منذ سبعينيات القرن العشرين والرئاسات المصرية المتعاقبة تدمن الرهان على «الشرعية الدولية» رغم مصائبها، وما زلت لا أتوقع منها خيرا، فقد سيطرت عليها الولايات المتحدة؛ بقدرتها الفائقة على الإفساد وإشعال الحروب وتدمير الدول آلمخالفة لسياستها، واستثنت «بقرتها المقدسة» وأقامت لها دولة، وجعلت من نفسها الدولة الأكثر عنصرية وانحيازا لها، ولونت شرعية ما بعد الحرب العالمية الثانية بلونها، ووضعت مصلحتها فوق كل المصالح، ولعبت دور القابلة لولادة التقسيم والنكبة، وأتاحت للمولود غير الشرعي رفض القرارات الأممية الخاصة بحل الصراع العربي الصهيوني، وتلاشت فلسطين بذلك الانحياز القاتل، وهذا سر الخشونة في التعامل مع العرب والمسلمين والدول اللاتينية، وغيرها المؤيدة لحق فلسطين في استعادة الأراضي وإقامة الدولة المستقلة القابلة للحياة، واعتمدت الحركة الصهيونية وأتباع المسيحية الصهيونية في التعامل مع مصر تحديدا، على أساطير توراتية، وبدا ذلك سببا لإعلان الحرب عليها وعلى السودان..
فقد ورد في سفر أشعياء؛ الإصحاح 19 الموزع على 25 آية؛ خاصة بمصر وحدها، وهذا مرعب، وترجمته غريبة؛ حاولت التخفيف من غرابتها بمترادفات وشروح بين أقواس، وهي:
«1) وحي من جهة مصر. هوذا (ها هو) الرب راكب على سحابة سريعة وقادم الى مصر، فترتجف اوثان مصر من وجهه ويذوب قلب مصر داخلها. 2) وأُهَيِّج مصريين على مصريين فيحاربون كل واحد اخاه وكل واحد صاحبه؛ مدينة مدينة ومملكة مملكة. 3) وتُهْرَاقُ (تذوب) روح مصر داخلها وَأُفْنِي مَشُورَتَهَا فيسالون الاوثان والعازفين واصحاب التوابع والعرافين. 4) وأُغْلِقُ على المصريين في يد مولى قاس فيتسلط عليهم ملك عزيز يقول السيد رب الجنود. 5) وتُنَشَّفُ (تُجَفَّف) المياه من البحر ويجف النهر ويَيْبَسُ. 6) وَتُنْتِنُ (تتعفن) الانهار وتَضْعُف وتَجِف سواقي مصر ويتلف القصب والأَسَلُ (أغْصان صناعة السِّلال). 7) وَالرِّيَاضُ عَلَى النِّيلِ عَلَى حَافَةِ النِّيلِ، وَكُلُّ مَزْرَعَةٍ عَلَى النِّيلِ تَيْبَسُ وَتَتَبَدَّدُ وَلاَ تَكُونُ. 8) والصيادون يئنون وكل الذين يلقون شِصَّا (سنارة) في النيل ينوحون. والذين يبسطون شبكة على وجه المياه يحزنون. 9) ويَخْزَى الذين يعملون الكتان الممشط والذين يحيكون الانسجة البيضاء. 10) وتكون عُمُدُهَا مسحوقة وكل العاملين بالاجرة مكتئبي النفس. 11) ان رؤساء صُوعَن اغبياء. حكماء مشيري فرعون مشورتهم بهيمية. كيف تقولون لفرعون انا ابن حكماء ابن ملوك قدماء. (وصُوعَن مدينة مصرية قديمة كانت موجودة وقت دخول ابراهيم الى كنعان أرض الشام التاريخية). 12) فاين هم حكماؤك فليخبروك ليعرفوا ماذا قضى به رب الجنود على مصر. 13) رؤساء صَوْعَن صاروا اغبياء. رؤساء نوف (اسم مدينة أخرى) انخدعوا. واضل مصر وجوه اسباطها. 14) مزج الرب في وسطها روح غَيِّ فأضلوا مصر في كل عملها كترنح السكران في قيئه (من القيئ). 15) فلا يكون لمصر عمل يعمله راس او ذنب نخلة او أَسَلَة (غصن). 16 في ذلك اليوم تكون مصر كالنساء فترتعد وترجف من هزة يد رب الجنود التي يهزها عليها. 17) وتكون ارض يهوذا (إسرائيل) رعبا لمصر. كل من تذكرها يرتعب من امام قضاء رب الجنود الذي يقضي به عليها. 18) في ذلك اليوم يكون في ارض مصر خمس مدن تتكلم بلغة كنعان وتحلف لرب الجنود يقال لاحداها مدينة الشمس. 19) في ذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط ارض مصر وعمود للرب عند تخمها (المذبح تقام فيه القرابين في الكنائس وغيرها من دور العبادة). 20) فيكون علامة وشهادة لرب الجنود في ارض مصر.لانهم يصرخون الى الرب بسبب المضايقين فيرسل لهم مخلصا ومحاميا وينقذهم. 21) فيُعرف الرب في مصر ويعرف المصريون الرب في ذلك اليوم ويقدمون ذبيحة وتَقْدِمة وينذرون للرب نذرا ويوفون به. 22) ويضرب الرب مصر ضاربا فشافيا فيرجعون الى الرب فيستجيب لهم ويشفيهم. 23) في ذلك اليوم تكون سكة من مصر الى آشور فيجيء الآشوريون الى مصر والمصريون الى اشور ويعبد المصريون مع الآشوريين 24) في ذلك اليوم يكون إسرائيل ثلثا لمصر ولاشور بركة في الارض. 25) بها يبارك رب الجنود قائلا مبارك شعبي مصر وعمل يدي اشور وميراثي إسرائيل».
