بات صندوق الاقتراع التعويذة والأسبرين المسكن للأوجاع وحسب
أحمد الفيتوري كاتب
سُئل الرئيس الأميركي بايدن عن التدخل الروسي السيبراني في الانتخابات الرئاسية الأميركية، فتجنب السؤال تقريباً. وذلك في مؤتمره الصحافي الذي عقده مساء الأربعاء 16 يونيو (حزيران)، عقب لقاء “قمة جنيف” مع بوتين، من بدوره علق ذاكراً، ما حدث في الانتخابات الأميركية الرئاسية الأخيرة، حين جرى اقتحام مبنى الكابيتول. وقد وجه بايدن كلمة للصحافيين عند الطائرة قبيل مغادرته جنيف، قال فيها إن السنوات الخمس الماضية قد غيرت العالم.
وحقيقة هذا التغيير تكثفها مسألة الانتخابات التي باتت مسألة على الطاولة، وحديث المؤتمرات الصحافية. فأميركا التي كانت تتدخل في دول العالم، وتعبث في صناديق انتخاباته، أو تسهم في أن تكون الصناديق خاوية على عروشها، أميركا هذه أمست تحصد ما زرعت. انتخاباتها يُلعب بها، والكابيتول معبد الديمقراطية الأميركية العريقة يجري غزوه من قِبل مواطنين أميركيين يرفضون الانتخابات ونتائجها، والقيصر الروسي يدس يده، ويعلق شامتاً.
وكأنما السائل/ الصحافي من دون قصد، يشكك في الرئيس بايدن، مَن بهكذا تحول، أمسى يشبه بوتين، من الانتخابات بالنسبة لها قناع مستعار من الغرب، من لزوم ما لا يلزم. هكذا يبدو وكأن صندوق الاقتراع أصبح لعبة. أو هكذا لسان حال المؤتمر الصحافي المشار إليه، وفي إطار الهامش، لكن هذا الهامش مكثف بضغط عالٍ: أن الدنيا ليست الدنيا، في عصر الحروب السيبرانية، ما جعلت كل البيوت من زجاج، وقد خيم هدهد سليمان، فعنده الخبر اليقين، أن ما كان يوصم به العالم الثالث، بدا وكأنه داء عضال، يمكن أن يصيب بالعدوى المتحصن القوي.
وكان هدهد سلمان نفسه، قد أخبرنا عن انتخابات دولة الديانة اليهودية “إسرائيل”، من فشلوا في انتخابات رابعة، عن إزاحة رئيس وزراء فاسد! وكادوا يخمسون انتخاباتهم، وقد يخمسونها، رغم ما حصل من تلفيق لتجاوز حصولها. ورغم عدم التدخل، فإن صندوق الاقتراع أضحى كما تابوت حامل لجثة متعفنة.
وفي المواجهة فإن الفلسطينيين يخافون صندوق الاقتراع، ما على المكشوف وقبل أن يكون، نتائجه مفصح عنها، ومن هكذا فصاحة لا يرتجى حل. ورغم إرجاء المرتجى فإن الحاصل عند الفلسطينيين مساهم فاعل في تعميق أزمة دولة اليهود، التي واجهتها الانتخابات المكررة وخيبات الصندوق. وهكذا لسان الحال أنه لا أمل في انتخابات.
وآخر الانتخابات التي لا رجاء منها ما حصل في الجزائر، حيث كانت المقاطعة الأبرز، مما أنتج المشاركة الأقل: من جهته الرئيس عبد المجيد تبون اعتبر أن “هذه النسبة لا تهم”، موضحاً “سبق أن قلتُ إنه بالنسبة لي، فإن نسبة المشاركة لا تهم”.
ورغم هذه المقاطعة والإجماع عليها، جاءت النتيجة تسعى بأنه لا تغيير، فمن كان ينجح سيظل باقياً في نجاحه مستميتاً. لكن وسيلة هذا النجاح المخيب للآمال جديدة وبديعة، فالجزائر بلد صراع على السلطة، بدأ لحظة استقلاله ولم ينته بعد، لكن هذا الصراع يدور في دائرة السلطة/ الجيش، الذي خلق دولة الجزائر واحتكرها.
الانتخابات الأخيرة، ناتج لعبة ليس كمثلها شيء، فلقد انقلب الجيش على نفسه، حيث قاد حراكاً شعبياً شبيهاً بما حدث في الربيع العربي، وأقصى بالحراك الرجل الميت الحي: الرئيس “عبد العزيز بوتفليقة”، وبهذا أزاح مجموعة من السلطة، قابضة على روح الرئيس “بوتفليقة”، من خلال خيط الدمية أخيه سعيد، وقد نعتت هذه المجموعة بالعصابة. وضمن شرعنة هذا الانقلاب جرى انتخاب رئيس جديد وبرلمان جديد قديم.
في هذا الإطار يجري استخدام صندوق الاقتراع، باعتباره مصباح علاء الدين، ما يقول: شبيك لبيك ما يخطر بالبال بين يديك. ومن هذا تجيء المراهنة والإجماع الدولي والإقليمي والمحلي على الانتخابات الليبية، المزمع عقدها في- مناسبة ذكرى يوم استقلال ليبيا- 24 ديسمبر (كانون الأول) 2021.
المسألة الليبية بكل تشعباتها ومزالقها ما لم تحل، والمهددة بالعودة إلى الحراب الأهلي، ستحل في رمشة عين بعيد إغلاق صناديق الاقتراع. والغريب أو ليس بالغريب، المماحكات من كل الأطراف، بالتأكيد أن الانتخابات تعقد في موعدها، ومؤتمر برلين في 25 يونيو (حزيران) الجاري، بمثابة التصديق على ميثاق هذه الانتخابات: العروة الوثقى، ما لم يمهد إليها السبيل، بل الأمر منفلت وتحت دعاوى، كل إلى ما يستطيع إليه سبيلاً.
هكذا أن الاسم واحد لكن المسميات عدة، وأن هذا الاسم كما تعويذة السحرة، لا يمكنها أن تحل كل مستعص، بألا تحل شيئاً. أو بأن تدور حولها الدوائر، مثلما مؤتمر جنيف، أو مؤتمر برلين المقبل حول المسألة الليبية، أو مثلما تونس التي فجرت الانتخابات فيها: كل ما أعتقد أنه منجز، وإذا بالصرخة التونسية الآن: فداوني بالتي هي الداء، إعادة الانتخابات. بات صندوق الاقتراع التعويذة، والأسبرين المسكن للأوجاع وحسب. ورغم ما حدث ويحدث في الخصوص.. يسمونها انتخابات!
المقالة تعبر فقط عن راي كاتبها