“تقع على إسرائيل، بصفتها سلطة احتلال، مسؤولية التقيد بالالتزامات المنوطة بها بموجب القانون الدولي تجاه الشعب الفلسطيني والبيئة الفلسطينية. لكنها لا تفي بأي من التزاماتها، وقد آن الأوان ليُصعد المجتمع الدولي الضغط عليها ويُسائلها”، يكتب تشارلي جاي.
تشارلي جاي
تُمثل فلسطين جزءاً صغيراً لكن مهماً من الهلال الخصيب. فتربتها الغنية ومناخها المتوسطي يجعلانها مهد الحضارة، أو بالأحرى مهد تدجين الحيوانات والنباتات، الذي أسهم في استقرار المجتمعات البشرية وتطور الحضارات، قبل نحو عشرة آلاف عام.
وبفضل موائلها المتنوعة وموقعها الفريد بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، تُعتبر فلسطين المحتلة بؤرةً للتنوع الحيوي في قلب المتوسط. فاستناداً إلى “سلطة جودة البيئة”، تشكل الأنواع النباتية والحيوانية في فلسطين ثلاثة في المئة تقريباً من التنوع الحيوي العالمي، تُضاف إليها مجموعة واسعة ومتنوعة من السلالات البدائية والمحاصيل البرية، من قبيل أسلاف القمح والشعير والكروم والزيتون والبصل والبقول.
وتُعد فلسطين المحتلة كذلك بيئةً حاضنةً مهمةً للطيور المهاجرة، على شاكلة اللقالق والبجع، مع تسجيل وجود أكثر من 520 فصيلة منها، إلى جانب ما يربو على 70 فصيلة من الثدييات وألفي وسبعمئة فصيلة من النباتات وآلاف الزواحف والبرمائيات والحشرات.
وعلى الرغم من أن الفلسطينيين يُشكلون أكثر من نصف مجموع السكان، فإنهم لا يستغلون سوى 15 في المئة من أرض فلسطين التاريخية، ومرد ذلك إلى الاحتلال الإسرائيلي الذي حال دون وصولهم إليها والتحكم فيها وفي حدودها ومواردها الطبيعية عقوداً طويلة. وفي منطقة تُعاني بالفعل تأثيرات التغير المناخي المتمثلة في ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدل هطول الأمطار، كان لهذا الافتقار إلى السيادة عواقب وخيمة ليس على قاطني الأراضي المحتلة فحسب، بل على عالمها الطبيعي كذلك.
ومما لا شك فيه أن مصادرة إسرائيل الأراضي الفلسطينية من أجل بناء مستوطنات للمهاجرين اليهود القادمين من كل أنحاء العالم، هي واحدة من أبرز التهديدات المُحدقة بكل من المناظر الطبيعية وعناصر التنوع الحيوي وحل الدولتين.
فبحجة بناء المستوطنات وما يرتبط بها من بنى تحتية غير شرعية بموجب القانون الدولي، وبحججٍ أخرى نظير منع إلحاق الضرر بالطبيعة أو تحول بعض الأراضي إلى “مناطق إطلاق نار”، تمكنت إسرائيل من وضع يدها على آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية.
وتؤمِّن إسرائيل اليوم الحماية لهذه المستوطنات وسكانها بواسطة نقاط تفتيش وأسوار من الأسلاك الشائكة وقوات مسلحة متأهبة باستمرار لمنع الفلسطينيين من دخول المناطق العازلة المحيطة؛ وهذا وحده كفيل بتحويل أي أرض زراعية إلى أرض بور لا محل لها من الإعراب.
وقد انطلق قطار المشروع الاستيطاني اليهودي بعدما احتلت إسرائيل ما تبقى من فلسطين التاريخية -الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة- عام 1967. وفي الوقت الحاضر يستوعب المشروع أكثر من 680 ألف مستوطن، ومن المؤمل لهذا العدد أن يزداد ليبلغ عتبة المليون.
