ثبت تاريخياً خطأ فكر مالتوس فاستمر أتباعه فيه ولكن تحت مظلة التغير المناخي
أنس بن فيصل الحجي اقتصادي متخصص في مجال الطاقة @anasalhajji
بينما لا يعرف كثيرون أن هناك إرهابيين بيئيين يقبعون في سجون الدول الغربية لقيامهم بأعمال إرهابية باسم “حماية البيئة”. كثرت في الفترات الماضية تجاوزات حماة البيئة وأنصار التغير المناخي للقانون، وأصبح التعدي على الحريات والممتلكات صفة ملازمة لكثير من تظاهراتهم. الغريب في الأمر أن غلاة “التغير المناخي” لا يهتمون بحقوق الإنسان، بل على العكس، ليس عندهم مانع من “انتهاك” حقوق الإنسان.
والأغرب هو أن بعضهم يختصر التغير البيئي كله في “انبعاثات الكربون”، على الرغم من أن انبعاثات الكربون هي جزء من المشكلة، ومن ثم فإن عداءهم للوقود الأحفوري شديد. ولا تتوقف الأمور هنا، بل إنهم يرفضون أي حلول للمشكلة. فقد بلغ تطرفهم أنهم لا يقبلون انخفاضاً تدريجياً في استهلاك الفحم والنفط والغاز، ولكنهم يريدون توقفاً كاملاً ومباشراً، بغض النظر عن الآثار الإنسانية والاقتصادية لذلك. وإياك أن تذكر لهم الطاقة النووية أو الهيدروجين الأخضر باعتبارهما حلّين، على الرغم من أنهما لا ينتجان أي كربون، لأن الحل الوحيد في نظرهم هو الطاقة الشمسية والرياح والسيارات الكهربائية، على الرغم من أنها تنتج االكربون، خصوصاً في مرحلة التصنيع والنقل!
ويُعرِّف مكتب التحقيقات الفيدرالي في الولايات المتحدة (FBI) الإرهاب البيئي بأنه “استخدام أو تهديد باستخدام عنف ذي طبيعة إجرامية ضد الضحايا الأبرياء أو الممتلكات من قبل مجموعة محلية ذات توجه بيئي لأسباب بيئية وسياسية”.
منذ عقود، أدخل بعض حماة البيئة أسياخاً أو أنابيب حديد في جذوع الأشجار في الغابات. وعندما تأتي الشركات المتخصصة لقطع هذه الأشجار، يصطدم المنشار بالحديد. الأمر الذي يعطله من جهة، ويمنع قطع الشجرة من جهة أخرى. وإذا تم قطعها فإن المناشير الضخمة في المعامل التي يُقص فيها جذع الشجرة تصطدم بالحديد. الأمر الذي يؤدي إلى توقف المعمل، وأحياناً إلى أضرار بشرية. ولكن الأمور تطورت بسرعة بعد ذلك، إذ بدؤوا بشن هجمات على معسكرات الشركات وحرقها أو حرق المعدات أو تخريبها. وشُنت هجمات على الوكالات التي تبيع السيارات العائلية الكبيرة. وهُجم أحياناً على خطوط الكهرباء أو التخطيط لقطع خطوط الكهرباء. وفي بعض الأحيان، فُجرت منشآت، بعضها عن طريق ضربها بالصواريخ! وقام بعض قادتهم بالترويج إلى تخريب الأدوات والمعدات، كي تتوقف عن العمل. وفي السنوات الماضية، تطور الأمر إلى الهجمات الإلكترونية. وبالنسبة إلى النفط والغاز، نظّم البعض عمليات تخريبية في الآبار والمعدات المركبة عليها.
