هل العالم على أعتاب قفزة في الذكاء الاصطناعي لقيادة الاقتصاد الجديد؟


327 مليار دولار حجم الأسواق العالمية في إنتاج البرامج والخدمات خلال العام الحالي

مصطفى درويش صحافي @Mustafa42386888

مع تواصل الشركات على مستوى العالم في زيادة إنفاقها على خطوط إنتاج الذكاء الاصطناعي بأركانه الثلاثة (عتاد، وبرمجيات، وخدمات) كضرورة للنجاح والاستمرار في الأعمال، يتوقع أن يتجاوز حجم هذا السوق 327 مليار دولار خلال العام الحالي، في الوقت الذي تتدفق فيه الأخبار من مؤتمرات للتقنية عن أن مستوى الذكاء الاصطناعي لا يزال ضعيفاً، وأنه لا يستطيع أداء عديد من الوظائف الأساسية للعقل البشري، وأخبار أخرى عن أنه يهدد سوق العمل. 
 
نمو رغم الجائحة 
وعلى الرغم من جائحة كورونا وإغلاق الاقتصاد العالمي، يتوقع أن تنمو إيرادات السوق العالمي للذكاء الاصطناعي خلال العام الحالي بنسبة 16.4 في المئة إلى 327.5 مليار دولار أميركي. كما يتوقع أن تواصل السوق النمو بنسبة 16.4 في المئة سنوياً حتى عام 2024، ليتجاوز حجمه 500 مليار دولار. 

واستحوذت برمجيات الذكاء الاصطناعي على 88 في المئة من عائدات العام الماضي، 50 في المئة، منها لمنصات الذكاء الاصطناعي، إلا أنه مقارنة بالعتاد والخدمات، فإن البرمجيات ستكون الأبطأ نمواً خلال السنوات الخمس المقبلة، بنسبة 17.3 في المئة سنوياً. 

وبالنسبة لقطاع البرمجيات خلال السنوات الخمس المقبلة، فإنه يتوقع أن تكون برمجيات منصات الذكاء الاصطناعي هي الأكثر نمواً بمعدل سنوي 32.7 في المئة، بينما ستكون برمجيات البنية التحتية الأقل نمواً بمعدل 13.7 في المئة، وتمثل 36 في المئة من عائدات سوق البرمجيات الخاصة بالذكاء الاصطناعي. 

الخوارزميات تدير العالم 

وبغض النظر عن صحة أي من وجهتي النظر، أصبحت خوارزميات الذكاء الاصطناعي اليوم جزءاً أساسياً في قطاعات عديدة، مثل الرعاية الصحية، والتمويل، والتصنيع، والنقل، وغيرها. وقريباً لن يكون هناك نشاط بشري سيصبح بمعزل عن الذكاء الاصطناعي، لتصبح الخوارزميات هي رئيس مجلس إدارة العالم الجديد. 

وقال إيهاب خليفة، رئيس وحدة التطورات التكنولوجية، بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، إن “الذكاء الاصطناعي ضعيف المستوى حالياً، أدى بالفعل إلى نجاح ونمو شركات مثل “غوغل” و”فيسبوك” و”أمازون”، ليؤثر على الحياة اليومية لمليارات الأشخاص. وهذا لأننا لسنا بحاجة إلى نسخة طبق الأصل من ذكاء الإنسان لترشيح محتوى معين على صفحات “فيسبوك”، أو ترتيب نتائج البحث على صفحات البحث من “غوغل”، وترشيح المنتجات على موقع (أمازون)”. 