ومن الأمور الَّتي تم الوقوف عندها ورود ذكر «مَدِينَةُ الشَّمْسِ» في النُّبوءة، وهناكّ مدينة مصريَّة حملت ذلك الاسم في عشرينيات القرن الماضي؛ أعيد بناؤها، وحملت اسم هليوبوليس؛ أي مدينة الشَّمس باليونانيَّة، وهي حي مصر الجديدة الحالي. ويشير جويل روزنبرغ الكاتب والمبشر بالمسيحية الصهيونية، ومؤسس صندوق يشوع (جوشوا) لمباركة (إسرائيل) إلى أنَّ القصر الرّئاسي يقع فيها، وفي حال تحقُّق النُّبوءة تكون واحدة من «خَمْسُ مُدُنٍ تَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ كَنْعَانَ وَتَحْلِفُ لِرَبِّ الْجُنُودِ». وأشار روزنبرج؛ تجدر إلى إنشاء عاصمة جديدة، على امتداد حي مصر الجديدة، وتضمُّ قصرًا رئاسيًّا وكاتدرائيَّة ميلاد المسيح، هي الأكبر مساحةً على الإطلاق في الشَّرق الأوسط، ومسجدًا كبيرًا باسم مسجد الفتَّاح العليم.
ونترك الأساطير ونعود للحرب المعلنة من إثيوبيا، ويبدو إن أبي أحمد مؤمن بأساطير الأحبار، فلا يكترث بقوانين أو اتفاقيات أو ضوابط منَظِّمة لاستخدام الأنهار العابرة للدول، وذلك التزام واضح ومؤثر بين أروقة «الشرعية الدولية» ويبدو أن «المشير السيسي» جزء منه، وتسبب في ضعف التمسك بحقوق مصر والسودان في مياه النيل، وفي التوقيع على «اتفاق المبادئ» بتشجيع إثيوبيا والسودان، وقبلهما طلب كريستين لا جارد، رئيسة صندوق النقد السابقة، وكان السودان وقتها على خلاف مع مصر، وجاء عدم سحب توقيع «المشير» من اتفاق المبادئ، ليمكن إثيوبيا من إلغاء الاتفاقيات السابقة، ويدق إسفين بين العرب والأفارقة، ومنح بكين مساحة مطلوبة لتطوير علاقتها بأديس أبابا، فرَعت تطورها الاقتصادي، وأغدقت عليها بالاستثمارات، ومنحتها قروضا ضخمة، وأقامت معها شراكة تجارية كبرى.
وإن بدت روسيا متفهمة لحاجة مصر للمياه، لكنها تحفظت على الخيار العسكري؛ لإرضاء كل الأطراف، فخسرت الجميع، ولم يختلف الموقف الأوروبي عن الموقف الروسي، ويزيد عليه أن أكبر شركات إيطاليا «ساليني»؛ تبني السد، بجانب وجود سُحُب لم تنقشع حول مقتل الطالب «ريجيني». والاتحاد الافريقي يتفادى نشوب أزمة يعجز عن حلها، وهذا نقل ملف السد لأيدٍ لا تكترث بالأضرار الكارثية المتوقعة على مصر والسودان.
ولجويل روزنبرغ محاضرة عن مستقبل الشَّرق الأوسط، وبث مقطعا منها على قناته الخاصة «يوتيوب» وأفاض فيها عن سفر اشعياء وجفاف النّيل، وقال إن النبوءة لم تتحقَّق قديما. وربط تحققها بأحاديث نَّبويَّة، منها المروي بسند قوي وفيها الضعيف، واتَفقت جميعها في وضع العراق والشَّام ومصر معا في مواجهة أزمة طاحنة، وعجز اقتصادي حاد. ورأى إن بعضه قد تحقق بالغزو الأمريكي للعراق في 2003، وبالحرب في سوريا منذ 2011. واعترف روزنبرغ بموقف غالبيَّة سكان الشَّرق الأوسط، بما فيهم أتباع الكنيسة الشَّرقيَّة (الأرثوذوكسية) التي لا تقر بنبوءات العهد القديم، وأرجِع عداءها للدولة الصهيونية، إلى ضحايا الحروب المتكررة وفقدان ذويهم فيها.
وأقر روزنبرغ بعدم تحقق النبوءة، واستدل على إمكانية تحققها بعبارة: «فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَكُونُ مِصْرُ كَالنِّسَاءِ، فَتَرْتَعِدُ وَتَرْجُفُ مِنْ هَزَّةِ يَدِ رَبِّ الْجُنُودِ». وفسر عبارة «فِي ذلِكَ الْيَوْمِ» بإنها تعني «آخر الزَّمان» المتزامن مع العودة الثَّانية للمسيح، وأضاف «برغم ما مرَّ بمصر من نكبات وما خاضته من صراعات دمويَّة على مدار 5 آلاف سنة مضت، لم يحدث أن تعرَّضت للجفاف والحرب الأهليَّة، بالصُّورة الَّتي صورها اشعياء»؛ أساطير عششت في الأدمغة، وأدت إلى استنتاج روزنبرغ؛ لدلالة وقوع القصر الرّئاسي في «مَدِينَةُ الشَّمْسِ»؛ (حي مصر الجديدة) وفيما لو تحقُّقت النُّبوءة التى تبدو غير ممكنة، فستكون واحدة من المدن الخَمْسُ السابق ذكرها، واهتم بالعاصمة الجديدة، وهناك من يراها أنها بُنِيت لاستكمال شروط تحقيق النبوءة(!!).