يمكن بناء عشرات الاستنتاجات السياسية ولاحقاً الأمنية بطبيعة الحال، لحالة التداول العنيفة التي يعيشها الأردنيون لليوم الثالث على التوالي لصور وأشرطة فيديو محكمة الفتنة، كما سميت.
بوضوح شديد، يمكن القول بأن الصور التي سمحت بها السلطات لتفاصيل جلسة النطق بالحكم ضد متهمين بارزين في جريمة الفتنة تلك هي ضمن الخيارات السياسية التي كانت مقصودة على الأرجح، فيما لم تُظهر سابقاً صوراً ميدانية وحية بهذه الكثافة لنخبة من كبار المسؤولين ورجال الأعمال الذين دخلوا السجن وعقدت لهم محاكمات وبنفس الكثافة.
بعد حسم محكمة أمن الدولة لقرارها بخصوص المتهمَين باسم عوض الله والشريف حسن بن زيد، دخل مزاج منصات التواصل الأردنية في حالة غريبة إلى حد ما لم تكن مألوفة، فقد وفرت أشرطة الفيديو والصور الفوتوغرافية ذخيرة كبيرة بعدما سمح بها لكي يتوسع المواطنون في التعليق أو التحذير أو النكاية، فالمعروف وسط الأردنيين هو أن الدكتور عوض الله تحديداً مطلوب، لكن ليس في قضية الفتنة، بالنسبة لجزء فاعل من الشارع، وإنما على برامج لها علاقة بمشروع التخاصية والتحول الاقتصادي.
بكل حال، لم توضح الحكومة الأردنية الأسباب الباطنية التي دفعت باتجاه نشر فيديوهات ومجموعة صور بصورة للمدانين عوض الله وبن زيد، بصورة وفرت ذخيرة دسمة للتعليق والمتابعة الجماهيرية.
يبقى ذلك من الأسرار بطبيعة الحال، لكن الأهم وفي التقدير والتحليل السياسي هو أن صدمة الفتنة التي أعلن عنها عبر مؤسستي الجيش والحكومة في الثالث من نيسان/ ابريل، ينبغي أن تخرج من سايكولوجيا الجمهور الأردني بتلك الصور المكثفة التي نشرت أو سمح بها كما لم يحصل مع مسؤولين سابقين أدينوا أو دخلوا السجن. ويفترض بالرسالة هنا تحديداً أن تقنع الرأي العام بأن الفتنة أحبطت، والقضاء تصرف وسيتصرف.
لكن ما لا تنتبه له الخلية التي أدارت هذه الأزمة -برأي بعض الخبراء- هو أن البهجة الاجتماعية التي تعكسها الصور وكثر تداولها قد تكون بحد ذاتها رسالة للسلطات وللحكومة، وليس للمتهمين الذين لا قيمة لهما عملياً وسط الجمهور إلا بحكم المواقع والمناصب والمساحات التي شغلاها ضمن الدولة ومؤسساتها.
مستوى الإرباك والارتباك في ملف الفتنة كبير، ولا يمكن بطبيعة الحال حسم كل التداعيات، والاعتقاد سائد مبكراً بأن القانون سيأخذ مجراه في هذا الملف.
وهو ما حصل حتى اللحظة بانتظار محكمة التمييز بعدما قامت محكمة أمن الدولة بالواجب الذي يخصها في السياق، فيما عشرات الأسئلة لا تزال مطروحة ليس بعنوان الفتنة نفسها ولكن بعناوين الظروف والبيئة التي أدت إليها، وبعناوين تداعيات الكشف عنها إعلامياً وبهذه الصورة التي تجذب الأضواء.
مبكراً وأمام «القدس العربي»، قال رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة إن ملف الفتنة شأن قضائي، لكنه ألمح إلى أن القنوات الثنائية والدبلوماسية خلف الستارة هي التي ستتصرف وضمن معايير الحفاظ على مصالح الدولة في حال ثبوت وجود عناصر خارجية في تلك الفتنة.
الأردن تجاوز الفتنة بثقة وبعمل مؤسسي. لكن المشكلات العميقة والجوهرية التي قادت أصلاً إلى تلك الفتنة – برأي السياسي مروان الفاعوري – لا تزال قائمة، والهدف ينبغي أن يتمحور الآن حول الدروس المستفادة.
يطالب الفاعوري وغيره بالحفر عميقاً في الأسباب الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية والإدارية التي تؤدي إلى ثغرات في المجتمع، ويعتقد بأن الفتنة – بصرف النظر عن تفاصيلها- ينبغي أن تدرس وتقرأ جيداً.
ويتفق سياسي خبير هو الدكتور ممدوح العبادي، في أن الفتنة – كما أعلنت- صدمة كبيرة جداً أرهقت المواطن الأردني سيكولوجياً، والتعامل مع أسبابها ودوافعها هو الأهم بعدما تكفل المستوى السيادي والأمني بواجبه وبعدما تابع المستوى القضائي واجباته.
تذخير الشارع خصوصاً على منصات التواصل بصور عديدة ومواد مصورة حية لمتهمي الفتنة الأبرز، قد لا يكون خياراً إدارياً حكيماً بالنسبة للحكومة.
بعد «تذخير» الشارع بـ«الصور والفيديوهات» … هل قرأ الأردنيون جيداً «المخفي» في «أسطر الفتنة»؟
0