لا يهتم الشارع العراقي كثيراً بالاستحقاق الرئاسي في طهران ويعلقون الآمال على مفاوضات فيينا
أحمد السهيل مراسل @aalsuhail8
لا يبدو الشارع في العراق، أحد أكثر البلدان تأثراً بالسياسة الإيرانية في المنطقة، مهتماً بشكل كبير بالانتخابات الرئاسية الإيرانية، خصوصاً أن الرأي السائد في البلاد يتلخص في أن السياسة الخارجية الإيرانية ثابتة ويتحكم بها المرشد الإيراني علي خامنئي و”الحرس الثوري” وليس رئيس الجمهورية.
وعلى الرغم من الاعتقاد السائد فإن جملة معطيات مرتبطة بشخصية الرئيس الإيراني المقبل، قد يكون لها أثر في تخفيف الضغط الإيراني على الداخل العراقي، خصوصاً في حال نجاح المفاوضات في فيينا بين طهران وواشنطن بشأن البرنامج النووي الإيراني، وفق مراقبين.
وتأتي الانتخابات الرئاسية في إيران في ظل أوضاع متأزمة في الداخل الإيراني، خصوصاً الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تعانيها البلاد بسبب العقوبات الأميركية التي فُرضت في عام 2018.
ويُنظر إلى الانتخابات الإيرانية هذه المرة بوصفها إحدى أهم المحطات السياسية في المرحلة الحالية، خصوصاً مع محاولات إعادة إحياء الاتفاق النووي.
سياسة ثابتة
وعلى الرغم من حديث الباحثين عن أن “الجناح الثوري” في إيران هو الذي يرسم سياستها الخارجية في ما يتعلق بالعراق وبقية بلدان المنطقة، فإن وصول مرشح متشدد إلى رأس السلطة سيمثل رسالة مهمة، مفادها أن طهران ستدفع باتجاه تصعيد أكبر في العراق وزيادة لنفوذ الأجنحة المتشددة والميليشيات.
وصرح رئيس مركز “كلواذا” للدراسات باسل حسين، أن “الملف العراقي يشرف عليه الحرس الثوري ومكتب المرشد الإيراني علي خامنئي، وبالتالي فإن أي متغيرات في مؤسسة الرئاسة لن تكون مؤثرة على نحو كبير في العراق”. وأشار إلى أن “إيران الثورة هي التي تقود الملفات في الشرق الأوسط وليست إيران الدولة”، مبيناً أن “السياق الرسمي لإيران يتعامل أكثر مع الملفات الدولية وليس في مناطق النفوذ الصريحة لطهران”.
وعبّر حسين عن اعتقاده أن “فرص رئيسي هي الأعلى في الانتخابات المقبلة، الأمر الذي يعني إدخال الخط المتشدد إلى مؤسسة الرئاسة الإيرانية وزيادة التماهي مع سياسات الحرس الثوري والمرشد”.
ولعل وصول التيار المتشدد إلى الرئاسة الإيرانية في المرحلة الحالية سيمثل “كشفاً صريحاً لشكل السياسة الإيرانية إزاء العراق والمنطقة”، وفق حسين، الذي اعتبر أن هذا الأمر “سيعني زيادة حدة التشدد للجماعات الموالية لها في العراق في الفترة المقبلة”.
وقبل أقل من يومين على بدء الانتخابات، أعلن ثلاثة مرشحين من أصل سبعة الانسحاب من السباق نحو الرئاسة، أحدهم ينتمي إلى التيار الإصلاحي والآخران من المتشددين.
وكانت القائمة النهائية للمرشحين الذين نالوا الأهلية من قبل مجلس صيانة الدستور تتألف من سبعة مرشحين، من بينهم إصلاحيان هما محسن مهر علي زاده وعبد الناصر همتي، حاكم المصرف المركزي الإيراني السابق، بالإضافة إلى خمسة من التيار المتشدد أبرزهم رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي.
أكثر انتخابات مؤثرة
ويبدو أن مراقبين كثراً باتوا يتوقعون وصول رئيس متشدد هذه المرة إلى السلطة، الأمر الذي سيزيد بشكل ملحوظ من صعود القوى المتشددة في العراق والمنطقة خصوصاً مع عدم التوصل إلى حلول بشأن الاتفاق النووي. ولعل تأخر المفاوضات بشأن إعادة إحياء الاتفاق النووي هو الذي يدفع طهران باتجاه تسليط ضغط إضافي من خلال إيصال التيار المحافظ إلى السلطة، في محاولة لفرض اشتراطات التفاوض بما يتلاءم مع الحفاظ على نفوذ طهران في المنطقة وتحديداً العراق.
ويصف الباحث العراقي المختص بالشأن الإيراني، أحمد الياسري، الانتخابات الإيرانية المقبلة بأنها “أكثر انتخابات مؤثرة في المشهد العراقي”. وأشار إلى أسباب عدة تُكسِب الانتخابات الإيرانية أهميتها في ما يتعلق بالشأن العراقي، أبرزها “ما يرتبط بثنائية الصراع الأميركي – الإيراني الذي جعل من العراق مسرحاً للمواجهة”، مبيناً أن “التفاعلات في الداخل الإيراني ومحاولة إزاحة الحركة الإصلاحية وتهيئة الظروف لوصول رئيسي إلى السلطة تعطي انطباعاً واضحاً عن الاستراتيجية الإيرانية المقبلة في العراق”.
ولعل ما يرجح وصول المحافظين إلى رئاسة الجمهورية الإيرانية، حسب الياسري، يتمثل بـ”استمرار استهدافات القواعد الأميركية في العراق وحالة التصعيد المستمرة من قبل أذرعها المسلحة”، لافتاً إلى أنه “لو كانت طهران ترغب في إيصال شخصية إصلاحية لما دفعت باتجاه التصعيد بشكل مستمر”.
