بري اتفق مع زعيم “المستقبل” على تسمية ميقاتي لكن الأخير لا يرغب
وليد شقير كاتب صحافي @ChoucairWalid
لم يكن ينقص السلطة الحاكمة في لبنان سوى الصفعة التي تلقاها رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والطبقة السياسية عموماً، من عدد من السفراء الغربيين رداً على المناحة التي أدلى بها أمامهم حين دعاهم إلى الاجتماع بهم، الثلاثاء، السادس من يوليو (تموز)، وألقى بهم خطابه طالباً منهم مساعدة لبنان، معتبراً أن “العالم لا يستطيع أن يعاقب اللبنانيين أو أن يدير ظهره للبنان، لأن الاستمرار في هذه السياسة سيؤدي حتماً إلى انعكاسات خطيرة فتخرج الأمور عن السيطرة بحيث يسود التشدد في العصبيات”، محذراً من “كارثة مخيفة” ستحل باللبنانيين.
فسقطة دياب مع ممثلي المجتمع الدولي حصلت في ذروة جديدة من التحركات الدولية المنخرطة بموجة ضغوط مكثفة لأجل تأليف الحكومة الجديدة، ولتقديم المساعدات للبنان، نتيجة اللقاء الثلاثي الأميركي الفرنسي في 29 يونيو (حزيران) الماضي، واجتماع البابا فرنسيس مع القادة الروحيين المسيحيين في الأول من يوليو، في ظل لقاءات يعقدها الرئيس المكلف سعد الحريري للتشاور حول خيار الاعتذار عن مهمة تشكيل الحكومة أو التريث بعض الوقت.
وأثار دياب حفيظة سفراء دول كبرى لم تتوقف عن مدّ البلد بالمساعدات المالية والإنسانية لا سيما بعد انفجار الرابع من أغسطس (آب) الماضي في مرفأ بيروت، بعدما اتهم الدول الشقيقة والصديقة بـ “إدارة ظهر كاملة” للبلد، وتحدث عن أن “الاستمرار بحصار شديد يقطع أنفاس البلد ومعاقبة اللبنانيين، سيدفع حكماً لتغيير في التوجهات التاريخية لهذا البلد”.
“سوء الإدارة المتعمد والاجتماع المتأخر”
وتلقى رئيس حكومة تصريف الأعمال أجوبة قاسية على كلامه لم تطله وحده بل الطبقة السياسية قاطبة معه، وأكثر السفراء الذين أخرجوا ما قالوه إلى العلن، لا سيما السفيرة الفرنسية آن غريو، التي غردت على “تويتر” قائلة، “نعم الوضع مخيف، لكن المخيف دولة الرئيس هو أن الإفقار القاسي هو نتيجة هذا الانهيار، وهو نتيجة لسوء الادارة والتقاعس عن العمل لسنوات، وليس نتيجة حصار خارجي، بل نتيجة مسؤوليات الجميع لسنوات، مسؤوليات الطبقة السياسية، هذه هي الحقيقة، اجتماع السراي اليوم محزن ومتأخر”.
