بالتزامن مع إنهاء إنجلترا كل القيود التي فرضها وباء كورونا، تتساءل أوليفيا بيتر كيف ستؤثر هذه الخطوة المزلزلة على علاقتنا مع الملابس؟
أوليفيا بيتر “كاتبة “لايف ستايل @Oliviapetter1
من المحتمل أن مصطلح “أزياء الانتقام من الوباء” بات مألوفاً بالنسبة لكم في هذه المرحلة. ربما شاهدتم هذا الهاشتاغ منتشراً عبر تويتر، مرفقاً بصورة لإحدى البلوزات الخفيفة الرائجة حالياً أو طقم مرقط كجلد الفهد، أو فستان سهرة مزين بالترتر. مهما كانت الصورة المنشورة، فالرسالة واحدة: هذه ليست أي قطعة لباس عادية.
بالنسبة للأشخاص الذين لا يمتلكون معرفة جيدة في أزياء الانتقام من الوباء، فإنها تتسم بطوابع فريدة تميزها الميلودراما، والمبالغة، والإسراف الخالص. إنها ذلك النمط من الأزياء التي لم تتح لنا فرصة ارتدائها طوال الأشهر الثمانية عشر الماضية. ملابس نأمل بأنها ستعوضنا عن كل الوقت الذي قضيناه في إهمال خزائننا أثناء الإغلاق، عندما كان التأنق يقتصر على اختيار بيجامة متناسقة. باختصار، إنها ملابس تحمل شعار: تباً لك أيها الوباء.
تعد بيانات التسوق دليلاً على صعود موجة أزياء الانتقام من الوباء. فوفقاً لمنصة “ليست” العالمية لبحوث الموضة، كنا جميعاً نتوق إلى ارتداء ملابس “الخروج” هذا العام، حيث ارتفعت عمليات البحث عبر الإنترنت عن الأحذية ذات الكعب العالي والفساتين بنسبة 197 و176 في المئة على التوالي، بينما تتزايد عمليات البحث عن الملابس ذات اللون الأخضر الفاقع أو الوردي بشكل مطرد.
إضافة إلى ذلك، كانت هناك زيادة في الاهتمام المتعلق بالإطلالات المتفردة: مثل التصاميم التي تتطلب “عدم ارتداء ملابس داخلية” للمصممة الفرنسية مارسيا، وفساتين المصممة نانسي دايوكا المصنوعة من الشبك وشديدة القصر والالتصاق بالجسم، حيث لا تترك مجالاً للمخيلة بفضل الفتحات غير العادية على الصدر والجوانب. (كان فستان الميني ذو الطبعة غير المتماثلة من تصميم المصممة المولودة في ألبانيا أحد “المنتجات الأكثر رواجاً” خلال الربع الأخير لمنصة ليست).
لا شك في أن مثل هذه الإطلالات المتفردة فتحت الباب للعديد من الصيحات عبر “إنستغرام” أخيراً. في شهر فبراير (شباط) أطلقت الشخصية المؤثرة والكاتبة المختصة في مجال الموضة كاميل شاريير اسم “حذاء الانتقام ذو الكعب العالي” على حذاء ذي كعب عال عريض من تصميم العلاَمة الباريسية أمينة معادي، وذلك بعد بضعة أشهر فقط من نشرها تعليقاً يقول “إطلالة الانتقام لما بعد كورونا” على صورة لها تظهر فيها مرتدية شورتاً قصيراً أسود وحذاء رسمياً باللون نفسه. وفي مكان آخر على منصة التواصل الاجتماعي، ظهرت ليندرا ميدين، مؤسسة مدونة “مان ريبلر” المختصة بالموضة، في إطلالة انتقام من الإغلاق خاصة بها مؤلفة من شورت أسود وجوارب شفافة من شانيل وحذاء من مانولو بلانيك وسترة على الطراز العسكري للمصممة نورما كامالي.
في هذه الأثناء، تبنت مجلة “تاون أند كانتري” المصطلح حرفياً، عندما كرست عدد مايو (أيار) للتركيز على سحر التأنق، حيث نشرت صورة للشخصية الاجتماعية جيل كارغمان وهي تحرق سروالها الرياضي. أجل، فعلياً.
