تبرع الغنوشي لمجابهة كورونا يثير تساؤلات حول ثروته ومصادر تمويل حزبه


دعا مراقبون إلى وضع مشروع قانون ينظم عمل الأحزاب في تونس ويجعل معاملاتها المالية منشورة للعموم

حمادي معمري صحفي تونسي

لطالما أثارت مسألة تمويل الأحزاب السياسية في تونس لغطاً لدى الرأي العام، بخاصة في ظل غياب آليات فاعلة للمراقبة والمحاسبة القانونية. وكانت محكمة المحاسبات نشرت في أواخر عام 2020، التقرير العام حول نتائج مراقبة تمويل الحملات الانتخابية البرلمانية والرئاسية السابقة لأوانها، الذي تضمّن تجاوزات وخروقات بالجملة ارتكبتها أحزاب عدة، من بينها “حركة النهضة”، على غرار التمويلات المشبوهة والتعاقد مع جهات خارجية وعدم الإفصاح عن مصادر التمويل وعدم احترام أحكام مرسوم الأحزاب.

الغنوشي يتبرّع لوزارة الصحة

وأثار إعلان “حركة النهضة” يوم الجمعة 16 يوليو (تموز) الحالي، تبرّع زعيمها، رئيس البرلمان، راشد الغنوشي بـ 80 ألف دينار تونسي (26600 دولار أميركي)، لمساعدة وزارة الصحة في مجابهة فيروس كورونا، جدلاً على الساحة السياسية، بين مَن تساءل حول مصادر تلك الأموال، وبين مَن دعا إلى التدقيق في الحسابات المالية للأحزاب، ومدى احترامها للقوانين التي تمنع تلقّيها تمويلاً خارجياً.

وأعلن عضو مجلس الشورى في الحركة منذر الونيسي، خلال ندوة صحافية يوم الجمعة (16 يوليو)، أن تبرّع رئيس الحركة راشد الغنوشي، مخصص لشراء مكثفات الأوكسجين ومستلزمات طبية، ستوزَّع على عدد من المستشفيات.

وبيّن الونيسي أن “حركة النهضة” فتحت باب جمع التبرعات للمساهمة في المجهود الوطني لمكافحة الجائحة، ودعم بعض المستشفيات بالتجهيزات الصحية، مؤكداً أن كل هذه التبرعات ستُسلّم إلى وزارة الصحة.

شفافية المعاملات المالية في الأحزاب

ويلف الغموض المعاملات والحسابات المالية للأحزاب في تونس، ما يؤثر في نقاء الحياة السياسية. وفي هذا الصدد، دعا أستاذ القانون في الجامعة التونسية رابح الخرايفي، إلى إصدار قانون ينظم عمل الأحزاب، معتبراً أن “الأحزاب في تونس سواء في الحكم أو في المعارضة، مستفيدة من غياب قانون كهذا، بالتالي لن تتقدم بمبادرة تشريعية لهذا الغرض”. واستغرب “عدم تقديم رئيس الجمهورية قيس سعيد، مشروع قانون ينظم عمل الأحزاب في تونس، ويجعل معاملاتها المالية منشورة للعموم، ومعلومة في إطار الشفافية والوضوح”.

وأكد الخرايفي أن “الدولة التونسية متقاعسة في تنظيم نشاط الأحزاب ومتابعة حساباتها المالية”، مضيفاً أن “الدولة يمكن أن تنهي الحياة السياسية لأي حزب، من خلال حلّه قضائياً لعدم احترامه القانون المنظِّم للأحزاب السياسية استناداً إلى تقارير محكمة المحاسبات”.

ولم يستبعد أستاذ القانون “أن تكون أحزاب تونسية عدة تلقّت تمويلات خارجية”، قائلاً إن “محكمة المحاسبات تثير في تقاريرها إخلالات مالية كبيرة لأحزاب عدة من دون أن تتم محاسبتها قضائياً”.

وشدّد على أن “الدول التي تحترم الحياة السياسية وتحافظ على حد أدنى من شفافية المعاملات المالية داخل الأحزاب، تضع التشريعات التي تضمن ممارسة السياسة في الأطر القانونية”.

واعتبر الخرايفي أن “ما قدّمه راشد الغنوشي من تبرعات مالية بقيمة ثمانين ألف دينار لفائدة مجابهة كورونا، ورّط الحركة وأثار تساؤلات، حول مصادر تمويل هذا الحزب ومصادر ثروته الشخصية”.

