الأردنيون خسروا الملايين جرّاء تدريس أبنائهم في الجامعات عبر بيع الاراضي “والذهبات” واخراج الاموال من المخدات وإعطائهم شهادات بامتياز.. عاطلون عن العمل!

عصام مبيضين


من الذي سحب من جيوب أغلب المواطنين خلسةً في الليل المظلم مدخراتهم وأموالهم الذين من أجل ذلك؛ باعوا الذهب والأراضي في الأرياف والمحافظات والمخيمات وأخرجوا (تحويشة العمر) من تحت الوسادة وباطن (اللحاف) أو عبر القروض؛ من أجل تدريس أبنائهم في الجامعات، وتأمين مستقبلهم بشهادات لا تنفع حتى للتعليق على الحائط
من هو الجاني؟! خاصّةً إذا علمنا أن الضحايا كثر؛ وهم معروفون العنوان والمكان، وأصواتهم مبحوحة، وقلوبهم مجروحة، على فلذات أكبادهم، وهم على قارعة الزمن، ينتظرون وظيفةً ربما لن تأتي فمن هو الجاني؟ أم أنّ الأمور غامضة، والجريمة (قُيّدت ضد مجهول).
واليوم؛ فإن البطالة وصلت إلى أرقام قياسية وفق الإحصاءات (25) بالمئة والبنك الدولي (50) بالمئة، وأرقام ديوان الخدمة المدنية تفصح عن (420) ألف شاب عاطل عن العمل، وربما أضعاف الرقم لم يسجّلوا في ديوان الخدمة نهائيًا، بانتظار فرص عمل في القطاع الخاص أو العمل اليومي (على البركة.. أرزاق يا دنيا أرزاق ).
وسط كل ذلك؛ فإن الأخطر؛ أنّ االآلاف دخلوا الجامعات، وانفق الأهالي عليهم عشرات الآلاف من الدنانير، واكتشفوا متأخرين؛ أن بعض التخصصات -للأسف- غير معترف بها، وأخرى تجاوزها الزمن، وأنّ الشهادات الجامعية تصلح للزينة فقط، واكتشفوا أيضًا؛ أنه لا أمل بوظيفة لهم، حتى ولو وصلوا سن (حمل العكاكيز) حيث أنّ الخدمة المدنية اعتذرت بلطف، وقدّمت المواساة لمن بلغوا سن الـ(48)، وشطبت (15) ألف طلب منهم، ونصحتهم بالتوجه إلى برنامج (انهض) للتدريب المهني..و(سلامتكم).
إذنْ؛ من المسؤول؟! من الذي شطب التعليم المهني من المدارس الحكومية في صف ثالث إعدادي من سنوات طويلة؟! بعد أن كانت المدارس المهنية ترفد السوق بكفاءات فنية خلال الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن المنصرم، وحتى الكليات المتوسطة لاحقًا؛ تحولت لتخريج شهادات أكاديمية فقط وليس عمالًا مهرة، ودفع بعشرات الآلاف دراسات أكاديمية بدون دراسة ولا تخطيط.
وبعد إلغاء التعليم المهني أو تقليصه؛ كانت الاستفادة للبعض مزدوجةً عبر جلب عمالة وافدة منخفضة الأجر من الخارج؛ وربما لتدوير الإنتاج بأنواعه، وبأقل الكلف، وتطبيق نظرية (الإحلال) للعمالة الوافدة مكان العمالة المحلية، والأرقام تتحدث عن مليون عامل وافد ( تصريحات وزراء العمل بأنّ أغلب هذه العمالة مخالفة، وغير معروفة العناوين) تعمل في كافة الجهات، وأيضًا؛ تشجيع هوس الالتحاق بالتعليم الجامعي لدى غالبية خريجي المرحلة الثانوية، وسط سيطرة نظريتي (الفهلوة والهمبكة)، في بعض القرارات حيث خاف البعض أن يقترب من استثمارات بعض رأس المال بقرارات رادعة من زمن لايقاف الفوضى الخلاقة
واليوم؛ أصبح لدينا (420) ألف جامعي عاطل عن العمل، وكل عام يتخرّج في الجامعات من (60 ـ 80) ألف؛ لينضموا إلى العاطلين عن العمل ضمن تخصصات راكدة تركها الزمن، والاقتصاد يوفر بأحسن الأحوال (40) ألف فرصة عمل سنويًا، بينما قدرة الحكومة على التوظيف تصل إلى (7) آلاف خريج (تعليم وصحة)؛ أيّ بنسبة (10) بالمئة من عدد الخريجين، حتى أن وزيرًا قال:”أنّ 50 بالمئة من الوظائف الحالية ستختفي كوظيفة ومسمى وظيفي، لكن سيخلق بدلًا منها عددًا مهولًا من الوظائف باحتياجات، ووصف وظيفي ومهارات مطلوبة مختلفة”
وكل ذلك يجري وأعداد المتعطلين عن العمل تزداد مع مرور الوقت، وقطاع التعليم العالي من زمن؛ يراوح مكانه دون إصلاح وتطوير؛ لاتصاله في قطاعات الإنتاج والاقتصاد والصناعة، وهو الذي يستطيع توفير فرص حقيقة للالتحاق بسوق العمل، ولكن هذا القطاع يحتاج بالتأكيد إلى نوعية أخرى من الإعداد والتدريب والتأهيل والتعليم.
والأخطر؛ التقاط تصريحات إمين عام وزارة التعليم العالي الأسبق بأنّ الأسر الأردنيةحسب راية أنفقت (3) مليارات دينار على تعليم المتعطلين من العمل حاليًا، يضاف إليها؛ خسارة (5ر4) مليارات دينار تحت بند ما يُسمى –العائد المالي الضائع- (العائد المالي الذي كان يمكن تحقيقه فيما لو التحق هؤلاء الطلبة بعمل منتج طوال فترة دراستهم لتخصصات غير مطلوبة في سوق العمل)
إنّ سوق العمل التقليدي لا يمكن له أن يوفر سنويًا فرص عمل لأكثر من (10) بالمئة من طالبي التوظيف، وهذا الأمر في حد ذاته يشكل قنبلةً موقوتةً مزروعةً في صدور أبنائنا وذويهم من مرارة الانتظار لفرصة عمل، والحسرة على ما أنفقوه من أموال؛ للحصول على شهادة جامعية لا تُسمن ولا تُغني من جوع، والمصيبة الأكبر؛ أنّ جوانب قطاع التعليم العالي، والجامعي منه بشكل خاص؛ ما زال يسير بوتيرته العالية في تخريج طلبة ضمن تخصصات راكدة أو مشبعة، وكأنه يمارس دورًا غير مقصود في (رفد النار بالحطب)؛ وهذا الوضع له علاقة وثيقة بنسبة الفقر والبطالة التي يُعاني منه الأردنوفي النهاية؛ وقع الفأس بالرأس، ومجنون رمى حجر..مئة عاقل لن يستخرجه! .