غسان كنفاني في ذكرى اغتياله الـ49: لم يزل خطراً على إسرائيل!

 رقية العلمي

خمسة عقود تنقص سنة كان ذاك هو السبت الأسود، اليوم الذي اختاره الموساد لإنهاء حياة غسان كنفاني، لإصمات صوته وتكميم قلمه، مخططاً بأن موته سينهي قناعاته، لكن خاب ظنه. والنتيجة بعد مرور كل هذه العقود، انتشر نتاجه الفكري والأدبي للعالمية، حيث ترجمت أعماله لعشرات اللغات، وأصبح غسان كنفاني رمز الأدب الفلسطيني والنضال والموت في سبيل الرأي وقضية وطنه فلسطين.
ليتفاجأ العدو بأن السحر قد انقلب على الساحر، وقد تحول كنفاني إلى دلالة عالمية دولية، ساهمت بإبقاء القضية حية في الوجدان الأدبي والفني والنضالي على السواء، فهو كاتب مناضل، يجمع بين كتابة القصة والمقال والرواية، وهو كذلك ناقد أدبي وصحافي، كما أنه بارع في رسم وكتابة قصص للأطفال.

استعادة غسان كنفاني

حول ذلك الحضور الأبدي لغسان كنفاني يقول الكاتب والناقد الفلسطيني فراس حج محمد: «ها هو غسان كنفاني، بعد ما يقارب النصف قرن على اغتياله، ما زال داخلا في صلب النقاش السياسي والثقافي والإبداعي الفلسطيني، حاضراً رغم الغياب، متنوعاً في تجليات هذا الحضور وسيظل غسان حياً ما دامت السموات والأرض، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها». هذا ما ورد في كتابه «استعادة غسان كنفاني» المنشور عن دار الرعاة في رام الله، ودار جسور الثقافية في عمان، الذي صدر بالتزامن مع ذكرى اغتيال غسان كنفاني التاسعة والأربعين، واعتبر النقاد أن الكتاب يعزز من وجود غسان اليومي، سياسياً وثقافياً واجتماعياً في الحياة الفلسطينية وطناً وشتاتاً. يركز الكتاب على غسان كنفاني المثقف، ومسيرته الإبداعية، في مجالات أدبية وصحافية متنوعة، قاصاً وناقداً وشاعراً. وألف في سياق التوثيق، لاستمرار ترسيخ صورة غسان في وجدان العرب والفلسطينيين؛ كما يناقش الكتاب شخصية كنفاني، ونتاجه الأدبي وثقافته الموسوعية، فضلاً عن مواقفه السياسية. كما يتطرق لأبرز أعمال كنفاني؛ منها إعادة قراءة رواية «رجال في الشمس» المأساة الخالدة وفقا للواقع المعاصر، الذي شهدت فيه القضية الفلسطينية تطورات جذرية. ويبحث الكاتب حضور الأطفال في قصص غسان، رسماً وكتابة، مشيراً إلى المجموعة القصصية «أطفال غسان كنفاني والقنديل الصغير» المؤلفة من ست قصص قصيرة عن الأطفال.

الراحل المقيم

الكتاب الثاني المختار هنا في السياق هو: «العبقرية وتجلياتها في حياة غسان وإبداعاته» الصادرعن الدار العربية للعلوم ناشرون 2015 لماذا غسان كنفاني؟ هو السؤال الذي طرحه محمد عبد القادر طرخان على نفسه، عندما بدأ بكتابة السيرة الأدبية لكاتب لم يلتق به يوماً في حياته، لكنه كان حاضراً في وجدانه وساهم في تشكيل ثقافته ووعيه، وكان من أول اهتماماته في الكتابة، وبالتأكيد هو يتحدث هنا عن نموذجٍ استثنائي في الأدب الروائي الفلسطيني ممن كان لهم دور رائد في المسيرة النضالية للشعب الفلسطيني وهو «المبدع العظيم، الراحل المقيم» غسان كنفاني كما يحلو للمؤلف تسميته: «أعلم أن وصفي لغسان كنفاني بالعبقرية لا يكفي، لأن يجعله عبقرياً، ولا يوجب على الآخرين التسليم بهذا الوصف، ومن هنا جاء هذا الكتاب ليوضح مرتكزات هذا الوصف، ومستنداته، ودعائمه وأدلته ومبرراته. والكتاب هو قراءة عبقرية غسان كنفاني وكشف معالمها، وإضاءة أبعادها، استناداً إلى ما توافر من معلومات حول شخصية غسان وتطورها، ومنظومته القيمية والسلوكية، وإبداعاته المتعددة، وأدواره الريادية في حياة شعبه، وفي إرساء أركان جوانب أساسية في الثقافة الوطنية والقومية والإنسانية التقدمية».

ما زلت موجودا

الملاحظ في السنوات الأخيرة ازدياد شعبية غسان كنفاني بين صفوف الشباب الفلسطيني من الجيل الرابع للنكبة، يوازيه الحماس نفسه في أوساط الشباب العربي، حيث نتاجات أعمال غسان هي الأكثر مبيعاً وتتم إعادة نشر جميع مؤلفاته باستمرار، وهناك مشاريع كثيرة في المسرح والسينما وفي ورش الكتابة كلها ضمن أجندات، أبقت ذكراه لتصبح ظاهرة عالمية، مفادها «غسان كنفاني الحاضر الحاضر»! ولكي لا ننسى يعود الفضل فوق كل ذلك لزوجته آني كنفاني، المرأة التي ساهمت، كما أوردنا في أكثر من منبر، على نشر أدبه للعالمية من خلال حرصها على ترجمة أعماله، ومن خلال تأسيس وإدارة مؤسسات غسان كنفاني الثقافية، ورياض الأطفال المنتشرة في المخيمات الفلسطينية كافة في لبنان.
كل ما تقدم دحض فرضية غولدا مائير، التي صرحت ساعة علمها تنفيذ الموساد لعملية الاغتيال: «اليوم تخلصنا من لواء فكري مسلح، فغسان بقلمه كان يشكل خطراً على إسرائيل، أكثر مما يشكله ألف فدائي مسلح». وها قد حصدت مائير وسلالتها عكس ما تمنت!
ومنذ ذلك الزمان الماضي والآن، وفي الوقت المقبل سيبقى غسان كنفاني موجوداً رغم كل شيء، وها هو الواقع هنا مصدقاً لعبارته: «حاولوا أن يذوبوني في فنجان شاي ساخن، وبذلوا ـ يشهد الله – جهداً عجيبا من أجل ذلك، لكنني ما زلت موجودا رغم كل شيء»!

كاتبة فلسطينية