واعتبر الياسري أن “وصول مرشح كرئيسي إلى رئاسة الجمهورية يعني إعلان نهاية المشروع الإصلاحي، ومحاولة لإعادة القوة إلى اليمين الشيعي المتطرف في العراق، والتحوّل بشكل صريح إلى الاستراتيجيات العسكرية لإخضاع العراق بشكل أكبر للنفوذ الإيراني”.
ويبدو أن إيصال مرشح محافظ إلى رأس السلطة في إيران يمثل أيضاً رسالة إلى صانعي القرار في الولايات المتحدة، مفادها أن طهران تحاول “فرض اشتراطات ضاغطة على المفاوضات النووية مع واشنطن”، وفق الياسري، الذي رأى أن هذا الأمر سيسهم بشكل مباشر في “تغليب قوى التشدد والميليشيات على الوضع العراقي، إلى حين موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة في البلاد”.
الاتفاق النووي واحتمالات تخفيف الضغط على العراق
وعلى الرغم من التوقعات المتشائمة بشأن تأثير الانتخابات الإيرانية على المشهد العراقي، فإن باحثين يرون أن وصول رئيسي سيمثل نقطة تحوّل في ما يتعلق بسياسة إيران الخارجية، وربما يتمكن من الجمع بين الرؤى المختلفة داخل إيران تجاه الاتفاق النووي، الأمر الذي سيقلل من الضغط على العراق.
ومثّل العراق خلال السنوات الأخيرة ساحة صراع رئيسة بين واشنطن وطهران، حيث بات يمثل إلى حد كبير منطقة الضغط المتبادل بين هذين الطرفين في ما يتعلق بمحاولة الوصول إلى تسوية.
ورأى رئيس المجموعة المستقلة للأبحاث، منقذ داغر، أن “الرأي العام العراقي ليس مهتماً بمَن سيصل إلى السلطة في إيران سواء كان رئيسي أم غيره”، مبيناً أن “العراقيين باتوا يؤمنون بأن السياسة الإيرانية ثابتة إزاء العراق ولن تتغير”. وأوضح أن “احتمال التوصل إلى اتفاق جديد بين واشنطن وطهران سيكون له الأثر الأكبر على الوضع العراقي، وليست الانتخابات الإيرانية”.
ولفت داغر إلى أن “المرشح الأقرب للفوز بالرئاسة الإيرانية هو رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي”، مبيناً أن “قوة رئيسي واستطاعته الجمع بين الدولة من جهة، والحرس الثوري وتأييد المرشد من جهة أخرى، ستعطيانه مساحة عقد صفقة أفضل مع واشنطن، لن يكون العراق بمعزل عنها”. وقال إن “رئيسي سيكون أكثر قدرة على توحيد جناحَي الدولة والثورة، وبالتالي ضبط إيقاع إيران خارجياً بما يخدم توجهاتها التي ستركّز على إحياء اقتصادها المنهَك من العقوبات”.
وختم قائلاً إن “العراق لن يخرج تماماً من القبضة الإيرانية حتى في حال التوصل إلى اتفاق نووي جديد، لكن ذلك سيسهم بشكل مباشر في عملية ضبط الميليشيات المسلحة وتقليل التصعيد بشكل ملحوظ”.
مرحلة حرجة
وتزايد الغضب الشعبي في العراق بما يتعلق بالنفوذ الإيراني، خصوصاً في السنوات الأخيرة، إذ يتهم العراقيون طهران بالعمل على زعزعة استقرار البلاد وتقوية الميليشيات، فضلاً عن تحميلها مسؤولية ما جرى من قتل للمحتجين والناشطين منذ الانتفاضة العراقية في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 وحتى الآن.
ورأى الباحث في الشأن السياسي، بسام القزويني، أن انتفاضة أكتوبر العراقية مثّلت “انعطافة كبيرة في كيفية تعاطي إيران مع الملف العراقي، وهو الأمر الذي تبدو تجلياته حاضرة في الانتخابات المقبلة”.
وصرح أن “التحولات والصراعات الداخلية الإيرانية والتحديات الخارجية أبرزها الصراع الشرق أوسطي، دفعت طهران باتجاه الزج بعناصر التشدد للمنافسة في ما بينها في الانتخابات الرئاسية”، مبيناً أن هذه الاستراتيجية تأتي ضمن “حملة تكثيف وتكامل الثورة التي حكمت إيران منذ عام 1979”.
وأشار القزويني إلى أن “المتغيرات التي حدثت في سياق التعاطي الإيراني مع الملف العراقي ربما تدفعها إلى التعاطي بشكل أكثر تشدداً هذه المرة”، لافتاً إلى أن “الطرق القديمة التي انتهجتها طهران من خلال محاولة التدوير بين حلفائها المتشددين من جهة والوسطيين من جهة أخرى لم تعد تجدي نفعاً”.
ورجّح القزويني أن تمثل الانتخابات الإيرانية حدثاً فارقاً بالنسبة إلى العراق، لأن طهران تجاوزت مرحلة “اللعبة المزدوجة” وباتت أكثر وضوحاً في محاولة تغليب “الجماعات المسلحة الموالية لها في المنطقة”.
وختم بالقول إن “نجاح وصول التيار المتشدد إلى السلطة في إيران سيعني بداية التسبب بفوضى عارمة داخل العراق”، مردفاً أن “البلاد أمام مرحلة حرجة ربما تؤدي بها إلى مراحل ما قبل الدولة متأثرةً بالمتغيرات في السياسة الخارجية الإيرانية”.