وأضاف، “بعيداً عن هذه الشركات، لا توجد حاجة لذكاء اصطناعي خارق لصنع الكابتشينو مثلاً، أو حتى تقليد رسومات أعظم الفنانين. وهذا يعني أن الذكاء الضعيف حالياً يكفي بالفعل لتغيير طبيعة الشركات وكيفية عملها. وقد نجحت الشركات التي فهمت قواعد إدارة الأعمال بالذكاء الاصطناعي من التعامل مع الأسواق القائمة بطرق مبتكرة، أو إنشاء أسواق جديدة. أما الشركات التي تمسكت بالأساليب القديمة، فخرجت من السوق أو مستمرة في الخسارة”. 
وتابع، “لتوضيح الفرق توظف شركة “آنت فاينانشيال”، التي تأسست عام 2014، نحو 9 آلاف موظف لتقديم مجموعة واسعة من الخدمات المالية لأكثر من 700 مليون عميل بمساعدة الذكاء الاصطناعي، فيما يوظف “بنك أوف أميركا”، الذي تأسس عام 1924، أكثر من 200 ألف موظف لخدمة 67 مليون عميل بمجموعة محددة من العروض، بالتالي يمكن القول إن هناك سلالة جديدة من الشركات بدأت في الظهور. ولتتمكن شركة مثل “آنت فاينانشيال” من القيام بهذا الدور كان لا بد من ابتكار نموذج عمل جديد يطلق عليه اسم مصانع الذكاء الاصطناعي، وهو المكون الرئيس الذي لا يمكن للشركات من المنافسة والنمو من دونه في هذا العصر”. 
 
مصانع الذكاء الاصطناعي 

وأشار إلى تجربة عيادات “مايو كلينيك” الشهيرة في الولايات المتحدة التي تمكنت من إنشاء 60 خطاً للذكاء الاصطناعي بفرق صغيرة، كل منها يعمل على تسريع إنتاج تطبيقات ذكاء اصطناعي للوصول إلى قراءات أفضل للمؤشرات الحيوية التي يمكنها التنبؤ بصحة المريض، فضلاً عن تحسين التشخيص. 

وأضاف خليفة، “يتضح من هذه الخطوة التي تستحق الإعجاب أن السبب الرئيس وراء تحول الأعمال إلى نموذج مصنع الذكاء الاصطناعي هو زيادة معدل نجاحها، يجب الإشارة إلى أن نصف مشروعات الذكاء الصناعي في الولايات المتحدة تحولت من مراحل التجريب إلى الوصول لنتائج خلال الفترة الماضية، وفقاً لشركة الأبحاث الشهيرة (غارتنر)”. 

من جانبه، قال محمد عبدالهادي من المركز العربي للدراسات الاستراتيجية، إن العمليات والأدوات المستخدمة في عمليات الذكاء الاصطناعي شائعة وسهلة التعلم والاستخدام، وتقلل تكلفة إنشاء برامج خاصة. ولأن الاقتصاد يظهر علامات التعافي من جائحة فيروس كورونا، يجب على الشركات أن تتطلع إلى توسيع استخدامها للذكاء الاصطناعي لتعزيز تجربة العملاء وزيادة المبيعات وتحسين العمليات. 

التقنيات الأساسية المستخدمة 

وأضاف عبدالهادي، أن تقنيات الذكاء الاصطناعي الأساسية المستخدمة في الأعمال التجارية اليوم هي خوارزميات التعلم الآلي، ومحركات الإحصاء، التي يمكنها جمع أنماط متكررة، من الملاحظات السابقة، للتنبؤ بنتائج جديدة، بناءً على الخبرات السابقة. 

وذلك إلى جانب مكونات رئيسة أخرى مثل مصادر البيانات، والتجارب، والبرامج، لتتمكن خوارزميات التعلم الآلي من التحول إلى مصانع للذكاء الاصطناعي، في مجموعة متقاطعة من المكونات والعمليات المترابطة التي تغذي عمليتي التعلم والنمو. 

والبيانات الجيدة، التي تتسم بكل جوانب الصحة خلال جمعها من المصادر الداخلية والخارجية، هي وقود الذكاء الاصطناعي، في القيام بعملية التنبؤ في مهمة ما، مثل تشخيص الأمراض وعلاجها لمساعدة البشر على اتخاذ قراراتهم، ما يجعل البيانات تستحق عن جدارة لقب نفط عصر البيانات. 