تقول مورغان لو كايير، مسؤولة المحتوى في منصة “ليست”: “بعد ارتداء السراويل الرياضية طوال الوقت لأكثر من عام، من الواضح أن عشاق الموضة يرغبون في الشعور بفرحة ارتداء الملابس مرة أخرى، ويبدو أنهم استفادوا أيضاً من هذا الوقت الذي يقضونه في المنزل لإعادة التفكير وكسر قواعد الأزياء النمطية… بعد الإغلاق، ستتشكل اتجاهات الموضة على نطاق واسع وفقاً لنمط التجارب التي كنا نفتقدها خلال الأشهر الماضية، نحن نتوقع عودة الفساتين الضيقة وغيرها من ملابس الخروج”.
لوحظت اتجاهات مماثلة في متجر “نيت آ بورتي” الإلكتروني الفاخر، حيث أشارت ليبي بيج، المحررة الرفيعة في مجال السوق إلى ارتفاع نسبة الفساتين الملونة المنقوشة من صناعة مصممين من أمثال كلوي وزيمرمان. وقالت “: “نتوقع كثافة في الملابس الأنثوية والنقوشات المرحة بالتزامن مع احتفاء الزبائن بمتعة ارتداء الملابس من خلال تجربة أقمشة وألوان لم يجربوها عادةً في السابق”.
ساي سانغيث داسواني، رئيسة قسم الاستشارات في شركة ستايلاس لاستخبارات الاتجاهات، تصف هذا بأنه “عقلية مناهضة للمنزل”. وتضيف: “مع توافر المزيد من وقت الفراغ لدى المستهلكين، أدى الوباء إلى تمكين إبداعهم، لا سيما على الصعيد الاجتماعي… وبالمثل، قد لا يرغب المستهلكون في متابعة الاتجاهات الجاهزة الرائجة في المستقبل ويفضلون استخدام ملابسهم وأسلوبهم وذوقهم الخاص في الملابس للتعبير عن هوياتهم بشكل أفضل”.
قد يبدو من الطبيعي، بعد ارتداء البيجامات وملابس المنزل فحسب لعام كامل، أن نرغب في الاعتناء أكثر باختيار ملابسنا – ولكن هناك تفسير نفسي أعمق لهذه الظاهرة. تقول عالمة النفس المختصة بالموضة الدكتورة داون كارين: “بعد عام من الكآبة والسوداوية، سيؤدي بذل المزيد من الجهد في أسلوب لبسنا إلى خلق علاقة جديدة مع ملابسنا. هذه هي الخطوة الأولى لاستعادة حياتنا”.
وبالنظر إلى اعتماد صناعة الأزياء على أن تكون العلامات التجارية سباقة – حيث يعرض المصممون تشكيلاتهم قبل ستة أشهر – فلن يكون من المفاجئ تنبؤ العديد من العلامات التجارية في فبراير (شباط) الماضي بالارتفاع الحالي في موضة الانتقام من الوباء.
كان لفت النظر النمط الرائج في دار 16 آرلينغتون للأزياء، حيث كانت مجموعتها لخريف وشتاء 2021 مليئة بريش النعام المميز لتصاميمها، الذي تمكن من العثور على مكان له في كل التصاميم، من الأوشحة الجلدية والمعاطف الواسعة، إلى معطف مميز بلون برتقالي مائل إلى البني مغطى بطبقة من الشبك الأسود.
كما أن التوجه كان بالدرجة نفسها من الإثارة في تيمبرلي لندن. هذه العلامة التي تشتهر عادة بفساتين رقيقة مغطاة بالترتر، اتخذت منحى مختلفاً من خلال إنتاج فساتين مزينة بنقش جلد الفهد مع معاطف متناسقة وتصميم مميز على هيئة بدلات مكونة من ثلاث قطع مصنوعة من المخمل والجلد.