المبلغ يتعارض مع ما صرّح به

وطالبت جهات سياسية عدة ومن المجتمع المدني بفتح تحقيق في ثروة الغنوشي، مؤكدةً أن المبلغ المالي يتجاوز إمكاناته المادية كرئيس للبرلمان.

وتساءل النائب عن حركة “أمل وعمل” ياسين العياري عن مصدر الأموال، لافتاً إلى أنها “تتعارض مع ما صرّح به من مكاسب قبل مباشرته لمهماته، بحيث أن ما ورد في التصريح المنشور من أموال سائلة لا تصل إلى هذا المبلغ، ولم ترد في التصريح عقارات قد يكون فرّط فيها بالبيع، ما يطرح أسئلة جدية عن مصدر هذه الأموال”. وأضاف أن حركة “أمل وعمل” راسلت هيئة مكافحة الفساد وفرقة مكافحة التهرب الضريبي في وزارة المالية للتحري بشأن الموضوع.

“مكافأة رئيس الحزب”

من جهتها، نشرت منظمة “أنا يقظ” وهي منظمة رقابية، التقارير المالية الخاصة بـ”حركة النهضة”، منذ عام 2011 إلى عام 2014، التي أودعتها لدى محكمة المحاسبات في شهر يناير (كانون الثاني) 2017.
وتُبيّن هذه التقارير ارتفاعاً كبيراً في ما أسمته الحركة “مكافأة رئيس الحزب” راشد الغنوشي، بحيث تطوّرت هذه المكافأة السنوية من 12 ألف دينار (4 آلاف دولار) عام 2011 إلى 42 ألف دينار (14 ألف دولار) عام 2014.

ولم تتمكّن المنظمة من معرفة نسبة تطور هذه المكافأة، في الأعوام الأخيرة، إلا أنها توقعت أنها واصلت الارتفاع.

ثروة الغنوشي

وكانت صحيفة تونسية نشرت تحقيقاً مطوّلاً عن ثروة الغنوشي، في مارس (آذار) 2021، أثار جدلاً واسعاً، بعدما ورد أنه يتصدّر قائمة أثرياء البلاد، بثروة لا تقلّ عن 2700 مليار دينار تونسي (حوالى مليار دولار أميركي).

وأعلنت “حركة النهضة”، رفع دعوى قضائية ضد الصحيفة، وكاتب المقال الذي اتهمته بأنه “مضلل”، داعيةً إلى “تحرّي المعطيات وعدم استهداف الأشخاص”.

محاولة للتشجيع على التبرّع

في المقابل، سارع عضو مجلس شورى الحركة منذر الونيسي إلى التأكيد على أن المبلغ الذي تبرّع به الغنوشي، بصفته رئيساً لـ”حركة النهضة”، يشكل محاولة منه للتشجيع على التبرع لمقاومة الجائحة.

كما دعا فتحي العيادي، الناطق الرسمي باسم “النهضة”، إلى التخفيف من التجاذبات السياسية وتوحيد الصفوف، نظراً إلى خطورة الوضع الصحي والاقتصادي والاجتماعي. وأضاف أن “النهضة ستضع إمكاناتها ومواردها كافة في المعركة ضد كورونا، داعياً إلى “تأجيل كل الخلافات السياسية إلى ما بعد انتهاء الوباء على غرار كيفية إدارة الأزمة السياسية”.

وتواجه الحركة محنة مزدوجة، عبر سعي نواب المعارضة للإطاحة بالغنوشي من رئاسة البرلمان من خلال لائحة لسحب الثقة من جهة، وتنامي السخط الشعبي إزاء فشل النهضة والحكومة، في مجابهة تفشي فيروس كورونا، وتوفير اللقاحات من جهة أخرى. وعمّقت هذا السخط، مطالبة أصوات من داخل الحركة أخيراً، بالتعجيل بتفعيل “صندوق الكرامة” حتى ينال ناشطوها “حقوقهم من التعويضات المادية”. وتستعد جهات مدنية وحزبية، للتعبير عن غضبها من المنظومة الحاكمة، من خلال مسيرة كبرى يوم الأحد المقبل، 25 يوليو (تموز) 2021، تزامناً مع عيد الجمهورية.