كيف تعمل هذه المصانع؟ 

وأوضح عبدالهادي أن جوهر مصانع الذكاء الاصطناعي هو خلق دورة حميدة تجمع بين تفاعل المستخدم وجمع البيانات، وتصميم الخوارزمية، والتنبؤ، والتحسين. ويسمح نموذج مصانع الذكاء الاصطناعي الحالي باختبار فرضيات جديدة وإجراء تغييرات لتحسين النظام. 

وتسمح هذه التغييرات بدورها للشركة بالحصول على بيانات جديدة، وتحسين خوارزميات الذكاء الاصطناعي، والعثور مرة أخرى على طرق جديدة لزيادة الأداء، وإنشاء خدمات ومنتجات جديدة، والنمو، والانتقال عبر الأسواق. 
وأشار إيهاب خليفة إلى أنه “إذا كانت البيانات المعالجة جيداً هي الوقود الذي يمد مصنع الذكاء الاصطناعي بالطاقة، فإن البنية التحتية مثل الأنابيب التي تنقل الوقود، والخوارزميات هي الآلات التي تقوم بهذا العمل. وبدورها، تتحكم منصة التجارب، في الصمامات التي تربط الوقود والأنابيب والآلات الجديدة بأنظمة التشغيل الحالية”. 
 
خطوط النفط الجديدة 

وقدم المتخصصان مفهوماً مختصراً لـ”خط أنابيب البيانات”، وهو مجموعة مكونات وعمليات لدمج البيانات من مصادر داخلية وخارجية مختلفة، وتنقيتها ودمجها ومعالجتها وتخزينها، لتستخدمها أنظمة الذكاء الاصطناعي المختلفة. ومع ذلك، فإن المهم هو أن خط أنابيب البيانات يعمل بطريقة منهجية ومستدامة وقابلة للتطوير، وهذا يعني أنه يجب أن يكون هناك أقل قدر من الجهد اليدوي لتجنب اختناق خطوط الذكاء الاصطناعي. 
 
بناء الشركات الذكية 

ومن أوجه عديدة، يعد بناء شركة ذكاء اصطناعي ناجحة تحدياً إدارياً وهندسياً. وبالنسبة للشركات التقليدية فالتحول إلى شركة يحركها الذكاء الاصطناعي لا علاقة له بإنشاء مؤسسة جديدة، أو إنشاء قسم للذكاء الاصطناعي، بل يتعلق بتغيير جوهر الشركة للتمحور حول البيانات التي تدعمها منظمة رشيقة الأداء. 
وقال خليفة، “في الواقع هذا هو الحل الوحيد في المرحلة المقبلة، وهناك أمثلة كثيرة، فقد استفادت سلسلة “وول مارت” للبيع بالتجزئة من الذكاء الاصطناعي، فاستمرت إلى الآن، بينما أفلست منافستها “سيرز” في عام 2018، بعد أن ظلت تعمل لمدة 125 عاماً. إذاً، المسألة لا تتعلق بجائحة كورونا، ولكن بعد انتهاء الأزمة فالضرورة أكبر، بل تكاد تكون مصيرية لمن يريد اللحاق بالمستقبل”. 
 
إعادة تأهيل المديرين 

واختتم عبدالهادي بقوله، إنه “لا بد من إعادة تأهيل وتعلم حتى أفضل المديرين لنشر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الأعمال في منطقة الشرق الأوسط، ومثلما يتعلم طالب إدارة الأعمال المحاسبة، ومعرفة أهميتها من دون أن يتخصص فيها، كذلك لا يحتاج مديرو الشركات إلى أن يصبحوا علماء بيانات أو مبرمجين أو مهندسي ذكاء اصطناعي، كل ما عليهم، أن يتعلموا المعارف المتصلة بالموضوع”.