لكن هذا التوسع المتواصل يُهدد الموائل والنظم الإيكولوجية ويضع ضغوطاً على الموارد الطبيعية المحدودة لفلسطين. ومع ذلك، لا توجد حتى الآن مؤشرات حقيقية على قرب انحساره، ولا سيما أن إسرائيل قد أعلنت خططها لبناء 12 ألف مستوطنة جديدة في عام 2020 وحده، بعدما دمرت 160 كيلومتراً مربعاً من الغابات لإقامة مستوطنات لها في الأراضي المحتلة في 2014. ولا بد أن هذا الرقم قد زاد جراء النمو الاستيطاني المتسارع، لكن ما من بيانات حديثة متاحة لقطع الشك باليقين.
قبل عام 1966، كان جبل أبو غنيم عبارة عن تلة حرجية ووجهة شعبية للنزهات في فلسطين، أما اليوم، فهو منطقة جرداء في هيئة مستوطنة “هار حوما” اليهودية التي تضم نحو 15 ألف نسمة ولا يحق للفلسطينيين دخولها. ويجري النظر حالياً في توسيع السيطرة الإسرائيلية في تخوم شمالي بيت لحم لفصل المدينة عن القدس.
والمعروف عن المستوطنات أنها مصدر رئيس للتلوث. فعديد منها، إما يفتقر إلى محطات حديثة في معالجة المياه العادمة وإما لا يمتلك مثل هذه المنشآت من أساسه، ويستعيض عنها بضخ غير مشروع لكميات هائلة -من المياه غير المعالَجة أو المياه المعالَجة جزئياً- في المجتمعات والمناطق الزراعية الفلسطينية.
وتُشكل مياه الصرف من المستوطنات أحد أكبر مصادر التلوث في الضفة الغربية، مع إمكان احتوائها على مجموعة من المواد المؤذية، كالمنظفات ومنتجات التبييض والمبيدات، ناهيك بكميات ضخمة من مياه المجاري التي تحتوي بدورها على مواد كيماوية ونفايات تصنيع وبكتريا قد تُلوث مصادر المياه النظيفة وتمس بالتربة، الأمر الذي سيؤثر حتماً في الإنتاجية ويفتك بالمحاصيل.
ولكل مستوطنة جديدة يبني الإسرائيليون طرقاً التفافية خصوصاً لتربطها بالمستوطنات الأخرى وبدولة إسرائيل، غير آبهين بتعطيلها النظم الإيكولوجية. فدورها حاسم في زيادة عدد المستوطنين، وبناءً عليه تُروج الحكومة الإسرائيلية حاضراً لإنشاء مئات الكيلومترات من هذه الطرق على امتداد الضفة الغربية.
وصحيح أن قطاع غزة خالٍ من المستوطنات، إلا أن تلوث المياه فيه مشكلة ضخمة وخطيرة.
وفي هذا الخصوص، يقول بهاء آلاغا، مدير “سلطة جودة المياه والبيئة” في غزة إن “الحصار المشدد على غزة والمستمر منذ أكثر من عقد هو السبب في معالجتنا غير الفعالة للمياه المبتذلة وتصريفنا لها في البيئة إما خاماً وإما مُعالَجة جزئياً. وتنتج غزة نحو 160 ألف متر مكعب يومياً من مياه الصرف، ثلاثة أرباع منها لا يزال غير مُعالَج بكفاءة وفعالية”.
ويضيف آلاغا: “على خلفية العدوان الأخير، تضررت خدمات جمع مياه الصرف وضخها ومعالجتها وإمدادات الطاقة الكهربائية بصورةٍ كبيرة. ولهذا، يجري الآن تصريف معظم هذه المياه إلى الشاطئ من دون معالجة، بعدما كانت تُعالج بصورة جزئية قبل العدوان”.
“ويمثل هذا النوع من التصرفات تهديداً للصحة العامة، ولا سيما أن أكثرية الغزاويين يرتادون الشاطئ في الصيف باعتباره متنفسهم الوحيد”.