ولم تكتفِ السفيرة غريو بهذا التعليق، فكان لافتاً أن وزعت السفارة في بيروت في اليوم التالي، في السابع من يوليو، شريط فيديو بالصوت والصورة، لردها على دياب أثناء اجتماع السفراء به، بعد أن كانت دوائر السرايا الحكومية قطعت البث المباشر لنقل وقائع الاجتماع، وعددت غريو على مسامع دياب وسائر السفراء العرب والأجانب ما كانت تلقته في اليوم نفسه، من مطالب على هاتفها الخلوي، لتمويل أجهزة التبريد في إحدى المدارس، أو لتمويل صندوق التقاعد في الجامعة الفلانية، فضلاً عن طلبات الحصول على تأشيرة من “شبابكم الذين ببساطة يرغبون بالهجرة والمنفى القسري”، ومما قالته إن سوء الإدارة المتعمّد، وراء الإفقار، وليس نتيجة حصار خارجي.”…
وذكرت بأن فرنسا تطالب مثل سائر الدول بقيام حكومة جديدة نظراً إلى الحاجة إلى شريك، وهذا هو المفتاح لاتخاذ الإجراءات الواجبة، وأوضحت أن بلادها “لم تنتظر نداءكم بل قدمت مع دول أخرى مساعدات حتى قبل انفجار مرفأ بيروت المحزن”، مذكرة بمؤتمرين نظمتهما باريس لمساعدة اللبنانيين “في التزام غير مسبوق من المجتمع الدولي”، وأعلنت عن مؤتمر ثالث تنظمه باريس لمساعدة لبنان (آخر يوليو)، مشيرة إلى إجراءات يمكن لحكومته أن تأخذها على الرغم من استقالتها، مثل تحريك قرض البنك الدولي لشبكة الأمان الاجتماعي، وبقيام هيئة رقابة، وأن يتم اعتماد معايير لاختيار المستفيدين وفق معايير البنك الدولي، وهو رد من غريو على تعديلات أُدخلت على قانون استحداث البطاقة التمويلية في المجلس النيابي رفض فيها أن ينص على اعتماد معايير البنك الدولي في تحديد المستفيدين منها، وأصر على عبارة “بالتشاور مع البنك الدولي”.
وقالت السفيرة الأميركية دوروثي شيا كلاماً مشابهاً.
الرد على دياب رد على “حزب الله”
ومن المفارقات أن دياب وجه انتقاداته عشية وصول المنسق الخاص بالمساعدات الفرنسية إلى لبنان السفير بيار دوكان على رأس وفد كبير، في السابع من يوليو لدراسة الاحتياجات اللبنانية قبل المؤتمر الذي أعلنت عنه السفيرة غريو، كما أنه جاء في اليوم نفسه لزيارة وزير الخارجية والدفاع الأيرلندي سيمون كوفني إلى بيروت، حيث اجتمع إلى المسؤولين مبدياً استعداد بلاده لتقديم مساعدات للجيش وللتعاون في شأن إعادة بناء مرفأ بيروت، في وقت كان قائد مدرسة الحرب الفرنسية جان مارك فيجيلانت يزور قيادة الجيش في إطار التعاون المشترك، بينما يجول أحد كبار ضباط القيادة المركزية الأميركية على الحدود الشمالية الشرقية يتفقد ما قدمه البنتاغون من معدات للجيش من أجل ضبط هذه الحدود ومعاينة ما يحتاجه.
وجاء كلام دياب غداة خطاب للأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله اعتمد فيه هو الآخر سياسة الهروب إلى الأمام فحمّل، في سياق حديثه عن “صدق وعود المقاومة” بأن جمهورها “لن يجوع”، الولايات المتحدة الأميركية في بيروت مسؤولية “منع أي دولة في العالم من أن تقدم مساعدة أو هبة أو وديعة أو قرض للبنان ولأهداف سياسية لا ترتبط بلبنان”، كما حمّل الإدارة الأميركية بأنها “تمنع البنوك اللبنانية من أن تأتي بأموالها ودولاراتها من الخارج وتفرض العقوبات وتهدد بها”، بعدما اعترف بوجود “فساد مستشرٍ، وسرقات واحتكار بلا حدود”، وشكك بدور التهريب في الأزمة المالية الاقتصادية، المتهم به حزبه، سائلاً كم نسبته؟
وهذا ما دفع مصدر سياسي بارز إلى القول لـ “اندبندنت عربية” إن رد السفيرة الفرنسية على دياب هو رد غير مباشر على كلام نصر الله، الذي برأ حزبه، من المسؤولية عن جرِّ لبنان إلى خيارات إقليمية تخدم المشروع الإيراني في المنطقة، سبب تراجع الاستثمارات فيه وعزلة عربية ودولية، فدياب اعتمد السردية نفسها للحزب في رد الأزمة إلى موقف الخارج من لبنان، متهماً المجتمع الدولي ككل بدلاً من أميركا وحدها كما فعل نصر الله.
