خليل النظامي
من المعروف أن معالجة الأزمات بمختلف أنواعها وأشكالها يكون ضمن عدة مراحل تبدأ بـ التشخيص يليها مرحلة التحليل لـ تنتهي الأزمة بـ الأخيرة وهي مرحلة المعالجة، ولكن الأمر لدينا في الأردن مختلف تماما عن هذه المنهجية العلمية، فـ منذ سنوات طويلة وأنا أراقب كيفية تعاطي الحكومات والنقابات والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني مع قضايا الوطن المختلفة السياسية والاقتصادية والخدمية والاجتماعية والتعليمية والصحية ..الخ،
وإستخلصت ان جميعهم يعملون على هذه الأزمات من خلال مرحلتي التشخيص والتحليل فقط، أما مرحلة المعالجة فليست في قاموسهم لا من قريب ولا من بعيد. فلو أخذنا على سبيل المثال لا الحصر الاختلالات الحاصلة في المنظومة الصحفية والإعلامية في الأردن من حيث التشريعات التي تحكمها وما تتعرض له الصحف اليومية من أزمات إقتصادية وإدارية، وهشاشة المخرجات التي تتراشق في كل مكان، وأزمة الاعلانات ومنصات التواصل الاجتماعي وغيرها، لوجدنا أن الحكومة والجهات المعنية فيها مثل هيئة الاعلام ونقابة الصحفيين ينظمون المؤتمرات ويعقدون الإجتماعات والندوات والملتقيات وغيرها،
ويتبادلون خلالها الأحاديث حول طبيعة الأزمات التي تواجه المنظومة الصحفية وكأنها بـ الأزمات غير المعروفة، والتي لم يعداحد إلا وقد علم بها، والتي يتعاملون معها في محوري التشخيص والتحليل بدون معالجة. هذا مثال بسيط على الفكرة التي أتحدث عنها، يمكن القياس عليه على الكثير من الأمثلة المشابهة في طبيعة تعاطي الجهات الرسمية والخاصة مع القضايا المفصلية في الدولة مثل الإرتفاع غير المسبوق في نسب البطالة، ونسب الفقر التي لم تجروأ اي جهة رسمية او خاصة الإعلان عنها منذ أعوام بدون شرح الأسباب،
اضافة الى قضايا الشؤون السياسية والإقتصادية والخدمية والصحية والتعليمية. وبـ التحليل لـ مثل هذا المشهد، نخرج بعدد من السيناريوهات، أولها أن الجهات الرسمية والخاصة ليس لديها النية الحقيقية لإيجاد حلول للأزمات والمشاكل المختلفة التي تعصف بكافة القطاعات المختلفة، وتكتفي بـ شراء الوقت من خلال عقد الجلسات وتنظيم الاجتماعات واللقاءات التي لا تحمل في طياتها سوى مزيد من تكرار لعمليات التشخيص والتحليل، اضافة الى التصريحات وعمليات التنظير التي تصدعت رؤوسنا من ممارستها عبر شاشات التلفزة ووسائل الاعلام، والتي تكون بعيدة الوصف عن الواقع الحقيقي.
اما السيناريو الآخر فـ نجد فيه أن معظم الجهات الرسمية والخاصة ليس لديها الخبرات والكفاءات البشرية الحقيقية التي تستطيع إيجاد حلول واقعية للمشاكل التي تواجهها القطاعات المختلفة، خاصة أنه معروف عند الجميع ان تشكيل إدارات تلك المؤسسات سواء الخاصة او الحكومية لم يكن معظمها على معياري الكفاءة والتميز، وإنما من خلال محاصصات لها معايير خاصة لا أود الخوض بها.
اما السيناريو المضحك الآخر في تحليلي لـ هذا المشهد، نجد أن هناك تداخل كبير في الإختصاصات، فعلى سبيل المثال تجد الشخصيات او المؤسسات الحكومية او الحزبية او مؤسسات المجتمع المدني تدعو وتنظم مؤتمر لمناقشة أزمة ما في قطاع ما، لنكتشف أن معظم الحضور لا علاقة لهم بالإختصاص العلمي والمهني لتلك الأزمة، وتجدهم يمارسون طقوس التنظير والتشخيص والتحليل بكل شجاعة، وبكل اسف مجرد البحث بعشوائية مخرجاتهم القشورية تجد مقترحات وتوصيات وتحليل وتشخيص لا ينتمي لأي معيار من معايير الأسس العلمية والمهنية في كيفة معالجة أزمة ما في قطاع ما. اللافت والمثير لطرح التساؤلات في المشهد العام ومنذ سنوات طويلة، أن القضايا التي تتم معالجتها من قبل المسؤولين ورجال القطاع الخاص وغيرهم تكون قضايا محوريتها لها مساس مباشر بـ عاطفة المواطنين،
كـ قضايا الحالات الإنسانية، ومسائل التبرعات الخيرية، وبعض القضايا السياسية والإنسانية المتعلقة بالأحداث الدائرة في المنطقة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن فعل الخير أصبح وسيلة لا غاية عند الكثير من الشخصيات والمؤسسات، في وقت نرى فيه أن القضايا المفصلية ولها مساس مباشر بحياة المواطن اليومية لا تعار الإهتمام الحقيقي لمعالجتها ويبقى التساؤل مطروح على طاولة الجميع … أين المعالجة ..؟؟!!!