ووفقاً لآلاغا، تخضع الشركات المسببة للتلوث لتشريعات وقوانين صارمة في إسرائيل، ولكن ليس في الأراضي المحتلة، إذ تقدم إسرائيل حوافز مالية سخية، من قبيل الإعفاءات الضريبية والإعانات الحكومية للمناطق الصناعية داخل المستوطنات، ما يجعل عمليتي بناء هذه الخدمات وتشغيلها في الضفة الغربية أكثر ربحيةً وسهولة من إسرائيل. وفي الوقت الراهن، هناك 19 منطقة صناعية إسرائيلية مبنية على أرضٍ فلسطينية سواء في الضفة الغربية أو القدس الشرقية، مع أن تشييد مثل هذه المنشآت وإدارتها غير شرعي بموجب القانون الدولي. كيف لا وقد تتمخض عنه مجموعة متنوعة وواسعة من النفايات الحضرية الضارة والنواتج العرضية الصناعية، من مياه صرف وفضلات طبية معدية ومعادن وبطاريات ومذيبات وزيوت مستعملة. وهذه المجموعة المتنوعة والواسعة من النفايات والنواتج ستتجه من إسرائيل نحو الضفة الغربية، وستُشكل خطراً كبيراً على سكانها وبيئتها وانتهاكاً صارخاً لاتفاقات جنيف ومعاهدة بازل التي صدقت عليها إسرائيل وفلسطين.
وتُعد المخلفات الإلكترونية أو النفايات الإلكترونية مصدراً رئيساً آخر للتلوث في الأراضي المحتلة، حيث تتراوح كمية النفايات التي تتجه سنوياً من إسرائيل نحو القرى الفلسطينية للمعالجة بين 57 ألفاً و69 ألف طن، الأمر الذي قد يؤدي إلى تسرب المعادن الثمينة والملوثات إلى التربة وموارد المياه. وبحسب “برنامج الأمم المتحدة للبيئة”، ينبغي لمعالجة هذا التلوث الإلكتروني قبل 2023 أن يكون في طليعة اهتمامات السلطة الفلسطينية وهيئات الحماية البيئية، نظراً إلى إمكان تأثيره البالغ في صحة الإنسان والحياة الحيوانية والنباتية المحلية.
وفي هذا الصدد، يشير “بتسليم”، المركز الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، في تقرير إلى وجود تباينات في ما يتعلق بتنظيم المعامل والمصانع المسببة للتلوث، بما فيها تلك المعنية بمعالجة النفايات.
ويُعنى التباين الأول بتلوث الهواء. فالقوانين الصارمة والمرعية الإجراء في إسرائيل لا تنطبق على المناطق الصناعية داخل مستوطنات أراضي فلسطين المحتلة.
أما التباين الثاني، فيُعنى بضرورة رفع تقارير مفصلة بشأن نوع النفايات الضارة المنوي معالجتها داخل إسرائيل وكميتها وطريقة المعالجة ووجهة المياه المبتذلة وكمية ووجهة النواتج الخطيرة التي يمكن أن تتأتى عنها. وهذا الأمر غائب تماماً عن الضفة الغربية التي لا تمتلك أي بيانات رسمية عن أي نوع من عمليات نقل النفايات العابرة الحدود.
وإن هذه التباينات الواضحة هي التي دفعت بعديد من المصانع الملوثة إلى مغادرة إسرائيل نحو الجانب الآخر من الخط الأخضر. ونذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر، مصنع “غيشوري إندستريز” الذي يُنتج مواد كيماوية زراعية. وكانت المحكمة أقفلت أبوابه في إسرائيل بسبب الانبعاثات السامة الناتجة عنه، لكنه عاد وفتح من جديد في الضفة الغربية.
وفي السنوات الأخيرة، رُصدت في الأراضي الفلسطينية المحتلة مستويات مرتفعة من العناصر المشعة هي من بين الأعلى في العالم. ولعل السبب وراء هذه المستويات مفاعل “ديمونا” النووي الإسرائيلي، الذي يُعد واحداً من أكبر المفاعلات في الشرق الأوسط، ويشهد حالياً أعمال توسيع وتطوير على الرغم من قدمه وارتقائه لأكثر من 20 عاماً.
