كأس أمم أوروبا: إيطاليا تكرس ألق الكرة اللاتينية في ستينية اليورو بعد تفوقها في المباراة النهائية

حين يدور الحديث عن ايطاليا، فنحن أمام بلد يعد بدون شك أحد رواد الكرة اللاتينية التي أعطت للقارة الاوروبية مذاقا خاصا لأطباق كروية تشبعك متعة ورضا، سواء عبر الأندية أو المنتخبات.
هذا أقل ما يقال عما دوّنه التاريخ في دفاتره القديمة والحديثة من انجازات مدوّية لعملاق جنوب القارة العجوز. نحن اذن في حضرة صناع الأمجاد، جاؤوا هذه المرة لخوض النسخة السادسة عشرة من اليورو في هدوء وبدون ضجيج اعلامي، لأن المنتخب الذي يزهو بقميص توشحه أربع نجوم دالة على انجازاته العالمية، فقَدَ شيئاً من بريقه في السنوات الأخيرة وكانت الانتكاسة الكبرى غيابه عن مونديال روسيا 2018، وهي الانتكاسة التي أدت الى انتفاضة تعيد المنتخب الآزوري الى وضعه الطبيعي كأحد كبار القارة وخير ممثل للكرة اللاتينية. انتكاسة عالجها الاتحاد الايطالي في ذات العام بتعيين روبرتو مانشيني مدربا للمنتخب في خطوة تحمل في طياتها رغبة في نقلة نوعية تعيد الاعتبار والهيبة. وهو ما أفلح مانشيني في تحقيقه بأن قطع تدريجيا مع نهج الكاتيناتشيو ليضفي على فريقه هوية متناغمة تجمع بين منظومة دفاعية فاعلة وتنشيط هجومي بوسط ميدان تغلب عليه نزعة جريئة وحركة دؤوبة أعطت بعداً هجوميا للمنتخب، تجلى بوضوح في “يورو 2020″، حيث سجل المنتخب الايطالي ثلاثة عشر هدفا في سابقة هي الاولى في تاريخ مشاركات ايطاليا قاريا وعالميا.
ما يحسب لمانشيني أيضا ضمن سعيه لتشكيل هوية جذابة تمتع الجماهير بأداء مقنع، ان غياب النجوم الكبار في الكرة الايطالية لم يمنعه من إيجاد التوليفة التي تكسب المنتخب شخصية قوية وفاعلة، بالاعتماد على روح المجموعة والتوظيف الجيد للاعبين الذين اختارهم في المراكز الحساسة التي يُبنى عليها أساس التشكيلة، فكان التلاحم وروح المجموعة واضحين، ما يؤكد أن إضافة مانشيني لم تقتصر على الجانب الفني والتكتيكي فحسب، بل تشعر أنك أمام عائلة تمارس كرة القدم بضغط متواصل وتضامن رائع وروح عالية تذوب فيها النزعة الفردية من أجل الفريق، فكانت النجومية للمجموعة لعبا وأسلوبا وعقلية. ولأن العائلة كلما تماسكت وتراصت، استطاعت مواجهة الصعاب والمطبات، فمن دخول هادئ لـ”يورو 2020” بدون صخب اعلامي، اذ بالأخبار المفرحة تواكب مسيرة ايطاليا، لتبدأ ملامح القصة العذبة لمانشيني وكتيبته، وهنا كان واضحا اننا في حضرة منتخب قادم للعيد الستيني لليورو وهو لا يشبه أي منتخب ايطالي سابق، سواء من كان لهم فضل النجوم الأربع العالمية أو تلك النجمة القارية اليتيمة التي بات عمرها 53 عاما!
من سقف طموحات محدود عند انطلاق اليورو، الى تربع على سقف القارة باستحقاق لا يخلو من التميز والإقناع، لقد أضاء الآزوري سماء “ويمبلي” بأن أكمل سلسلة رائعة عنوانها 34 مباراة متتالية بدون خسارة، اختتمها باضافة نجمة قارية ثانية. الطليان اشتاقوا الى منتخب يلعب ويمتع، يفوز ويقنع، فمنذ 2006 تاريخ الفوز بكأس العالم، تعطلت لغة الانجازات واكتفوا بتسويق المأكولات، وهاهم (والعالم معهم) يعيدون اكتشاف منتخبهم بدون أسماء رنانة، لكن بمقاتلين صارت أسماؤهم على ألسنة أوروبا و ملايين المشاهدين، منهم من يحرس بامتياز عرين المنتخب مثل دوناروما، وأمامه كييليني الذي لا يوحي شكلا أنه روح هذا المنتخب وقلبه النابض الذي يضخ الحماس والاستماتة في شرايين كتيبة تضم بونوتشي وباريلا وفيراتي وانسينيي وكييزا، بدون أن ننسى سبينازولا الذي قست عليه إصابة لعينة في مباراة بلجيكا وحرمته من مواصلة الحلم الجميل مع رفاقه.
قد يطول الجدل عند جماهير منتخب الأسود الثلاثة بسبب الخسارة بركلات الترجيح، فهم ينتظرون منذ 55 عاما لقبا قاريا أو عالميا، لكن هناك اجماعاً ان هذه الركلات الترجيحية أنصفت الآزوري قياسا بما قدمته المجموعة من أداء مستقر وجذّاب وممتع على مدار البطولة كلها، بما فيها المباراة النهائية التي كان هو الأفضل فيها فنيا وذهنيا. أحقية الطليان باللقب تأتي أيضا من تلك النوايا الجديدة التي قطعت مع تقاليد طالما تشبث بها المدربون على مدار سنوات عدة. كما يحسب للفريق تلك الروح والقوة الذهنية التي مكنته من اجتياز مراحل الحسم ثم العودة في المباراة الختامية بعد التقدم المبكر لمنتخب انكليزي يلعب في معقله ويحظى بدعم جماهيري كبير.