كما يعلم أي عاشق للموضة، فإن ملابسنا ليست مجرد أشياء نرتديها، ولكنها وسيلة للتعبير عن الذات. وبعدما سُلب العديد من الناس من هذا الشعور لأكثر من عام، سيشعرون بأنهم مضطرون للتعبير عن أنفسهم بجرأة أكثر من أي وقت مضى. ونتيجة لذلك، تتوقع الدكتورة كارين أن تصبح أي مناسبة حجة للتأنق، سواء كان ذلك لحضور حدث رياضي أو ركوب طائرة”. وتشرح قائلة: “تعرف هذه الظاهرة باسم “ارتداء الملابس لتحسين الحالة المزاجية… سيقوم الناس بارتداء الملابس من أجل أنفسهم وليس من أجل الآخرين”.
يذكر أنه هذه ليست المرة الأولى التي ألهمت فيها مأساة عالمية تغيير محتويات خزانة الملابس. تقول مؤرخة الموضة لالي ماكبث: “من نواحٍ عدة، يشبه هذا الموقف المبتهج وغير المكترث ما حدث قبل ما يزيد قليلاً على 100 عام في نهاية الإنفلونزا الإسبانية في عام 1918… شهدت عشرينيات القرن الماضي رواج التنانير، وتسريحات الشعر القصيرة، وروحاً مغامرة جديدة يملؤها التفاؤل والحرية”. وتتوقع ماكبث أن المزاج الذي يقف وراء التوجه الحالي هذه المرة سيتسم بإحساس مماثل بالتحرر: عندما يتم رفع جميع القيود، سنتمكن أخيراً من القيام بالأشياء التي لم نتمكن من القيام بها منذ شهور (مثل الخروج إلى الملاهي الليلية). من المنطقي إذن أن ينعكس كل هذا في طريقة لبسنا.
بالطبع سيكون هناك بعض الأشخاص الذين يجدون أنفسهم ينحرفون في الاتجاه المعاكس. ربما أصبحوا معتادين جداً على ملابس فترة الإغلاق، المؤلفة من سراويل رياضية وكنزات قطنية واسعة، لدرجة أن التفكير في ارتداء أي شيء آخر يجعلهم يرتجفون. تقول الدكتورة كارين: “سيكون هناك بعض الأشخاص الذين سيحافظون على نمط اللبس الرياضي لعام 2020… ستكون هذه المجموعة الخاصة من الناس “عالقة” في فترة زمنية محددة بسبب الهزة غير المتوقعة التي سببها لنا هذا الوباء والإغلاق. إنهم يهدئون أنفسهم بارتداء ملابس مريحة، بالتالي سيستمرون في ارتداء ملابسهم لأنها عملية وتشعرهم بالأمان”.
بغض النظر عن المعسكر الذي تنتمون إليه، لا شك في أن الوباء قد أحدث نوعاً من التغيير في شعوركم تجاه طريقة لباسكم. وتضيف بيج: “إنه أمر لا مفر منه بعدما كنا نشعر بأننا مقيدون في اختيارنا لملابسنا لمدة عام… الموضة تثير البهجة. لذلك من الطبيعي أن نرغب في تغيير أسلوبنا في التعامل مع الملابس الآن حيث هناك غاية أكبر من ارتدائها، ومزيد من الفعاليات، وإحساس بوجود سبب للقيام بذلك”.
إن كنتم غير متأكدين من مظهركم بعد الوباء، تقترح الدكتورة كارين إجراء “اختبار للعواطف… واستخدام هذه الاختبار للتحقق من شعوركم وأنه يتماشى مع ملابسكم. بالنسبة لأولئك الذين لا يستطيعون الانتظار حتى يقفوا على منصة الرقص مرة أخرى، قد يعني ذلك ارتداء أرقى وأبهى الملابس لديهم في كل مكان، من السوبر ماركت إلى مكتب البريد. لكن بالنسبة للآخرين، قد يعني ذلك اتباع نهج أكثر دقة يمكنهم من العودة بهدوء وسهولة إلى عالم الملابس الجديد والجريء.
تقول الدكتورة كارين إن المهم في الأمر هو ببساطة ضمان شعوركم بالراحة، مضيفة أن “التنافر وعدم الأصالة هما عدوا الشعور بالثقة… ومفتاح الحصول على إطلالة وشعور أفضل هو خلق تناغم يجمع بين شخصيتكم وكيف تشعرون وما يراه الناس من حولكم”. وهل هناك طريقة للقيام بذلك أفضل من أزيائكم؟
© The Independent