وأظهرت دراسات عدة أن المصانع الكيماوية والنووية الإسرائيلية تُطلق مواد مشعة ومواد كيماوية سامة في الضفة الغربية وغزة. وفي محيط مدينة الخليل تحديداً، وجد الخبراء أن التربة والصخور والنباتات والمياه ملوثة بتركيزاتٍ عالية جداً من الإشعاع، بعضها من بين أعلى المستويات في العالم. واعتبروا أن هذا الكم الهائل من التلوث ناجم عن الأنشطة العسكرية والتسربات الإشعاعية من المفاعل النووي الإسرائيلي، من دون أن يستبعدوا إمكان انبثاقه عن عملية طمر إسرائيل نفاياتها النووية في باطن الأرض. فوجود مستويات عالية من الإشعاع في مياه الينابيع يؤكد هذا الاحتمال، إلى جانب التقارير غير الرسمية لـ50 مطمراً في أنحاء الضفة الغربية وغزة، وارتفاع عدد الأطفال المصابين بالإعاقات والتشوهات وأمراض السرطان في المنطقة.
وبالنسبة إلى مصادر المياه والبنية التحتية الخاصة بالمياه داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، فتخضع برمتها لسيطرة الجيش الإسرائيلي. ويُشكل الحوض الجبلي أهم مصادر المياه الجوفية المستخدمة من قبل الإسرائيليين والفلسطينيين على السواء. وصحيح أن 80 في المئة من منطقة تغذيته تمتد تحت الضفة الغربية، لكن إسرائيل تستغل 90 في المئة من مياهه.
وقد علمنا أنه من الصعب جداً على الفلسطينيين أن يحصلوا على تصاريح لحفر آبار جديدة أو إصلاح آبار قائمة. لكن متى أُتيح لهم ذلك، سوف يكون عليهم التقيد بالأرقام التي تفرضها إسرائيل في ما يتعلق بعمق الآبار وكمية المياه الممكن سحبها من الآبار الموجودة.
وإن كانت “منظمة الصحة العالمية” تُوصي بما لا يقل عن 100 ليتر من المياه يومياً لكل فرد، فإن متوسط نصيب الفرد في الأراضي المحتلة من المياه لا يتجاوز الـ88 ليتراً في اليوم الواحد، مقابل 260 ليتراً تقريباً في إسرائيل.
وتعليقاً على ذلك، يفيد المتحدث باسم منظمة “بتسليم”، أميت غيلوتز، أن “نظام الفصل العنصري في إسرائيل مصمم بصفة جلية لغرض الاستيلاء على الغالبية الساحقة لموارد المنطقة واستغلالها لمآربه الخاصة -بما فيها تعزيز السيادة اليهودية وإدامتها- على حساب الفلسطينيين”.
ويتابع قائلاً “لقد استولت إسرائيل على أهم مصادر المياه في الضفة الغربية، حوض ياركون-تانينيم الجوفي، وينابيع عديدة لتُسخرها في خدمة مستوطناتها غير الشرعية، وتحديداً صناعتها وزراعتها وسياحتها، ولتخلق أزمة مياه، معتدلة أو شديدة، لكل الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية”.
“وفي إطار الجهود التي تبذلها في سبيل إجبار عشرات المجتمعات الفلسطينية الرعوية والزراعية على ترك الضفة الغربية غير الموصولة بشبكة المياه، قد تذهب إسرائيل إلى حد تدمير تمديدات المياه والبنى التحتية التي دأب سكان المنطقة على بنائها. والدليل على ذلك انخفاض معدل الاستهلاك اليومي للمياه في بعض هذه المجتمعات المُعدمة إلى 20 ليتراً للفرد الواحد، أي خُمس ما توصي به منظمة الصحة العالمية”.
