العلاقة بين واشنطن وموسكو خرجت من الثلاجة لكن الجليد لم يذب بعد

افتتاحية: يشكل الحوار المباشر بين جو بايدن وفلاديمير بوتين أهمية كبرى حتى ولو اتضح أن الأفكار المشتركة كانت قليلة

كما قال الرئيس الأميركي جو بايدن قبل أن يدخل إلى فيلا لا غرانج في جنيف لإجراء محادثات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، “من الأفضل دائماً أن نلتقي وجهاً لوجه”. في عصر “كوفيد-19” كان هذا المعنى مزدوجاً، فمن الأفضل التحدث شخصياً وليس من طريق الهاتف أو الفيديو، لكن هذا صحيح دوماً في عالم الدبلوماسية على أي حال، فالحوار أفضل من إطلاق الشتائم والإهانات عن بعد، والحوار وجهاً لوجه هو الأفضل.

ومما أدى دوراً إيجابياً أيضاً أن التوقعات في شأن المحادثات بين رئيسي الولايات المتحدة وروسيا كانت منخفضة كثيراً، فقد أكد الرئيس بوتين ألا “عداء” بين الجانبين وأن محادثاتهما جرت “بروح بنّاءة”، لكن من الواضح أن الأفكار المشتركة كانت قليلة.

وكرر الزعيم الروسي دفاعه المألوف عن مواقفه في مؤتمره الصحافي، فغير وجهة كل هجوم على عدوانية روسيا أو انتهاكاتها لحقوق الإنسان إلى اتهام الولايات المتحدة بتجاوزات مماثلة.

وقال الرئيس بايدن بعد الاجتماع، “فعلت ما جئت لأفعله”، وأضاف أن “الاجتماع الشخصي مهم كي لا يحصل أي خطأ في شأن” نواياه.

لقد تجمدت العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا منذ انقطعت الصلة الغامضة بين دونالد ترمب والسيد بوتين في انتخابات العام الماضي.

وهناك عنصر شخصي في الخصومة بينهما بسبب تفضيل روسيا الواضح لسلف السيد بايدن، والاقتراحات بحصول تدخل روسي في الانتخابات الأميركية.

وتفاقمت هذه الخصومة الشخصية عندما وصف الرئيس بايدن السيد بوتين بأنه “قاتل”. ومن الواضح أن الزعيم الروسي انزعج من هذه الملاحظة، ورد في مؤتمره الصحافي، قائلاً إن المرء إذا “نظر إلى الشوارع الأميركية لوجد أن الناس تُقتل هناك”، وأن الطائرات الأميركية من دون طيار في أفغانستان تقتل مدنيين من طريق الخطأ، “لكن من القاتل هناك؟”.

وكرر ما درج عليه من حرف للأنظار بترديد أن أليكسي نافالني، زعيم المعارضة، الذي وصفه فقط بـ “المواطن” و”هذا الشخص يدرك تمام الإدراك أنه انتهك القانون في روسيا، وأنه أقدم على انتهاكات متكررة، وأنه كان يريد أن يُلقى القبض عليه عمداً”. وحاول أن يحرف الأسئلة حول قمع معارضيه بالقول إن الناس اعتُقلوا في الولايات المتحدة، لأنهم “مارسوا الشغب واقتحموا الكونغرس”. وأضاف، “لا نريد القيام بالأمر نفسه هنا”.

وعندما سُئل السيد بايدن في مؤتمره الصحافي عما قد يحدث إذا مات السيد نافالني في السجن، قال إنه أوضح “للسيد بوتين أن العواقب ستكون مدمرة لروسيا”، كما قال إنه أثار مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان مع نظيره.

ولم يستجب السيد بوتين نفسه كثيراً لأسئلة صحافية حول محاولات روسيا زعزعة الاستقرار في أوكرانيا، لكنه تحدث بطلاقة عن المحادثات مع نظيره حول الدائرة القطبية الشمالية، حتى إن الرئيس الروسي استخدم لغة دبلوماسية ودية قائلاً، “كان هذا اجتماعاً مثمراً ومباشراً”. وقال إنه لا يريد أن “يوحي بأننا نظرنا إلى عيني بعضنا بعضاً ووجدنا طاقة عاطفية أو أقسمنا على صداقة أبدية، لم نتحدث عن العواطف بل عن المصالح الوطنية”، لكنه أضاف أن هناك “لمحات من الثقة والأمل”. كذلك وصف السيد بايدن جو المحادثات بأنه “طيب” و”إيجابي”.

وعلى هذا اختلط بعض المرارة بالكلمات الدافئة، وكانت المحادثات أيضاً أقصر من المتوقع، لكن جوهر خلافهما حول المصالح الوطنية ربما خف قليلاً.

وبعيداً من الزعيمين من المقرر أن يعود السفيران إلى منصبيهما، وأن تعود العلاقات الدبلوماسية الطبيعية إلى سابق عهدها من جديد، وهو ما يشكل خطوة في الاتجاه الصحيح. وكما قال السيد بايدن، من الأفضل دائماً أن يتحدث زعماء العالم المتنافسين، والأفضل أن يحصل ذلك وجهاً لوجه.

© The Independent