علي سعادة
تتباين الروايات حول أقدم وأول صورة فوتوغرافية لمدينة القدس، ويعتقد أن الصورة التي التقطها الفرنسي فريدريك غوبيل فيسكه بين عامي 1839 و1842 مع بداية التصوير الفوتوغرافي، بوصفها أول صورة للقدس والتي تظهر كأنها لوحة مرسومة، ويرجع ذلك إلى التقنية المستخدمة في التصوير في ذلك الوقت، حيث كان التقاط الصورة على لوح من الفضة ثم تنقش بعد ذلك بواسطة رسام لإيضاحها بدرجة أكبر.
وتقول روايات أخرى إن أول صور فوتوغرافية التقطت لمدينة القدس عام 1844، أي قبل ما يزيد على 170 عاما، والتقطها المصور الفرنسي جوزيف فيلبيرت، الذي زار منطقة الشرق الأوسط في الفترة ما بين عامي 1841 و1844، وبالرغم من وفاة المصور الفرنسي في عام 1892، إلا أن أغلب الصور التي التقطها لم تكتشف إلا عام 1920 داخل منزله، وكانت من بينها صور لليونان وفلسطين ومصر وسوريا وتركيا.
لقد اندفع الغرب نحو البلاد المقدسة بعد حوالي ثلاثة أشهر من إعلان فرانسوا أرغو، زعيم الحزب الجمهوري الفرنسي، عام 1839 أمام الجمعية الوطنية الفرنسية عن اكتشاف التصوير الشمسي وشراء الحكومة الفرنسية لهذا الاكتشاف من داغير وتقديمه هدية للإنسانية.
ولم تنتظر فرنسا طويلا فقد أرسلت أول بعثة تصويرية فرنسية إلى المنطقة العربية وتحديدا إلى مدينة الإسكندرية بمشاركة المصور فريدريك غوبيل فيسكه والرسام هوراس فيرنيه، ومن الإسكندرية انتقلت باتجاه سوريا مرورا بالعريش وغزة والخليل والناصرة ثم القدس، والتقطت أول صورة للمدينة، ونشرت الصور مع صور أخرى في كتاب صدر في باريس عام 1841.
وخلال القرن التاسع عشر فقط نشط أكثر من 300 مصور في مصر وبلاد الشام، وكان معظمهم من الفرنسيين والبريطانيين، وبعض الألمان والأمريكيين.
صورة التقطها الفرنسي جوزيف فيلبيرت الذي زار الشرق الأوسط في الفترة 1841- 1844
ويبرز اسم الخبير في العمارة الإسلامية جوزيف دو برانغي الذي التقط صورا للقدس عام 1844 في إطار جولته في بلدان حوض البحر المتوسط، وتعتبر صوره من أندر وأقدم اللقطات للمدينة.
وفي العام نفسه وصل القدس البريطاني ألكسندر كيث والتقط ما يقارب الـ30 صورة وكان هدفه من التقاط الصور، دراسة الصلة بين ما ورد في الكتاب المقدس وجغرافية الأراضي المقدسة، وهذا ما استفاض في شرحه في كتابه “براهين على حقيقة الدين المسيحي” وتضمن 18 صورة.
وفي عام 1849 التقط البريطاني كلود بوس ويلهاوس أول صورة طبعت على الورق في منطقة حوض المتوسط ومن بينها صور لمدينة القدس.
إلا أن أبرز المصورين البريطانيين في تلك الفترة هو فرنسيس فريث الذي قام بثلاث رحلات إلى مصر وسوريا في العامين 1859 و1860، وأصدر مجموعةً من الكتب المصورة عن رحلاته هذه لاقت رواجا كبيرا لدى الجمهور الفيكتوري في بريطانيا.
وذكر في مقدمة كتابه “مصر وفلسطين” أن القصد من جولته كان تسلية الجمهور بإبراز عجائب الشرق وآثاره.
وفي مطلع الستينيات من القرن الماضي كان الاهتمام البريطاني الاستراتيجي منصبا على “الأراضي المقدسة” بهدف احتلالها وسبق الاحتلال تكثيف “المعرفة البريطانية” بالمنطقة وظهرت أول دراسة رسمية بريطانية مصورة عن القدس عام 1865، بعد أن عمل فريق عسكري تابع لسلاح الهندسة البريطاني بإشراف الضابط شارك ولسون على رسم الخرائط والتقاط الصور للقدس وجوارها.
أثار نشر الدراسة المصورة عن القدس اهتماما كبيرا في أوروبا، وسارعت مؤسسات عديدة إلى إرسال “بعثات علمية” إلى معظم مناطق سوريا. وتأسس في لندن عام 1865 “صندوق استكشاف فلسطين” وتوزع العسكريون البريطانيون التابعون لهذا الصندوق في سوريا وأخذوا في إعداد الخرائط والتقاط آلاف الصور.
وكان الهدف المعلن لهذا الصندوق كشف الماضي وإجراء دراسات أثرية وجغرافية، وبالفعل مول توراتيون مشروع استكشاف شبه جزيرة سيناء بهدف “تثقيف تلامذة العهد القديم، ومعرفة الطرق التي سلكها اليهود أثناء خروجهم من مصر”.
وكانت الخرائط التي أعدت بحجة “كشف الماضي” في الواقع، خرائط مستقبلية للمنطقة، استعملها الجنرال البريطاني أللنبي خلال هجومه على الأتراك ودخوله القدس عام 1918 أثناء الحرب العالمية الأولى.
وهناك عوامل أخرى أسهمت أيضا في ازدهار التصوير الشمسي في المنطقة العربية منها إدخال السفن التجارية إلى الخدمة عام 1840، فازداد نتيجة لذلك عدد السياح والحجاج، إلى المنطقة التي أصبحت أكثر فأكثر قريبة من أوروبا بافتتاح خط مرسيليا الإسكندرية البحري ثم يافا وبيروت.
ومع انتقال عددٍ كبير من السياح الأوروبيين إلى المنطقة وتطور أساليب التصوير بحيث أصبحت أكثر سهولة للاستعمال، أخذت الأستوديوهات المحلية بالظهور في كل من بيروت والقدس ويافا والقاهرة، وتحول الإنتاج والتصنيع من أوروبا إلى المنطقة.
وبيعت في عام 2016 مجموعة من 1000 صورة قديمة وثقت القدس وأماكن أخرى في فلسطين في منتصف القرن التاسع عشر في مزاد علني رست قيمته النهائية على 1.4 مليون دولار.
وتضم المجموعة أكثر من 1000 صورة تم التقاط بعضها عام 1840 حين كان التصوير الفوتوغرافي في بداياته.
وتصنف الصور التي بيعت بالمزاد العلني بين أقدم الصور الفوتوغرافية في العالم وتوثق المسجد الأقصى وغيره من الأماكن في القدس وفلسطين التاريخية.
مراجع
ـ موقع مدينة القدس، تاريخ التصوير الفوتوغرافي في القدس، 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2007.
ـ موقع نون بوست، وفاء هلال، مصورو فلسطين الذين حافظوا بعدساتهم على الوطن وأهله، 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2017.
ـ صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، 2016.
ـ موقع معا، صور للقدس في القرن الـ19 تباع بـ1.4 مليون دولار، 30 نيسان (أبريل) 2016.