“وفي غزة الرازحة تحت ثقل الحصار منذ 14 عاماً، تخضع عمليات إعادة تأهيل شبكات البنية التحتية للمياه والصرف الصحي التي تأذت من القصف الإسرائيلي المتكرر، لقيودٍ صارمة. وفي غزة أيضاً، لا يجوز استخدام أي مواد تعتبرها إسرائيل (مزدوجة الغرض)، أي ممكن استخدامها لأهداف مدنية أو عسكرية، بما فيها مواد البناء الأساسية كالأسمنت. وفي المقابل، 97 في المئة من المياه المستخرجة من الحوض الجبلي غير صالحة للشرب والحوض بذاته على شفير الانهيار”.
بالإضافة إلى ذلك واعتباراً من عام 1967، منعت قوات الاحتلال الإسرائيلية الفلسطينيين من الوصول إلى نهر الأردن، وحولت مسار تدفقه إلى أعلى الضفة الغربية. وقد أفضى هذا الأمر إلى تبعات بيئية مهولة على منطقة غور الأردن والبحر الميت، التي خسرت 90 في المئة من المياه التي وصلت إليها في منتصف القرن التاسع عشر بمعدل متر واحد كل عام.
وفي 2002، بدأت إسرائيل ببناء جدار الفصل العنصري حتى وصل ارتفاعه إلى ثمانية أمتار وتعدى طوله الـ700 كلم. وقد حرصت على إبعاد الجدار المُشيد على طول الحوض الجبلي عن خط الهدنة أو الخط الأخضر، باتجاه الأراضي الفلسطينية التي يُمكن العثور فيها على بعض أكثر البقع الزراعية خصوبة.
وعن هذه النقطة بالذات، يعلق الدكتور أيمن رابي، مدير ومؤسس “مجموعة فلسطين للهيدرولوجيا” قائلاً “يعزل جدار الفصل الذي بنته إسرائيل في الضفة الغربية ما يُقارب 11 بئراً جوفية بقدرة إنتاجية تصل إلى نحو 1.2 مليون متر مكعب سنوياً. وهذا يعني بصريح العبارة أن المزارعين الفلسطينيين ممنوعون من النفاذ إلى هذه الآبار والأراضي الزراعية المحيطة بها منذ بدء أعمال البناء قبل 18 عاماً”.
“وتُشير التقديرات إلى أن أكثر من ألفي دونم (1 دونم = ألف متر مربع) من أراضي الضفة لم تعد مزروعة بالحمضيات والجوافة والخضار كما كانت في السابق؛ وقد انعكس ذلك سلباً على المزارعين الذين تعتمد معيشتهم كلياً على هذه الآبار والمزارع”.
وبحسب رابي، فقد ترافق بناء الجدار الفاصل بإحراق آلاف الهكتارات من الأراضي الفلسطينية واقتلاع عشرات الآلاف من أشجار الزيتون التي يرقى بعضها إلى 600 سنة وتخضع للحماية بموجب “قانون التراث الثقافي العالمي”.
بتعبيرٍ آخر، كانت لأعمال بناء الجدار المطولة تداعيات عميقة على الطبيعة. فتقسيم الموائل وتقييد حركة الحيوانات قلصا التنوع الجيني للحياة الحيوانية والنباتية واستمراريتها. ومن بين الحيوانات الأكثر عرضة للخطر اليوم الثدييات، وعلى رأسها الثعالب والغزلان والغرير والوعول التي تتنقل عادةً بين الأراضي المختلفة، لكنها لم تعد تجد فيها ما تشربه وتقتاته. ومن هذا المنطلق، ترى “سلطة جودة البيئة” في جدار الفصل الإسرائيلي أحد التهديدات الرئيسة للتنوع الحيوي في الضفة الغربية.
وبين الخط الأخضر والجدار العازل، “منطقة تماس” أو بقعة خالية تماماً من الأشجار والغطاء النباتي على مساحة عشرة في المئة تقريباً من الضفة الغربية. ويعتبر الكيان الإسرائيلي منطقة التماس منطقة عسكرية مغلقة في وجه الفلسطينيين الممنوعين من دخولها إلا بتصريح إقامة دائمة.
