ظهر الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر صباح أول أمس الخميس أمام وسائل الإعلام المحلية والعربية ليعلن انسحابه من المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة.
يفاجئ زعيم التيار الصدري أنصاره وخصومه، على السواء، دائما، بخطوات يريد الإشارة فيها، بداية، إلى اختلافه عن بقية الزعماء والسياسيين العراقيين، وارتفاعه عنهم، وقد وصل ذلك إلى حد منافسة المرجعية الشيعية، وذلك بتأسيسه، رغم أنه لم يحصل على درجة دينية تسمح له بالاجتهاد، لما يسمى «الحوزة الناطقة».
يعتمد مقتدى في ذلك على الإرث الفكريّ والنضالي لأسلافه الكبار، كجدّه السيد محمد حسن الصدر، رئيس وزراء العراق عام 1948، وعمّه المفكر الشيعي محمد باقر الصدر (وهو زوج ابنته أيضا) ووالده محمد الصدر، كما على دوره المتميّز عنهم في مقاومة الاحتلال الأمريكي بعد اجتياح عام 2003.
غير أن الانتساب لخط طويل من الأسلاف من أصحاب السلطة الدينية والسياسية، والدور الشهير لمقتدى في مواجهة الاحتلال الأمريكي للعراق، تناظر أيضا مع قضايا أخرى شائكة، منها اتهام أتباعه باغتيال عالم الدين الشيعي عبد المجيد الخوئي، رئيس مؤسسة الخوئي الخيرية في لندن الذي قتل في 10 نيسان/ابريل 2003 داخل مرقد الإمام عليّ، وكذلك اتهام قوات ميليشيا «جيش المهدي» التابعة له بالقيام بجرائم وأعمال عنف طائفية وإرهابية، كما شارك أنصار له وعناصر في ميليشياته في قمع الحراك الجماهيري الذي اندلعت شرارته في عام 2019.
يمثّل تغيّر خطاب الصدر من الحراك الجماهيري مثالا عن التناقضات الكبيرة التي تسم الشخصية السياسية للزعيم الشيعي الشهير، فبعد اغتيال الأمريكيين لقائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني حاول الصدر موازنة البوصلة السياسية باتجاه إيران، التي كان موقفها من الحراك عدائيا وعنيفا، وكان ذلك قرارا المقصود منه كسب ودّ جمهور الفصائل المؤيدة لطهران واضعا في حسبانه تعويض الخسائر المتوقعة من جمهور الحراك، ويشبه هذا القرار عددا من القرارات الأخرى التي تتقلّب بين الاتجاهين.
جاء قرار الصدر الأخير بعد أيام من حريق مشفى الحسين في الناصرية، والذي أدى إلى مقتل العشرات، مما اضطر مدير صحة المدينة، صدام الطويل، المدعوم من تيار الصدر للاستقالة، وهو الحريق الثاني المأساوي لمشفى في العراق، بعد حادث مستشفى ابن الخطيب في بغداد، والذي أدى لمقتل 82 شخصا وإصابة العشرات، وتنحّى على إثره وزير الصحة السابق، حسن التميمي، وهو أيضا مدعوم من التيار الصدري.
بإعلانه عدم خوض الانتخابات، يتجنب الصدر، الذي شارك في الحكم عمليا منذ فوزه ضمن تحالف «سائرون» بـ54 مقعدا في انتخابات 2018، يتجنب تحمل مسؤولية تدهور الأوضاع، وهو اليوم يؤكد أن «الجميع إما قاصر أو مقصر والكل يتبجح بالفساد والكل تحت طائلة الحساب» وبذلك يعود الصدر إلى النهج الأساسي الذي يتبعه بترفعه عن «الجميع» ومشاركته، حين تهبّ الأمور لصالحه، في مغانم السياسة والحكم، أو مناهضته للحراكات الشعبية، التي يسعى دائما للظهور بمظهر المدافع الأوحد عنها.
العراق: الصدر وسياسة «النأي بالنفس» عن المسؤولية
Inمقالات
0