القصة الكاملة لـ”مدينة الأشباح” التي تحتلها تركيا في قبرص


كبير المفاوضين القبارصة : ننتظر قراراً قوياً من مجلس الأمن الأسبوع المقبل

إنجي مجدي صحافية

لحقت الولايات المتحدة بالاتحاد الأوروبي، منددة بإعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إعادة فتح أجزاء من مدينة فاروشا القبرصية، التي تحتلها تركيا منذ عام 1974 عندما اجتاحت الجزيرة المتوسطية، ما أدى إلى تقسيمها إلى شطرين، مع سيطرة الأتراك على الشطر الشمالي.

فاروشا مدينة الأشباح

تواجه قبرص، تلك الجزيرة التي تقع شرق المتوسط، انقساماً منذ غزو الجيش التركي للثلث الشمالي لها قبل نحو خمسين عاماً، رداً على محاولة جنرالات قبارصة يونانيين ضم الجزيرة لليونان. ومنذ ذلك الحين هجر السكان القبارصة اليونانيين منازلهم في فاروشا التي تقع غرب مدينة فاماغوستا الساحلية، لتتحول إلى منطقة عسكرية خالية من السكان مطوقة بالأسلاك الشائكة للجيش التركي، لذا يطلق عليها”“مدينة الأشباح”.

وبحسب قراري الأمم المتحدة 550 و789 اللذين تم تبنيهما فى عامي 1984 و1992، فإن فاروشا توضع تحت إدارة الأمم المتحدة. وفي عام 2019، أصدر مجلس الأمن قراراً يؤكد أن محاولات توطين أي أشخاص غير سكان فاروشا الأصليين، الذين فروا إلى الشطر الجنوبي من دولة قبرص، “غير مقبولة”، إذ كانت أنقرة أعلنت عن إعادة فتح المنتجع الساحلي.

وتتشكل الأغلبية السكانية لقبرص من القبارصة اليونانيين الذين يمثلون نحو 77 في المئة من السكان، والقبارصة الأتراك الذين يشكلون نحو 18 في المئة ويقطنون في الثلث الشمالي من الدولة. وبدعم من تركيا التي تسيطر على الإدارة الشمالية، يسعى القبارصة الأتراك للانفصال عن بقية الجزيرة وإعلان دولتهم، وهو ما لم يعترف به المجتمع الدولي الذي تتكثف جهوده في توحيد دولة قبرص في اتحاد ثنائي المنطقتين. وتظل تركيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تعترف بإعلان استقلال القبارصة الأتراك، كما تحتفظ بأكثر من 350 ألف جندي هناك.

وفي تحدٍّ للقرارات الدولية، زار أردوغان، الثلاثاء 20 يوليو (تموز)، تزامناً مع مرور 47 عاماً على الاجتياح التركي، الشطر الشمالي معلناً مع زعيم القبارصة الأتراك إرسين تتار، إعادة فتح قسم من فاروشا، التي كانت منتجعاً سياحياً جذاباً يطل على البحر المتوسط، وتبلغ مساحته 3.5 كيلومتر مربع. وقال أردوغان أمام حشد خلال عرض عسكري، “ليس لدينا 50 عاماً لنضيعها”، في إشارة إلى عقود من جولات التفاوض برعاية الأمم المتحدة باءت بالفشل في توحيد الشطرين اليوناني والتركي من الجزيرة.

وأضاف أردوغان، وسط هتافات من الحاضرين الذين كانوا يلوحون بالأعلام التركية، “لا يمكن إحراز تقدم في المفاوضات من دون التسليم بوجود شعبين ودولتين”. واعتبر أنه “لا يمكن استئناف عملية تفاوض جديدة إلا بين دولتين”، مضيفاً “من أجل هذا، يجب تأكيد السيادة والمكانة المتساوية للقبارصة الأتراك. وهذا أساس الحل”.

_________________________________________-02.png

ما هي قصة فاروشا القبرصية (اندبندنت عربية)

قرار متوقع لمجلس الأمن

وفي تعليق لـ”اندبندنت عربية” كشف الممثل الدائم لقبرص لدى الأمم المتحدة وكبير المفاوضين في المحادثات المحلية بشأن تسوية القضية، أندرياس مافرويانيس، إن قبرص تتوقع قراراً قوياً في شأن الأزمة يتم اعتماده من جانب مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة في 29 يوليو الجاري، ومن شأنه تجديد قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في المدينة، من دون أن يدلي بمزيد من التفاصيل. وتتوقع قبرص بياناً قوياً بحلول الخميس، من جانب مجلس الأمن الذي ترأسه فرنسا الشهر الجاري.

وأوضح مافرويانيس، “عقدنا جلسات عدة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. هناك العديد من القرارات المهمة بشأن فاماغوستا (لا سيما القراران 550 و789)، وصدرت بيانات عن مجلس الأمن في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 وأكتوبر 2020. وسنتخذ إجراءً آخر اليوم. سندرس وسائل أخرى. من الواضح أن جميع تصرفات تركيا غير قانونية وتنتهك القرارات الإلزامية الصادرة عن مجلس الأمن”.

وأكد سفير قبرص إن بلاده تبذل ما بوسعها لوقف الانتهاكات التركية والأمر الواقع الذي تسعي لخلقه على الأرض، قائلاً “نحن أمام احتلال من دولة قوية ترفض الالتزام بالشرعية الدولية وقرارات المجتمع الدولي. ليس لدينا القوة العسكرية لمواجهة تركيا، لذلك فإن وسائلنا سياسية وقانونية ودبلوماسية فحسب. نحشد الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي الذي نحن عضو فيه وجميع الدول القوية لردع تركيا… مع ذلك، فقد حان الوقت لتجاوز البيانات والسعي للحصول على نتائج ملموسة لقلب الأمر الواقع”.