ولا يخفى على أحد أن أغلبية الأراضي المصادرة لغاية إنشاء هذه المناطق العسكرية والمستوطنات والمحميات الطبيعية مناسبة لتربية الماشية، ولكنها غير متاحة للفلسطينيين. والنتيجة: رعي جائر للأراضي التي لا تزال في المتناول، فتدهور الغطاء النباتي وتعري التربة، وصولاً إلى التصحر.
ومنذ عام 1967 وأعمال تدمير الأشجار وتجريف الأراضي ممارسة شائعة في الضفة الغربية، مع اقتلاع أكثر من 2.5 مليون شجرة لحد الآن.
ومن بين ضحايا هذه الأعمال، المزارعة والمدرسة الفلسطينية، ختام إسماعيل يعقوب، من دير بلوط في الضفة الغربية. كانت ختام قد ورثت أرضاً عن عائلتها، لكن في وقتٍ مبكر من العام الحالي، ادعت إسرائيل بأن الأشجار مزروعة على أرض مملوكة لحكومتها، فأرسلت جنوداً ومعهم سبع جرافات ليُطيحوا كل شيء –ويقتلعوا 750 شجرة زيتون وتين ولوز وعنب– ويرشوا الأرض بمواد كيماوية. ولم يكتفِ الجنود بتدمير أشجار ختام، بل أجهزوا على 3500 شجرة أخرى في المنطقة. وبعد عملية الاقتلاع المكثفة هذه، قدمت منظمة “زيتون” المساعدة للقرويين وأعادت زرع أشجار الزيتون في قرية ختام وأرضها.
وتهدف إسرائيل من وراء هذه الاستراتيجية القائمة على تدمير الأشجار الفلسطينية والشبيهة باستراتيجية تدمير المناظر الطبيعية والحد من إمكان الوصول إليها، إلى بتر علاقة الفلسطينيين بأرضهم وكسر نفسيتهم؛ يكفي أنها تتسبب في تعرية التربة والتصحر وتُفقد آلاف المزارعين الفلسطينيين مورد رزقهم.
ففي النهاية، “لا حوكمة بيئية مستدامة من دون احترامٍ لحقوق الإنسان”، حسبما ينص “برنامج الأمم المتحدة للبيئة”.
في المجمل، الحماية البيئية وحقوق الإنسان مرتبطان ارتباطاً وثيقاً؛ لكن أياً منهما لم يتحقق حتى الآن داخل الأراضي الفلسطينية، إذ يُرخي الاحتلال بثقله على الفلسطينيين والموارد التي يُعولون عليها.
وعند هذا الحد، يسلط آلاغا الضوء على الأضرار البالغة التي أصابت بيئة غزة الهشة أثناء العدوان الأخير وفاقمت تبعات السياسات والتدابير الإسرائيلية السابقة.
ويؤكد محاولته العثور على حل لمشكلة النفايات الخطيرة الناتجة عن قصف وحرق مخزن كبير للمنتجات الزراعية، من مبيدات ومشتقاتها، من بين مشاكل أخرى.
فآلاغا يعي تماماً أن الفلسطينيين لا يمتلكون أي وسيلة ناجعة لينالوا العدالة ويحصلوا على تعويض من إسرائيل؛ أو كما يرد في تقرير لمنظمة حقوق الإنسان الفلسطينية “الحق” “أمام تحقيق العدالة الفلسطينية عقبات لا يُمكن تذليلها في ظل النظام القانوني المحلي”.
وصحيح أنه تقع على إسرائيل، بصفتها سلطة احتلال، مسؤولية التقيد بالالتزامات المنوطة بها بموجب القانون الدولي تجاه الشعب الفلسطيني والبيئة الفلسطينية، لكن إسرائيل لا تفي بأي من التزاماتها، وقد آن الأوان ليُصعد المجتمع الدولي الضغط عليها ويُسائلها.
© The Independent