أعلن علماء من كاليفورنيا أول أمس الأربعاء عن تمكنهم من تطوير وإجراء اختبار ناجح لغرسة دماغية تجريبية تترجم الإشارات العصبية إلى كلمات تظهر على شاشة حاسوب.
وقال الكاتب رولف وينكلر في تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” (WSJ) الأميركية إن هذا الإنجاز -الذي وصفت مختلف تفاصيله في ورقة بحثية نشرت في مجلة “نيو إنغلاند للطب” (New England Journal of Medicine)- يمثل خطوة باتجاه تكنولوجيا من شأنها أن تمكن الأشخاص الذين فقدوا القدرة على النطق من الحديث من خلال التفكير، كما تقدم بريق أمل لآلاف الأشخاص الذين يفقدون سنويا القدرة على التكلم نتيجة التعرض لإصابة أو مرض.
واستخدم العلماء “التعويضات العصبية الخاصة بالكلام” (speech neuroprosthesis)، وهي تكنولوجيا تتيح تحويل الإشارات الكهربائية متناهية الصغر الصادرة عن الدماغ إلى أفعال في العالم الحسي تكون مثلا من خلال الكلام أو الكتابة أو تحريك مؤشر الحاسوب.
ومع ذلك، فإن هذه التكنولوجيا لا تزال في مهدها، وقد جذبت خلال السنوات الأخيرة اهتمام العلماء الأكاديميين وشركات التكنولوجيا، بما في ذلك شركة “نيورا لينك كورب” (Neuralink Corp) التابعة لإيلون ماسك، وكيرنل (kernel)، وفيسبوك.
الغرسة العصبية
وذكر الكاتب أن شركة فيسبوك من بين رعاة البحث الجديد، وقال في تدوينة إنها كانت تتوق إلى تطوير أجهزة قابلة للارتداء ولا يحتاج استعمالها تدخلا جراحيا من شأنها أن تساعد الأشخاص على الكتابة من خلال التفكير.
ولاختبار هذه الغرسة العصبية استعان باحثون في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو برجل في أواخر الثلاثينيات فقد القدرة على الكلام قبل أكثر من 15 عاما نتيجة تعرضه لسكتة دماغية جعلته مشلولا.
وقد وافق هذا الرجل -الذي يتواصل باستعمال مؤشر مثبت على قبعة على رأسه للإشارة إلى أحرف تظهر على شاشة- على الخضوع لجراحة لتثبيت أقطاب صغيرة مستطيلة الشكل على القشرة الخارجية للدماغ.
وعلى امتداد 81 أسبوعا و50 جلسة متفرقة قام الباحثون بربط حاسوب مع الأقطاب لتسجيل نشاط دماغ هذا الرجل فيما كان يلاحظ كلمات فردية تعرض على الشاشة ويتخيل نفسه أنه ينطقها بصوت عال.
وقال الباحثون في الورقة البحثية إنهم كانوا قادرين على تحديد كل كلمة كان يفكر فيها هذا الرجل بدقة وصلت إلى 47% في كل مرة.
وزادت الدقة إلى 76% عندما أضاف العلماء إلى النظام خوارزميات توقع الكلمات التي تشبه خاصية الاقتراح التلقائي في البريد الإلكتروني وبرامج معالجة الكلمات، وقد اقتصرت الدراسة على مجموعة مفردات من 50 كلمة.
وقال الدكتور إيدي تشانغ جراح الأعصاب في الجامعة والمؤلف الرئيسي للدراسة “على حد علمنا، هذه أول تجربة ناجحة لعملية فك تشفير مباشرة لكلمات كاملة من نشاط دماغ شخص مشلول وفقد القدرة على الكلام، إنها تعد باستعادة القدرة على التواصل من خلال الاستفادة من آلية الدماغ الطبيعية للكلام”.
ونقل الكاتب عن إيمي أورسبورن الأستاذة المساعدة في الهندسة الحيوية في جامعة واشنطن -والتي لم تشارك في الدراسة- قولها إنه إلى جانب إثبات أن المنطقة المسؤولة عن الكلام في الدماغ تستمر في أداء وظيفتها حتى بعد سنوات من فقدان القدرة على الكلام تظهر الدراسة الجديدة أن الحواسيب يمكن أن تتعلم تشفير كلمات كاملة من نشاط الدماغ وليس فقط الأحرف.
وأشارت أورسبورن إلى أن الأجهزة القادرة على فعل ذلك يمكنها يوما ما تسريع التواصل إلى الأشخاص الذين فقدوا القدرة على الكلام، والذين يقوم الكثير منهم بكتابة الكلمات من خلال النقر على كل حرف على أجهزة مساعدة مثلما يفعل الرجل الذي شارك في الدراسة.
هامش الخطأ
ومع ذلك، نبهت الدكتورة أورسبورن وخبراء آخرون إلى أن هامش الخطأ في هذا النظام مرتفع، وهو يقتصر على مجموعة محدودة من المفردات، ويعتبر الوقت الكبير الذي يحتاجه تدريب النظام على التعرف على الكلمات المتخيلة من بين الأسباب التي تجعل أمام هذه التكنولوجيا طريقا طويلا لقطعه قبل أن يتوفر جهاز عملي.
وتأتي هذه الدراسة الجديدة بعد شهرين من إعلان باحثين في ستانفورد عن تطوير وإجراء اختبار ناجح لنظام مشابه مكن رجلا مشلول اليد من “كتابة” 90 حرفا في الدقيقة بدقة وصلت إلى 94% و99% عند استعمال خوارزميات توقع الكلمات، وقد وُصف النظام -الذي يستخدم أقطابا مزروعة في الدماغ عوضا عن تثبيتها في القشرة الخارجية- في ورقة بحثية نشرت في مايو/أيار الماضي في مجلة “نيتشر” (Nature).
وحسب جامعة كاليفورنيا، يرغب الرجل الذي شارك في الدراسة أن تبقى هويته مجهولة، ويشار إلى أن الجهاز الذي استعمله في إطار الدراسة تجريبي ولا يمكن استخدامه بشكل يومي.