تزامن كل ذلك مع إعلان البطريرك الماروني بشارة الراعي بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون لإطلاعه على نتائج اجتماع القادة الروحيين المسيحيين مع البابا فرنسيس في الأول من يوليو، أنه أبلغه بأن “خطاب قداسة البابا هو خريطة طريق لنا”، وكرر ما قاله في روما عن أن “الجميع يخالف الدستور، وليس هناك أحد معني بلبنان أكثر من فخامة رئيس الجمهورية، لا أحد، وذلك انطلاقاً من مسؤوليته كرئيس للجمهورية”.
وكان البابا فرنسيس دعا من هم في السلطة إلى أن يتخلوا عن مصالحهم من أجل السلام، كما أكد الراعي أن على الحريري “أن يعجّل بأسرع ما يمكن في تأليف الحكومة مع رئيس الجمهورية، وفق روح الدستور، لأن كل يوم نتأخر فيه، تغرق السفينة أكثر فأكثر، ونقع ضحية هذا التأخير”.
بري والاعتذار وخيار ميقاتي
في المقابل، يميل الميزان في الأوساط المقربة من الحريري إلى أنه يمهد للاعتذار عن عدم تأليف الحكومة، وسط معطيات بأنه ناقش الأمر في اجتماع بعيد عن الأضواء عقده مع رئيس البرلمان نبيه بري في الخامس من يوليو، طرح فيه الحريري هذا التوجه مؤكداً أنه لم يعد بإمكانه الاستمرار على وتيرة تعطيل تأليف الحكومة من قبل الفريق الرئاسي، لكن بري ذكره بأنه كان اتفق معه على تأجيل البحث بهذا الأمر، وأنه إذا كان لا بدّ من هذا التوجه فليسمِّ البديل عنه ويتعهد بمنحه حكومته الثقة عندما تمثل أمام البرلمان.
وترددت معلومات عن أنهما اتفقا على أن يكون الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي الموجود في الخارج، البديل، وأن الحريري ناقش معه الأمر. وهنا تتعدد الروايات، منها ما يقول إن البحث تناول التعاون بين الحريري والحريري في المرحلة المقبلة، لكن الفريق الرئاسي رفض خيار ميقاتي نظراً إلى المواقف السلبية التي اتخذها في الأشهر الأخيرة ضد العهد وسياسته، ومنها ما يشير إلى أن ميقاتي غير متحمس للفكرة، وأنه أبلغ زميليه في نادي رؤساء الحكومات السابقين فؤاد السنيورة وتمام سلام أنه ليس في وارد تولي المهمة، كما أن مصادر معارضة لاعتذار الحريري تعتبر أنه إذا قبل بتسمية البديل عنه، ثم تعرض للعرقلة التي تعرض لها هو والسفير مصطفى أديب قبل 10 أشهر، فإن الرئيس المكلف الجديد سيعود ويعتذر أيضاً.
لكن بعض من التقوا الحريري من نواب وسفراء في اليومين الماضيين، خرجوا بانطباع أنه لم يعد يرى من فائدة أن يستمر رئيساً مكلفاً، بعدما صبر أكثر من ثمانية أشهر، وأنه حين اعتبر أنه مرشح طبيعي للمهمة استناداً إلى المبادرة الفرنسية، لم يقم بذلك تحدياً لأحد، ولم يكن يتوقع العرقلة التي صادفها.
وتشير مصادر متعددة، سواء قريبة من تيار “المستقبل” أو من رؤساء الحكومات السابقين، إلى أن الحريري سيواصل مشاوراته مع الهيئات القيادية في التيار، وإلى أنه نُصح بأن يتريث في الإقدام على الاعتذار، وأن يقدم على الخطوة التي طالبه بها البطريرك الراعي، أي أن يتقدم من الرئيس عون بتشكيلة حكومية من الاختصاصيين غير الحزبيين الذين لا غبار عليهم، فإذا قبل بها كان ذلك خيراً وإذا لا يعتذر.