وعند الحديث عن التطرف البيئي أو المناخي، علينا أن نتذكر أن الحكومات أنفقت مليارات الدولارات خلال الـ40 سنة الماضية، وقدمت إعانات ضخمة لصناعة الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، ونتج عن ذلك صناعات ضخمة عالمية. هذه الصناعات، كي تضمن تدفق الإعانات الحكومية والاستثمارات، شكلت لوبيات قوية وبدأت تؤثر بشكل واضح في السياسات الحكومية في الدول الصناعية. وتقتضي مصلحة هذه الصناعات ولوبياتها والمراكز البحثية التي تدعمها، وكل من يتبعها من باحثين وأكاديميين وإعلاميين، العداء للنفط والغاز، والدفاع عن الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، سواء كان ذلك حقيقة أم لا. الواقع أن تدفق المليارات لهذه الصناعات لا يتطلب العداء للنفط والغاز فحسب، وإنما يتطلب تضخيم آثار التغير المناخي، وربط أي حادثة بالتغير المناخي. مثلاً، الفيضانات في أوروبا الآن، خصوصاً ألمانيا، ليست غريبة على المنطقة، بل إن السجلات التاريخية تبين أن هذه الفيضانات تكررت عشرات المرات على مر آلاف السنين، قبل النفط، وقبل الكهرباء والسيارات. وتشير البيانات إلى أن عدد القتلى في الفيضانات القديمة كان بالآلاف، مقارنة بالعشرات أو المئات في العقود الأخيرة!
باختصار، هناك لوبي مناخي ضخم يربط البنوك بالصناعة بالإعلام بالسياسة! وقد يقول قائل إن صناعة النفط فعلت الشيء نفسه إذ كان لها لوبي ضخم في العواصم العالمية. هذا الكلام صحيح، ولكن الفرق أن صناعة النفط ومن يستخدم النفط يدفع للحكومة على شكل ضرائب وريوع، على عكس صناعة “التغير المناخي” التي تنهب الحكومات على شكل إعانات. والحقيقة أن السيارات الكهربائية قد تكون السلعة الوحيدة التي تدعم الحكومات إنتاجها وبيعها وشراءها!
في المقابل، عائد الدول الأوروبية من الضرائب على المنتجات النفطية أكبر من إيرادات الدول النفطية على مبيعات النفط! النرويج تستخدم عائدات النفط لتقديم إعانات ضخمة لشراء السيارات الكهربائية!
ولا بد من تكرار ما ذكر سابقاً في هذا السياق: نتائج هذا الإنفاق الملياري بسيطة جداً. مثلاً، لو حُول كل السيارات في الاتحاد الأوروبي إلى سيارات كهربائية، وجاء كل الكهرباء من الطاقة الشمسية والرياح (في المناسبة، بتكلفة تريليونية)، فإن هذا سيخفض انبعاثات الكربون العالمية بمقدار 2 في المئة فقط! وإذا حُول كل المواصلات في الولايات المتحدة الأميركية: كل السيارات والشاحنات والطائرات والسفن والقطارات والجرارات الزراعية والحصّادات إلى كهربائية، فإن هذا سيخفض انبعاثات الكربون العالمية بمقدار 4.3 في المئة فقط! بعبارة أخرى، تحويل كل السيارات في أوروبا إلى كهربائية، وتحويل كل وسائل المواصلات في الولايات المتحدة إلى كهربائية سيخفض انبعاثات الكربون العالمية بمقدار 6.3 في المئة فقط! هذه الأرقام منهم هم! وفي إمكان القارئ الكريم إجراء الحسابات لوحده ليتوصل إلى النسب نفسها!
جنكيز خان
تشير الدراسات إلى أن التطرف البيئي جاء امتداداً لفكر مالتوس والمالتوسيين، الذين يرون أن موارد الكرة الأرضية غير كافية لسكانها، وركزوا على فكرة تحجيم النمو السكاني لتفادي كارثة. وقد ثبت تاريخياً خطأ هذا الفكر، فاستمر أتباعه فيه، ولكن تحت مظلة التغير المناخي. ويرى قادة هذا الفكر أنه يجب تخفيض عدد سكان الأرض لإنقاذها، ويطالبون بنمو اقتصادي سلبي، والتقشف بالاستهلاك، والعودة إلى حياة “طبيعية” أكثر. بعبارة أخرى، أقرب إلى حياة الناس في القرن الخامس عشر، قبل الثورة الصناعية. وبما أن هذا غير ممكن، يؤيدون الحكومات القوية والديكتاتوريات، ومن ثم فإن موضوع حقوق الإنسان أمر ثانوي أمام فكرة “حماية الكوكب”.
