قبل ساعات من لقاء بايدن والملك: الجيوسياسي الأردني إلى «مساحات» جديدة غير مسبوقة

يبدو أن الفرصة بالمعنى الإستراتيجي السياسي هذه المرة أصبحت مفتوحة على إطلاق علاقات إستراتيجية متقدمة جداً بين الأردن والولايات المتحدة برافعة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وبصيغة لا تبدو مسبوقة طوال السنوات الماضية، خصوصاً بعد عهد من القطيعة والعزلة بين المؤسسات الأردنية وإدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
رصد المراقبون جميعاً، وخصوصاً في الأسرة الدبلوماسية الغربية في العاصمة عمان، حجم الاهتمام من قبل الإدارة الأمريكية بإضفاء طابع ضامن لنمو العلاقات بين البلدين من قبل البيت الأبيض بطاقمه الحالي، عبر التركيز على جملة تضامنية غير مسبوقة برعاية الرئيس الأمريكي نفسه بايدن للعلاقات مع الأردن، أملاً في إطلاقها إلى مساحات كانت قد غادرتها منذ أربع أو خمس سنوات لأسباب سياسية واقتصادية يعرفها جميع الأطراف.
الزيارة المهمة التي يقوم بها إلى الولايات المتحدة الأمريكية العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، أصبحت بمثابة البوابة التي يتم عبرها إدخال العناصر الجديدة لتركيب المشهد، الأمر الذي يوحي ضمنياً بأن تداعيات سياسية بعضها إقليمي وبعضها الآخر داخلي على الأرجح من النوع المهم جداً، قد تكون في طريقها فور إطلاق العلاقات التحالفية بين الأردن والإدارة الأمريكية الجديدة، وإدخالها في مساحات غير مسبوقة.
يراقب الجميع إستناداً إلى هذا الأساس، قبل ساعات من عقد لقاء قمة أمريكي أردني مقرر الاثنين في الفترة الصباحية، كيف تطورت آلية التعاطي الأمريكي مع الأردن على نحو مفاجئ، فالعاهل الأردني ليس فقط الزعيم العربي الإسلامي الوحيد الذي كان أول زعيم يلتقيه الرئيس بايدن.
وعاهل الأردن لن يقف عند حدود التحدث باسم بلاده وعنها فقط، ولكن من المرجح أنه -استناداً إلى جلسات تسربت منها بعض النقاشات في القصر الملكي قبل الزيارة- سيتحدث بعد اتصالات خاصة مع بعض زعماء المنطقة، ويبدو أن ملك الأردن في يديه أوراق لها علاقة بسوريا والعراق ومصر والفلسطينيين بشكل خاص، سيعرضها على طاولة الرئيس بايدن.
لقاء القمة الأردني الأمريكي كان يفترض أن يجري في الشهر الرابع من العام، لكن مصادر غربية دبلوماسية مطلعة في العمق على التفاصيل تحدثت لـ«القدس العربي» عن تأجيل هذا اللقاء عدة أسابيع بهدف إنضاج سلسلة مهمة جداً من المشاورات المعمقة قبل عقده، الأمر الذي يوحي بأن اللقاء يتوج سلسلة من المشاورات خلف الستارة، والكواليس مع الأردنيين أكثر من كونه لقاءً عابراً أمام الكاميرات، كما تحاول بعض الأصوات الإيحاء.
في السياق، واضح تماماً أن تفاهمات عميقة جرت على ملفات محددة، وأن لقاء واشنطن الطازج خلال الساعات القليلة الماضية سيتوج هذه التفاهمات ويمنحها زخماً رئاسياً وملكياً إلى أن تتحول إلى برامج على الأرض.
الحديث هنا عن نظرة جديدة للعلاقات التجارية والحدودية بين الأردن وسوريا بحكم الواقع الاقتصادي والتجاري الأردني. والحديث عن محاولة اختبار إطلاق مشروع حل الدولتين، والعمل المشترك بالتعاون مع مصر تحديداً على تأمين مستقبل هادئ قدر الإمكان في الضفة الغربية، والبحث عن خيارات لها علاقة بالتشاور مع الأردن في إطار دور فلسطيني أردني مشترك قد يدير بعض الملفات والأمور في الضفة الغربية لاحقاً.
الحديث في الوقت نفسه لا يخفى على جميع الأطراف أنه يبدأ ويناقش التفاصيل خلف الستارة، في الوقت الذي بدأت فيه الأراضي الأردنية تحتضن نخبة كبيرة من الآليات ومنصات الصواريخ والأجهزة القتالية الأمريكية، إضافة إلى قوات أمريكية يبدو أن بعضها انتقل من قطر، وبعضها الآخر من العراق، وحتى بعضها انتقل من الكويت وفي طريقه إلى الاستقرار ضمن مشروع كبير لقواعد عسكرية دائمة داخل الأراضي الأردنية.
هذا الوضع الجيوسياسي الاستراتيجي يؤسس للأردنيين هامشاً مختلفاً هذه المرة ليس علي الركن السياسي فقط بل في اتجاه استعادة الدور ووجود احتمالية لدور تشاوري له علاقة بالعراق وبالإقليم وبالمسار الفلسطيني بالتنسيق مع مصر فقط. وأيضاً على أساس التمحور الاقتصادي وتقديم مساعدات بالجملة للجانب الأردني، مالية واقتصادية، تناسب حالة التمحور الاستراتيجية الجديدة، حيث يرى مراقبون وخبراء بأن الفرصة فعلاً متاحة الآن كما لم يكن من قبل، ودون فهم حتى كل الأسباب، إلى ضمانات تتعلق بتأطير جديد للعلاقات الأردنية الأمريكية ليس على رافعة الرئاسة الأمريكية فقط ولكن هذه المرة على رافعة برامج التدريب والتأهيل والعمل والاشتباك لوزارة الدفاع البنتاغون الأمريكية أيضاً.
وهي الوزارة التي بدأ العاهل الأردني زيارته الرسمية إلى واشنطن بلقاءات مغلقة مع جنرالاتها ورموزها، خصوصاً في قيادة المنطقة الوسطى وفي قيادة العمليات الخاصة. ويبدو أن الجانب الفني العسكري له علاقة بإقامة تحالف سياسي بين البلدين، وسينتج عنه بالضرورة لاحقاً توفير ضمانات لوقف ومنع التراجع أو الانهيار الاقتصادي الأردني، خصوصاً أن الاقتصاد الأردني يترنح أمام ضربات الجائحة كورونا.
المعطيات الواردة من واشنطن هنا تفيد بأن الأردن سيحظى بالأولوية على قائمة الدول التي تساعدها وكالة الإنماء الأمريكية، وتفيد بأن برنامج الأردن المطلوب تجديده لخمس سنوات والذي يضمن تدفق المساعدات لحزمة سنوات خمسة بالتأكيد، سيتم إقراره أيضاً.
والاتصالات الأولية كانت قد تحدثت عن تحويل إيداع نقدي بقيمه 600 مليون دولار إلى الخزينة الأردنية فعلاً من وكالة الإنماء الأمريكية، في الوقت الذي أظهرت فيه الإدارة الأمريكية الحرص على التضامن الصحي مع الأردن بتعزيز الاحتياط الاستراتيجي من لقاحات فايزر لدى وزاره الصحة الأردنية، وعبر إرسال نحو نصف مليون جرعة لقاح يقال إن مثلها سيأتي لاحقاً أيضاً.