لكن كل هذه التسريبات تؤشر إلى أن النقاش الجاري هو حول كيفية إخراج اعتذار الحريري، في ظل قناعة بأن رئاسة ميقاتي للحكومة، مع تحبيذ بعض القوى الدولية لهذا الخيار، تفادياً للانهيار المريع، يقترن مع تسليم الأطراف المعنية بفكرة الحكومة الـ “تكنو” سياسية التي طرحها ميقاتي عند اعتذار السفير مصطفى أديب، فهي تتكون من ستة وزراء يمثلون الأحزاب، التي تسمي باقي الوزراء الـ 18 من غير الحزبيين، يجري اختيار ثلاثة منهم كـ “تكنوقراط” للحقائب الخدماتية الحساسة الذين ترضى عنهم دول الغرب لضمان حسن إدارة الأموال التي ستنفقها على إعادة تأهيلها.
تحرك أميركي فرنسي نحو الرياض
وبموازاة إعطاء المجتمع الدولي الأولوية المطلقة لتشكيل حكومة، ومنع الانهيار الكامل، برز تحرك لافت من قبل سفيرتي فرنسا غريو وأميركا شيا بإصدار كل منهما بياناً أعلنتا فيه سفرهما المشترك، الخميس، إلى المملكة العربية السعودية.
وجاء في البيان الفرنسي أن الزيارة للقاء عدد من المسؤولين السعوديين، “امتداد للقاء المشترك لوزير أوروبا والشؤون الخارجية جان إيف لودريان ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود، الذي انعقد في إيطاليا في 29 يونيو”، وذكر البيان أنه سبق للوزيرين الفرنسي والأميركي أن اشارا إلى “عجز القادة السياسيين اللبنانيين، حتى الآن، عن تغليب المصلحة العامة للبنان على مصالحهم الخاصة”، كما اتفقا على “ضرورة أن تعمل فرنسا والولايات المتحدة معاً لإخراج لبنان من الأزمة”.
وستشرح السفيرة الفرنسية خلال لقاءاتها أنه “من الملحّ أن يشكل المسؤولون اللبنانيون حكومة فعالة وذات مصداقية تعمل بهدف تحقيق الإصلاحات الضرورية لمصلحة لبنان، وفقاً لتطلعات الشعب اللبناني”، وستعرب مع نظيرتها الأميركية عن رغبة فرنسا والولايات المتحدة في العمل مع شركائهما الإقليميين والدوليين للضغط على المسؤولين عن التعطيل، وستشدّد أيضاً على ضرورة المساعدات الإنسانية الفرنسية المقدّمة مباشرة للشعب اللبناني وللقوات المسلحة اللبنانية ولقوى الأمن الداخلي التي ستستمر فرنسا والولايات المتحدة بدعمها.
أما السفيرة الأميركية، فحددت مثل نظيرتها الفرنسية، الزيارة على أنها استكمال للقاء الثلاثي في إيطاليا ولاجتماع وزيري خارجية أميركا وفرنسا الذي سبقه، وحددت مهمة السفيرة شيا بأنها “ستبحث خطورة الوضع في لبنان وتؤكد على أهمية المساعدة الإنسانية للشعب اللبناني، فضلاً عن زيادة الدعم للجيش وقوى الأمن الداخلي”.
وبالشراكة مع نظيريها الفرنسي والسعودي، “ستواصل السفيرة شيا العمل على تطوير الاستراتيجية الدبلوماسية للدول الثلاث التي تركز على تشكيل الحكومة وحتمية إجراء الإصلاحات العاجلة والأساسية التي يحتاجها لبنان”، وأكدت “التزام الولايات المتحدة بمساعدة شعب لبنان، والإضاءة على المساهمة بأكثر من 3.7 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية والإنسانية والأمنية التي قدّمت منذ العام 2016”.