والغريب في الأمر أنهم غربيون، ولكنهم يعادون حكوماتهم ويؤيدون حكومة الصين مثلاً، ويدافعون عنها. وهو الأمر الذي جعل بعض اليمينيين يقتنعون بأن الصين تروج لفكرة التغير المناخي لضرب اقتصادات الدول الغربية في الصميم، وانهيارها. الأمر الذي يمهد لسيطرة الصين عالمياً. هذه الأفكار تحتاج إلى مزيد من الدراسة والتحقيق، ولكني شخصياً مررت بتجربة مع أشهر مجموعة استشارية مؤيدة للسيارات الكهربائية، وتعجبت من كونهم غربيين، ولكنهم يفتخرون بإنجازات الصين وما ستفعله في هذا المجال بشكل مريب.
ووصل الأمر إلى ظهور مقالات ودراسات تمجد جنكيز خان كأشهر قائد بيئي في التاريخ، وأصبح “جنكيز الأخضر”! لماذا؟ لأن الانبعاثات انخفضت في عهده! لماذا؟ لأنه قتل عدداً هائلاً من البشر، وأوقف الأنشطة الاقتصادية والزراعية، وبذلك أعاد الأرض إلى ما يجب أن تكون عليه، إذ عادت الغابات إلى النمو، فامتصت كميات أكبر من الكربون! الحقيقة أن قراءة هذا النوع من المقالات مؤلم لأنها توضح أن متطرفي التغير المناخي غير مهتمين بحقوق الإنسان، وغير مهتمين بالقتل والاستعباد والاغتصاب… المهم هو “الكوكب”!
وذكر باحثون في إحدى الدراسات أن “جنكيز خان، في الواقع، ربما لم يكن أعظم محارب فحسب، ولكن أعظم محارب بيئي في كل العصور”. وقالوا عنه إنه “أخضر (من أكثر خضرة) غاز (من الغزو)”! لماذا؟ لأنه في عهده تم تلاشي 700 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون!
هذا فكر إرهابي! لماذا؟ لأن جنكيز خان لم يكن هدفه تحسين البيئة، ولم يكن هدفه تخفيض انبعاثات الكربون. كان هدفه القتل والتدمير والنهب والسلب. ماذا يريد متطرفو التغير المناخي من هذه الدراسات؟ يريدون أن يقولوا إن إنقاذ الأرض يتطلب تخفيض عدد سكان الأرض ووقف الأنشطة الاقتصادية، حتى لو تطلب ذلك حرباً عالمية ثالثة!
ولم يكتف الباحثون بذلك، بل ذكروا أن كمية الكربون التي خفضها جنكيز خان، تساوي كمية الكربون التي تنتج عن استهلاك العالم من النفط لعام كامل. هذه الصورة الذهنية التي يحاول متطرفو التغير المناخي تقديمها للناس هي الربط بين الكربون والنفط، مع أن المشكلة الأساسية هي الفحم! والربط بين جنكيز خان والنفط! ولكن، إذا عرف السبب بطل العجب!
هناك العديد من قادة التغير المناخي الذين نادوا بتخفيض عدد سكان الأرض قبل عام 2100. وهم يتفقون على أن سبب مشكلة المناخ هو الزيادة الضخمة في عدد السكان. وهم منزعجون من أن أفكار مالتوس فشلت، إذ إنه مع زيادة عدد السكان لم تحصل المجاعات التي كان مالتوس يتكلم عنها، بل على العكس حصلت وفرة! لماذا لم تحصل المجاعة؟ ولماذا فشلت أفكار مالتوس؟ السبب هو اكتشاف النفط! فقد مكّن النفط، الذي يشمل الغاز، من تصنيع كميات هائلة من السماد التي زادت من إنتاجية الأرض والفلاحين، فتوافرت المحصولات الغذائية، وأطعمت البشرية بأعدادها المتزايدة!
فهمتم الآن؟ إذا خُنقت صناعة النفط، ومعها الصناعات الرديفة مثل البتروكيماويات، يتوقف إنتاج السماد، فينخفض الإنتاج الزراعي، فتحصل المجاعات، وينخفض عدد سكان الأرض، وبهذا يعود الكوكب إلى ما كان عليه! هل عرفتم الآن سبب العداء للنفط والكربون تحديداً؟ من سيقوم بذلك؟ لا يمكن أن يتم ذلك في أجواء حرية وديمقراطية! إنهم يبحثون عن جنكيز خان جديد… يمنع النفط!