تمايل في مدار القمر يفاقم مخاطر الفيضانات خلال العقد المقبل


البحار تتأثر بالاضطراب في دوران التابع المنير للأرض بداية من 2030

هاري كوبيرن كاتب وصحافي

لا تتسم المدارات اللولبية المعقدة التي تتبعها الأجرام السماوية عبر الكون بالثبات أبداً، بغض النظر عن الشكل الذي تبدو عليه من الأرض. إذ تستطيع تغيرات بسيطة في كيفية تحرّك وتفاعل كوكبنا وقمرنا والشمس كلها معاً، أن تولّد عواقب خطيرة على الحياة في أرضنا.

ويمثل دوران القمر حول الأرض أحد تلك المدارات غير الثابتة. إذ لا يدور القمر حول كوكبنا على نحو سلس في دورة ملتفة تكون مثالية دائمة. إذ تتقلّب مداراته أو أنها “تتمايل”، وفق وصف وكالة الفضاء الأميركية “ناسا”.

وعبر دورة طبيعية مدتها 18 سنة، يؤدي هذا التمايل البطيء في مدار القمر إلى كبح حركة المد والجزر في مياه البحار والمحيطات على الأرض، أو تضخيمها.

خلال النصف الأول من تلك الدورة (تسع سنوات) الطبيعية، يعلو المد والجزر العالي بالمقارنة مع مستوياته العالية المعتادة، وكذلك يكون المد والجزر المنخفض أدنى من المعتاد. خلال النصف الآخر من الدورة (تسع سنوات أخرى)، تشهد الأرض حركات مد وجزر أقل تطرفاً.

وفي الوقت نفسه، تؤدي أزمة المناخ المتصلة بأنشطة الإنسان إلى ارتفاع مستمر في مستويات سطح البحر.

واستطراداً، حذرت “ناسا” من أن ذلك يعني أنه في المرة المقبلة عندما يدخل القمر مرحلة تضخيم المد والجزر أثناء دورته “المتمايلة”، أي بدءاً من 2030 تقريباً، يمكن أن تتحد دورات المد المرتفعة مع الارتفاع في مستويات سطح البحر [المتأتية من تأثير الاحتباس الحراري وذوبان الثلوج في القطبين]، كي تترك تأثيراتها على السواحل العالمية.

ووفق وكالة “ناسا” أيضاً، قد تتسبب تلك الظواهر في “قفزة في أعداد الفيضانات التي ستقاسيها معظم سواحل البر الرئيس في الولايات المتحدة، إضافة إلى جزر “هاواي”، و”غوام” [تعتبران جزءاً من الولايات المتحدة]”.

ووفق تلك الوكالة الفضائية، “لن تنجو سوى السواحل البعيدة في أقصى الشمال، من بينها ساحل ولاية ألاسكا، فتكون في مأمن طيلة عقد آخر أو أكثر، لأن مساحات الأراضي هذه آخذة في الارتفاع جراء عمليات جيولوجية طويلة المدى”.

في الواقع، تشكل فيضانات المد العالي، المعروفة أيضاً في الولايات المتحدة باسم “الفيضانات المزعجة” أو “فيضانات الأيام المشمسة”، مصدر قلق خطيراً فعلاً في مدن عدة على الساحلين الأطلسي والخليجي [جزء من الأطلسي عند الطرف الجنوب الشرقي لأميركا الشمالية] في الولايات المتحدة.

سجلت “الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي” في الولايات المتحدة ما يربو على 600 من تلك الفيضانات في عام 2019.

وفي المقابل، بمجرد أن تبدأ مرحلة تضخيم المد والجزر التالية المدفوعة بتمايل القمر (النصف الأول من الدورة)، ستشهد البلاد “زيادات هائلة في أعداد الفيضانات طوال عقد من الزمن”، بحسب وكالة “ناسا”.

كذلك تكشف الدراسة الجديدة التي قادها أعضاء “فريق علوم تغيير مستوى سطح البحر” في “ناسا” من “جامعة هاواي”، عن أن ارتفاع المد والجزر سيتجاوز غالباً مستويات الفيضانات المعروفة في شتى أنحاء الولايات المتحدة.

علاوة على ذلك، يتوقع حدوث تلك الفيضانات ضمن مجموعات تستمر شهراً أو أكثر، وذلك تبعاً للمواقع النسبية للقمر والأرض والشمس، التي يكون في مقدورها أن تعزز تأثير الجاذبية على البحار.

واستطراداً، ذكرت “ناسا” أنه حينما يدور القمر والأرض ويكونان ضمن اصطفاف معين في موقع كل واحد منهما بالنسبة إلى الآخر وكذلك موقعهما بالنسبة إلى الشمس، يصل شدّ قوة الجاذبية [المتأتية أساساً من القمر] لمياه المحيط، إلى مستوى “قد يضع سكان المدن في مواجهة الفيضانات كل يوم أو يومين”.

وفي تعليق متصل، ذكر بيل نيلسون، مدير “ناسا”، أن “المناطق المنخفضة القريبة من مستوى سطح البحر معرضة بشدة للخطر والمعاناة بسبب الأعداد الإضافية من الفيضانات، وسوف تزداد الأمور سوءاً. إذ يؤدي اجتماع جاذبية القمر وارتفاع منسوب مياه البحر وتغير المناخ، إلى تفاقم مستمر في الفيضانات الساحلية على سواحلنا وفي مختلف أنحاء العالم”.

وأضاف أن “الفريق المعني بتغير مستوى سطح البحر التابع لوكالة ناسا يقدم معلومات مهمة، كي نتمكن من التخطيط والحماية والحؤول دون الأذى الذي يلحق بالبيئة، وسُبُل عيش الذين يتضررون من الفيضانات”.

وليس بعيداً من ذلك، أشار فيل طومسون، الأستاذ المساعد في “جامعة هاواي” والباحث الرئيس في الدراسة الجديدة، إلى حدوث “أضرار ستتأتى من التأثير المتراكم [للفيضانات المذكورة آنفاً] بمرور الوقت”.

وأوضح أنه “لما كانت الفيضانات المرتفعة تحمل معها كمية صغيرة من المياه بالمقارنة مع موجات الأعاصير، ثمة ميل إلى اعتبارها مشكلة أقل خطورة بشكل عام”.

وختم طومسون، “في المقابل، إذا ضربت الفيضانات عشر مرات أو 15 مرة كل شهر، فلا يمكن لشركة ما مثلاً مواصلة أعمالها وقد غمرت المياه موقفها للسيارات. وكذلك يفقد الناس وظائفهم لأنهم لا يستطيعون الوصول إلى العمل. وقد أصبح التسرب من آبار الصرف الصحي، أحد مشكلات الصحة العامة”.

نُشر البحث في مجلة “نيتشر كلايمت تشينج” Nature Climate Change.

© The Independent