أهمية استراتيجية

وعلى الرغم من صغر مساحة قبرص، غير أن الجزيرة التي تقع في الركن الشمالي الشرقي للبحر المتوسط وهي دولة كاملة العضوية في الاتحاد الأوروبي، تمثل أهمية استراتيجية سواء لأوروبا أو غيرها من جيرانها في المنطقة، إذ إن موقعها يجعلها جزءاً أساسياً من أي ديناميكية أمنية في المنطقة.

وتشكّل قبرص عنصراً حاسماً في عمليات “الناتو” في منطقة المتوسط، على الرغم من أنها ليست عضواً في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وتعتبرها الولايات المتحدة “مهمة للبقاء على السيطرة على مياه البحر المتوسط وتأمين وجود الأسطول السادس للبحرية الأميركية”. وتشكّل أهمية خاصة لفرنسا التي تربطها علاقات قوية بسوريا ولبنان، وتستضيف الجزيرة في الجزء الجنوبي قاعدتين جويتين للمملكة المتحدة.

وفي بيان منشور على موقع الوزارة، قال وزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكن، إن الولايات المتحدة تدين إعلان كل من أردوغان وتتار بشأن نقل أجزاء من فاروشا إلى سيطرة القبارصة الأتراك. وأضاف أن هذه الخطوة تتعارض مع قراري مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 550 و789، اللذين يطالبان صراحة بإدارة فاروشا من قبل الأمم المتحدة.

وأشار البيان إلى أنه منذ أكتوبر 2020، عندما أعلن القبارصة الأتراك عن افتتاح شاطئ فاروشا وبدأوا اتخاذ إجراءات التنفيذ، “تجاهل القبارصة الأتراك وتركيا دعوات من المجتمع الدولي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للتراجع عن خطواتهم الأحادية الجانب في فاروشا”. وتابع أن “الولايات المتحدة تنظر إلى تصرفات القبارصة الأتراك، بدعم من تركيا، على أنها استفزازية وغير مقبولة ولا تتوافق مع التزاماتهم السابقة بالمشاركة بشكل بناء في محادثات التسوية”.

وحث القبارصة الأتراك وتركيا على التراجع عن القرار المعلن وجميع الخطوات المتخذة منذ أكتوبر 2020. وأعلن أن “الولايات المتحدة تعمل مع شركاء متشابهين في التفكير لإحالة هذا الوضع المقلق إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وستحث على استجابة قوية”، مضيفاً أن واشنطن تؤيد تسوية شاملة يقودها القبارصة لإعادة توحيد الجزيرة كاتحاد ثنائي المنطقتين والطائفتين لإفادة جميع القبارصة والمنطقة الأوسع.

أردوغان ليس صديقاً للأميركان

بيان الخارجية الأميركية الذي حمل لهجة صارمة، سبقته ضغوط مكثفة من الكونغرس بقيادة السيناتور الديمقراطي روبرت مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، الذي وصفته أنقرة قبل عام بأنه “عدو” لتركيا. وقال مينيديز إن الاقتراح التركي بإنشاء دولتين في قبرص وخطط تطوير منطقة فاروشا المغلقة لا تهدد جمهورية قبرص فحسب، بل تهدد أمن المنطقة بأكملها، مؤكداً أن من واجبه أن “تبقي الولايات المتحدة أنظار العالم على قبرص وأن أنقرة ستُحَاسب على أفعالها”.

وأضاف مينينديز أمام مجلس الشيوخ في ذكرى الاحتلال التركي لشمال قبرص، “أردوغان، ببساطة، ليس صديقاً للولايات المتحدة. إنني أتطلع إلى العمل مع الوزير بلينكن لاستكشاف خطوات جديدة يمكن للحكومة أن تتخذها لضمان أن يواجه الرئيس أردوغان تداعيات إضافية لانتهاك القانون الدولي ولتصميمه الصريح على السيطرة على مصير القبارصة… نحن ملتزمون بشدة بإنهاء التقسيم المأساوي لهذه الدولة”.

وعلى الصعيد الأوروبي، أعرب المسؤول عن الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، عن “قلقه” لتصرف أردوغان، معتبراً أنه “غير مقبول”. وقال بوريل في بيان، “يشدد الاتحاد الأوروبي مجدداً على ضرورة تفادي الخطوات الأحادية المنافية للقانون الدولي، والاستفزازات الجديدة التي يمكن أن تزيد التوترات في الجزيرة وتهدد استئناف المفاوضات بهدف التوصل إلى تسوية شاملة للمسألة القبرصية”.

غاز المتوسط

يمثل الاحتلال التركي للشطر الشمالي من قبرص، ثغرة لمساعي أنقرة اقتناص حصة من غاز شرق المتوسط. ففي مايو (أيار) 2019، زعم الرئيس التركي أن سفن بلاده التي قامت بأعمال تنقيب “غير قانونية” عن الغاز في المياه القبرصية كانت تقوم بهذه الأعمال من أجل ما وصفه “حقوق أشقائهم في جمهورية قبرص التركية”، في إشارة إلى الشمال المُحتل.

ولطالما نددت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بمحاولات أنقرة التنقيب عن الغاز في المياه الواقعة ضمن سيادة قبرص شرق المتوسط، بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 (UNCLOS) التي تحدد المناطق الاقتصادية الخالصة للدول على أنها تمتد 200 ميل من شواطئها. لكن تركيا لم توقع على الاتفاقية الأممية وتجادل بأن قبرص يحق لها الحصول على 12 كيلومتراً من المنطقة الاقتصادية الخالصة فقط. وترى أن المياه الممتدة جنوباً من الجزيرة منطقة تركية، إلى أن تُصبح مصرية.