أكدت التجارب صعوبة أن تتخلى هذه الحركات عن الانفراد بالحكم مهما تعددت لقاءات الحوار والمفاوضات
رفيق خوري كاتب مقالات رأي
ليس في أفغانستان شيء اسمه “طالبان جديدة”. ولا من السهل خداع العالم بتفاوض “طالبان” مع أميركا وحكومة كابول وحديث وقف النار ومحاولات تطمين دول الجوار، وهي تمارس في الوقت ذاته السيطرة على الولايات والحدود بالقوة العسكرية. فالسلطة تنهار أمامها في أسرع دومينو كما تخترق السكين قطعة زبدة. والتجارب تعيد تأكيد صعوبة أن تتخلّى حركات الإسلام السياسي عن الانفراد بالسلطة مهما تعددت لقاءات الحوار والمفاوضات.
كل جهود مصر والسعودية والفصائل الفلسطينية لتنفيذ اتفاقات المصالحة بين “حماس” و”فتح” فشلت في دفع “حماس” إلى القبول بالمشاركة في الحكومة وإعادة السلطة الشرعية إلى قطاع غزة.
وعلى العكس، فإن “حماس” توظّف معركة “سيف القدس” في التسليم لها بقيادة العمل الفلسطيني والتمدد من غزة إلى الضفة الغربية ومخيمات الشتات. وكل موفدي الأمم المتحدة والولايات المتحدة عجزوا عن إقناع الحوثيين في اليمن بتنفيذ القرارات الدولية ومخرجات الحوار الوطني والاجتماعات الدولية المتعددة في عواصم أوروبا.
وعلى العكس، فإن مشروعهم بدعم إيراني هو إعادة اليمن إلى أيام الإمارة قبل الثورة والجمهورية، لكن تحت سلطة عبد الملك الحوثي وآل الحوثي بدل سلطة الإمام أحمد ونجله الإمام البدر وأسرة حميد الدين.
هكذا كانت خطة الإخوان المسلمين في مصر بعدما خطفوا الثورة قبل أن يقصيهم الشعب والجيش. وخطة “داعش” و”القاعدة” في العراق وسوريا قبل الدخول العسكري الروسي الداعم للنظام والمشاركة العسكرية الأميركية دعماً للكرد شرق الفرات ولحكومة بغداد الشرعية.
حتى حركة “النهضة” التي تخوفت من مصير الإخوان في مصر، وأوحت أنها تعلمت درسهم وقبلت المشاركة في السلطة في تونس، فإنها لا تزال تخطط للانفراد بالسلطة. وليس أمراً عادياً أن يتصرف رئيس المجلس النيابي ورئيس “النهضة” راشد الغنوشي كأنه رئيس الدولة والحكومة وصاحب البلد في مواجهة الأحزاب اليسارية واليمينية والوسطية. وهو كان كشف بصراحة عن الخطة في مقال نشره عام 1998 تحت عنوان “مشاركة الإسلاميين في حكومات غير إسلامية”. قال: “الإسلاميون يمكن أن يمارسوا مشاركة لوقت قصير مع أحزاب علمانية وإقامة ديمقراطية علمانية، لكن فقط لتأجيل الهدف البعيد وهو إقامة حكومة إسلامية عندما تسمح الظروف”.
ولا أحد يخدعه الترويج الإعلامي للخرافة القائلة إن “طالبان” نضجت وتغيّرت خلال عشرين عاماً من البقاء خارج السلطة، بعدما طردها الغزو الأميركي وتكتّل أمراء الحرب والطوائف والقبائل والأعراق. فهي ابنة الاستخبارات العسكرية الباكستانية. وتمكّنت بدعم باكستاني من السيطرة بمفردها على أفغانستان وهزيمة كل أمراء الحرب المشاركين في السلطة.
ولم يكُن ذلك صعباً. فأمراء الحرب غارقون في الفساد والصراع على المال والسلطة. والفوضى تنتشر في البلد. و”طالبان” قدمت نفسها كحركة طلاب مدارس شرعية ضد الفساد وزراعة الأفيون، ومع حكم الشرعية وضمان الأمن والعيش الكريم.
أما اليوم، فإن تجربتها في السلطة صارت أمامها، ولم تعُد فقط وراءها. وهي تجربة تأويل متشدد للفقه وتزمّت اجتماعي. فلا مدارس للبنات. ولا وظائف للنساء. لا تعليم إلا في مدارس الملالي. لا عقوبة على أية مخالفة أقل من قطع الرأس بالسيف. وليس على بقية زعماء البشنون وكل زعماء الأوزبك والطاجيك والهزارة سوى الإذعان. أيام “اللوياجيرغا” والتشاور والتفاهم انتهت. وأيام الإرهاب الذي تمارسه “القاعدة” من مراكزها في أفغانستان ضد المدنيين في الشرق الأوسط وأوروبا وأميركا بدأت. فما هو البرنامج الذي تريد “طالبان” تقديمه للناس، وعملياً فرضه بالقوة؟
اللعبة في الداخل معروفة ومكررة. واللعبة مع الخارج، وهي التعهد بمنع أية عمليات إرهابية ضد أميركا وأوروبا والدول العربية ودول الجوار تبدو أجمل من أن تكون حقيقة. فالخبراء في شؤون الإرهاب، وأبرزهم الفرنسيان أوليفييه روا وجيل كيبل، يميزون بين نوعين من حركات الإسلام السياسي: النوع الذي له مشروع وطني ضمن حدود جغرافية ويسمّون “طالبان” و”حماس”. والنوع الذي له مشروع عالمي مثل “داعش” و”القاعدة”.
لكن “طالبان” تحالفت مع “القاعدة”، وقدّمت لها كل التسهيلات للقيام بعمليات إرهابية، أخطرها تفجير برجَي مركز التجارة العالمي في نيويورك. و”حماس” متحالفة مع إيران التي تسمّيها واشنطن “المصرف المركزي للإرهاب”. ثم إن سلطة “طالبان” وصفة لعودة الحرب الأهلية إلى أفغانستان. وليس إسماعيل خان، الملقب “أسد هرات” هو أمير الحرب الوحيد الذي توعّد بقتال “طالبان”.
ولا مجال، حتى لملوك المرونة والدبلوماسية إرضاء كل الدول المحيطة بأفغانستان والقوى التي ستتصارع على النفوذ فيها. ولا بد من التذكير بقول أينشتاين “إن تكرار التجربة على المواد نفسها وتوقّع نتيجة مختلفة هو ضرب من الجنون”.