسودانية برفض قرار الملء الأحادي، في وقت يقول خبراء المياه المصريون إنها فشلت فيما خططت له ولم تستطع سوى حجز 3 مليارات متر مكعب من 13 ونصف المليار كان مخططا له بسبب تأخر إنشاءات السد.
الفشل في التوصل لاتفاق ملزم بشأن عمليات تخزين المياه وتشغيل السد سيخلق سابقة بالانفراد بالعمل في أفريقيا لبناء مشروعات جديدة يفقد مصر نفوذها في دول حوض النيل.
هذه الأمر حذر منه الكاتب الصحافي محمد حسنين هيكل رئيس تحرير جريدة «الأهرام» الأسبق قبل رحيله عندما قال عام 2013: هذا السد ليس بمفرده لكنه سيخلق سابقة بالانفراد بالعمل في أفريقيا، أنا لا أريد أن يبنى هذا السد خارج موافقة مصرية لا أريده أن يكون سابقة لمشروعات أخرى لا نستطيع أن نصدها ولا أريده أن يكون بمثابة خروج لمصر من أفريقيا لأننا فعلياً لا نستطيع تحمل هذا. وعلى الرغم من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي حاول طمأنة المصريين، قائلا، إن قلق المصريين من قضية سد النهضة «قلق مشروع» طالبا الحديث عن الموضوع بعقل وهدوء ودون انفعال.
وأضاف: طلبنا اتفاقا قانونيا ملزما لنا جميعا ينظم هذا الموضوع لملء وتشغيل سد النهضة، وتحركنا في هذا المسار وما زلنا متحركين فيه، وتحركنا الأخير في مجلس الأمن يهدف لوضع القضية على أجندة الاهتمام الدولي.
وزاد: هناك كلام أستطيع قوله وكلام آخر لا أستطيع. وكل ما نفعله الأخذ بأسباب الحفاظ على المياه في مصر والاستفادة القصوى منها، مثل مشروع تبطين الترع الذي رصدنا له 60 مليار جنيه ومشروع تنقية المياه. ومحطات تحلية مياه البحر.

شح مائي

وتواجه مصر أزمة شح مائي بعيدا عن أزمة سد النهضة، بحسب وزير الري المصري الدكتور محمد عبد العاطي الذي قال: إن «مصر تعاني من شح مائي وتحتاج لإجراءات ضخمة للتعامل مع هذه التحديات».
وأضاف أن «الدولة خلال الفترة الأخيرة تتحرك في 4 مستويات لمواجهة الشح المائي تتمثل في تأهيل الترع والمساقي، واستخدام أنظمة الري الحديث، وتطبيقات الري الذكي في الأراضي الزراعية للإدارة السليمة والمثلى لمواردنا المائية وتوصيل المياه للمزارعين في الوقت وبالكمية المطلوبة».
ولفت إلى أن «هناك مشروعات أخرى تتمثل في إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، ومشروعات حماية السيول وحصاد مياه الأمطار».
لكن موقف السيسي قابله موقف المعارضة التي ترفض مشروع سد النهضة بشكله الحالي من الأساس وتطالب بالعودة إلى سعة تخزينية لا تتجاوز 14 مليار متر مكعب. وشكلت عدد من أحزاب المعارضة المصرية بينها الكرامة والدستور والتحالف الشعبي الاشتراكي والمصري الديمقراطي الاجتماعي والعيش والحرية تحت التأسيس والمحافظين جبهة، طالبت السلطات المصرية الحفاظ على حقوق مصر في النهر.
وقالت الأحزاب في بيان تدشين الجبهة: تواجه مصر خلال السنوات الأخيرة أصعب أزمة على مدى تاريخها، تتمثل في قضية مصيرية تتعلق بالحفاظ على حقوقها التاريخية في مياه نهر النيل، ومحاولة إثيوبيا ومن ورائها قوى دولية، وخاصة العدو الصهيوني، تهديد وجود وسيادة مصر عبر السيطرة على شريان الحياة للمصريين والتحكم في ما يصل إلينا من مياه سواء خلال سنوات الملء، أو ما بعدها، في الوقت الذي تعيش فيه مصر بالفعل تحت خطر الفقر المائي بكثير.

