يشكل ظهور فيروس كورونا عاملاً رئيساً في أزمة الجوع العالمية، لكن ما يحفزها كذلك هو المناخ والنزاعات كما تقول بيل ترو، وهذه هي النقطة التي يمكننا التدخل عبرها من أجل المساعدة
بيل ترو مراسلة شؤون الشرق الأوسط @Beltrew
من المفهوم أن يظل “كوفيد-19” متصدراً عناوين الأخبار حول العالم، ولا سيما مع تفشي متحورة دلتا في بلدان منها المملكة المتحدة، إنما هناك “فيروساً” أكثر فتكاً بكثير قيد التفشي من دون أن يلاحظه أحد، فالفقر يقتل 11 شخصاً كل دقيقة وفقاً لتقرير جديد أطلقته “أوكسفام” هذا الأسبوع، وهو ضعف معدل الأشخاص الذين يتوفون بـ “كوفيد-19 تقريباً”، وتتوقع أوكسفام أن تستمر هذه المعدلات في الارتفاع.
منذ بدء الجائحة تضاعف عدد الأشخاص الذين يعيشون في ظروف أشبه بالمجاعة ست مرات ليتخطى عتبة 520 ألف شخص، وإجمالاً يعيش 155 مليون شخص حول العالم حالياً في مستويات من انعدام الأمن الغذائي بلغت حد الأزمة أو أسوأ، وهو رقم يزيد على العام الماضي بـ 20 مليوناً.
ولا شك في أن تفشي فيروس كورونا الذي أغلق بلداناً بأكملها ودمر اقتصادات كاملة، هو عامل أساس في هذه الأزمة، لكن ما يدفع الجوع كذلك هو المناخ كما النزاع، وهو العامل الأكثر إلحاحاً والسبب الرئيس له، إذ يتحمل مسؤولية جوع شخصين من كل ثلاثة، وهذه هي النقطة التي يمكننا التدخل عبرها من أجل التأثير فوراً.
وعلى الرغم من الدعوات الطارئة لوقف إطلاق النار حول العالم بسبب الضغط الإضافي الذي خلفته الجائحة على الصعيد الإنساني، لم تخف وتيرة العنف إجمالاً منذ بداية تفشي “كوفيد-19” في العالم في ربيع 2020.
وفي الواقع، وبشكل لا يمكن توقعه منطقياً، ارتفع الإنفاق العسكري العالمي فعلياً على مدى العام الماضي بمعدل ثلاثة في المئة تقريباً وفقاً لـ “أوكسفام”.
وفي سبيل وضع ذلك بعبارات واضحة، تعادل زيادة 2.7 في المئة تلك 51 مليار دولار (36.7 مليار جنيه استرليني) وهو ما يكفي لتلبية نداء المساعدة الإنساني الذي أطلقته الأمم المتحدة في شأن الأمن الغذائي عام 2021، وقيمته 7.9 مليار دولار (أي 5.8 مليار جنيه استرليني)، ست مرات ونصف.
وفي الواقع، وفقاً لـ “أوكسفام”، فإن ادخار الإنفاق العسكري العالمي ليوم ونصف يوفر 8 مليارات دولار، (أي 5.7 مليار جنيه استرليني)، وهو ما يكفي لتمويل البرنامج الطارئ للأمن الغذائي كاملاً، مما يعني بأن الناس يمكنهم أن يأكلوا فعلياً.
وعوضاً عن ذلك، لا يُهدر هذا المبلغ وحسب، بل هو يغذي مزيداً من الحروب التي تدفع بمزيد من الناس إلى الجوع.
ليس من باب الصدفة مثلاً، وفقاً لـ “أوكسفام”، أن تكون مالي قد رفعت كمية مشترياتها من الأسلحة بنسبة 669 في المئة منذ تصاعد حدة العنف في العام 2012، بينما ارتفعت معدلات الجوع في منطقة الساحل الغربي الأفريقي، مالي ضمناً، 70 في المئة، وليس من باب الصدفة كذلك أن تكون المناطق التي تختبر أسوأ أزمات الجوع، بما فيها أفغانستان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وسوريا واليمن، كلها تمزقها الصراعات.
وفي هذه الأثناء في منطقة تيغراي الإثيوبية الواقعة في براثن الحرب، يعيش أكثر من 350 ألف شخص في ظروف أقرب إلى المجاعة مع استمرار القتال، وهذا أعلى رقم يُسجل عند هذا المستوى الكارثي من الجوع منذ ما حدث في الصومال عام 2011، حين فقد ربع مليون صومالي حياتهم بسبب الجوع.
وفي الواقع حدثتني في المنطقة التي أغطيها في عملي وأتولى نقل أخبارها وأحوالها، عائلات في سوريا واليمن عبر السنين عن إطعام أولادها عشباً أو أوراق شجر، والتقيت بأطفال يعانون سوء التغذية لدرجة أنهم مراهقون، ولكن يبدون كأطفال في مرحلة المشي الأولى، فلا يتربص الموت وحده بالعائلات، فالجيل الأصغر سناً سيواجه مشكلات صحية دائمة حتى وإن نجح في الوصول إلى سن البلوغ.
وفي البلد الذي أقطنه، لبنان، بدأت أزمة الجوع بسبب الانهيار الاقتصادي، وبات غير مستغرب الآن أن ترى أشخاصاً يفتشون عن طعام في القمامة، وبعض المواطنين الأفضل حالاً يضعون أكياساً من المنتجات الغذائية في الشارع مخصصة تحديداً لأولئك المجبرين على البحث في القمامة.
وعلى الرغم من حدة مشكلات الجوع، لا يتغير أي شيء تقريباً، بل يستمر الوضع بالتفاقم سنة بعد سنة، مع أن العالم يستطيع اتخاذ خطوات سهلة لوضع حد للجوع، وهذا أمر ممكن، فوقف العنف أو أقله عدم تأجيجه من خلال بيع الأسلحة بغزارة، والسماح للمساعدات بالوصول إلى من هم بأمس الحاجة إليها، سيحدث فرقاً فورياً ويغير واقع الأمور، وبدل الاكتفاء بالتبرع بالمال للجمعيات الخيرية من أجل سد عجز، يمكننا إرغام حكوماتنا على تغيير سياساتها من موقعنا كمواطنين، فقد كانت الحكومة البريطانية مثلاً في مرحلة من المراحل، ثاني أكبر تاجر أسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة.
كما يجب التعامل مباشرة مع أزمة المناخ التي تؤجج الظواهر المناخية المتطرفة المسؤولة بدورها عن زيادة الجوع، وهو أمر يمكننا نحن كمواطنين كذلك أن نضغط على حكوماتنا لكي تكترث به.
أما وضع حد نهائي للجوع فهو أمر أكثر تعقيداً بقليل، وتقول “أوكسفام” إنه يجب إعادة التفكير والنظر جذرياً في حال الاقتصاد، في سبيل اقتصاد عالمي أكثر عدلاً واستدامة، ولا سيما بالنسبة إلى البلدان التي تتعافى من الجائحة، وهذا يعني القضاء على أوجه غياب المساواة الكامنة التي تزيد الفرق بين الأثرياء والفقراء.
إن الوضع قاتم، والدرب طويل، لكن إنهاء الجوع ممكن، ولا يفترض أن يجوع أي كان في القرن الـ 21.
© The Independent