تحويل المياه لسلعة

وأضاف: تيقن المصريون من ذلك عبر تصريحات المسؤولين الإثيوبيين التي تؤكد نيتهم تحويل تلك المياه إلى سلعة تسيطر عليها إثيوبيا، ويجوز لها أن تبيعها أو لا تبيعها لنا، وبالتالي فهي تعمل على ارتهان مياه النيل الأزرق (التي تشكل 85 في المئة من المياه الواردة إلينا) بيد دولة واحدة، تمنعها وتمنحها وقتما شاءت على نحو متناسب أو غير متناسب مع حاجاتنا، وطاقة وقدرة سدودنا وقناطرنا، بما يتيح لإثيوبيا التحكم في النهر من المنبع وإقامة مشروعات عليه دون موافقة دولتي المصب مصر والسودان في الوقت الذي لا تعاني فيه إثيوبيا من أي فقر مائي بل تهدر عشرات المليارات من الأمتار المكعبة من المياه دون استخدام، كما ترفض في الوقت نفسه بدائل التنمية المشتركة لصالح جميع شعوب دول حوض نهر النيل.
ولفت البيان إلى إن الإصرار على زيادة سعة سد النهضة الذي أقيم ضد قواعد القانون الدولي والاتفاقيات الدولية الجماعية والثنائية الخاصة بنهر النيل عن 14 مليار متر مكعب، وهي السعة الكافية لإنتاج الكهرباء التي تدعي إثيوبيا حاجتها إليها التي قدمت مصر بدائل توفيرها، لهو برهان أكيد على قصد الإضرار بحقوق مصر التاريخية ومصالحها المائية إلى الحد الذي يهدد وجودها، إذ تعتبر مصر واحدة من أكثر الدول جفافا في العالم ويؤمن نهر النيل 98 في المئة من احتياجاتها المائية.
وتابع البيان أن المصريين يرون بعين اليقين أن استكمال بناء هذا السد وزيادة سعته إلى 74 مليار متر مكعب يشكل خطرا داهما على الوجود الحضاري والبشري لمصر ذاتها، كما يمتد لجعل المياه أداة تهديد وضغط استراتيجية على الاستقلال الوطني للدولة المصرية، كما يؤدي إلى انتقاص السيادة الوطنية وارتهان القرار الوطني المصري فضلا عن كونه تهديدا لحقوق الشعب المصري في الحياة.
وأوضح أن تكوين الجبهة الشعبية للحفاظ على نهر النيل يهدف لأن تكون مصر الدولة (حكومة وشعبا) متشاركين في الدفاع عن حقنا في المياه، إذ توجب هذه الأزمة التوافق الوطني العام لصد هذا الخطر، إيمانا أن الحقوق تنتزع، وأن الجماهير الشعبية طرف أصيل ويجب أن تكون على دراية بكل ما يجري وليست مجرد متفرج أمام قضية تخص مصيرها، وستكون في المقدمة فاعلا رئيسيا داعما لكل جهود مناصرة الحق الوطني.
وزاد: تدشين هذه الجبهة جاء للتأكيد على دور القوى الشعبية والوطنية ولتنظيم وتنسيق جهودها، واتخاذ المواقف والتحركات الواجبة إزاء هذه القضية، والتمسك بحق مصر في استخدام كافة السبل القانونية والدبلوماسية، وصولا إلى أي إجراءات قادرة على وقف استمرار إثيوبيا في تعنتها وعدوانها على حق مصر والأجيال المقبلة في مياه النيل، بما في ذلك الاستخدام المشروع للقوة المسلحة في إطار الدفاع الشرعي عن النفس.
كما طالبت الأحزاب السلطات المصرية بالتمسك بتوقيع اتفاق ملزم بين مصر والسودان وإثيوبيا على شروط ملء السد والإدارة المشتركة له بعد أن تكتفي بسعة تخزينية لا تتجاوز 14 مليار متر مكعب.
وأكدت على ضرورة الوقف الفوري لأي إجراءات ملء حالية تقوم بها إثيوبيا، خاصة أن أي اتفاقات بعد الملء الثاني للسد بسعته المخططة حاليا وهي 74 مليار متر مكعب ستكون عديمة الجدوى وسيصبح السد حينها محصنا ضد أي مساس، ما سيخل بالتوازن الاستراتيجي التاريخي بين دول المنبع والمصب ويضيع حقوق مصر وإرادتها وسيادتها.
ورفضت أي اتفاقيات مؤقتة، وطالبت بالعمل على الوصول لاتفاق دولي ملزم يتضمن كافة الأمور الفنية المتعلقة بسلامة السد بعد الاطلاع على كافة التصميمات وعملية التنفيذ، والنص القاطع على تجريم بيع المياه وتحويلها إلى سلعة كما تخطط إثيوبيا، والالتزام التام من قبل الدول الثلاث بعدم توصيل مياه نهر النيل مطلقا وفي أي وقت ولا بأية كمية خارج حدود دول الحوض، وعلى وجه التحديد لإسرائيل.
ودعا الموقعون على البيان كل القوى الوطنية والأحزاب والنقابات والشخصيات العامة للتعاون والعمل معا في الجبهة الشعبية للحفاظ على نهر النيل، ليشكلوا صفا واحدا يحمي وجود مصر وحاضرها ومستقبلها وسيادتها وحقها في الحياة.

آثار كارثية

إلى ذلك كشفت دراسة أمريكية شارك فيها العالم المصري عصام حجي عن «أضرار كارثية» يمكن أن تحدث جراء الملء السريع لسد النهضة، قد تصل إلى تقليل إمدادات المياه لمصر بمقدار يفوق الثلث. الدكتور عصام حجي، غرد على حسابه في تويتر، قال: «بحثنا عن آثار سد النهضة على مصر في حالة عدم معالجة العجز المائي: تراجع الرقعة الزراعية بنسبة تصل إلى 72 في المئة، ووصول معدل البطالة إلى نسبة 25 في المئة، وانخفاض الناتج القومي للفرد بنسبة تصل إلى 8 في المئة، وعجز مائي متوسط يقارب 40 في المئة من الموازنة المائية السنوية».
وعلى الرغم من المخاطر التي ذكرت، قدمت الدراسة عددا من الحلول المقترحة لسد العجز في الموارد المائية من خلال ضخ المزيد من المياه الجوفية وزراعة أنواع مختلفة من المحاصيل وتحسين أنظمة الري ووسائل أخرى.
وتتعثر مفاوضات سد النهضة بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، وتتمسك مصر والسودان بالتوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي يحافظ على منشآتهما المائية ويضمن استمرار تدفق حصتيهما السنوية من مياه نهر النيل‎، البالغة 55.5 مليار متر مكعب، و18.5 مليار متر مكعب، على الترتيب.