الدولة اللبنانية وتحديات نصر الله النفطية


أتباع المرشد في الإقليم يتسابقون على دعم سلطته ضد تطلعات شعبه ومواطنيهم

طوني فرنسيس إعلامي وكاتب ومحلل سياسي لبناني

عندما كان الأمين العام لـ”حزب الله” (فرع لبنان) حسن نصر الله “يهدد” للمرة الثانية بجلب النفط الإيراني لحل مشكلة فقدان المحروقات في لبنان، كان المرشحون إلى الرئاسة الإيرانية يتبارون في وصف الوضع الاقتصادي البائس لسكان جمهوريتهم الإسلامية، ويحمّلون حكومة حسن روحاني المسؤولية عن الانهيار المالي والمعيشي والصحي، متفادين التطرق إلى مسؤولية السلطة الدينية العميقة (المرشد) في إيصال بلادهم إلى ما وصلت إليه.

هذا التفادي لم يكن خياراً من قبل غالبية المرشحين السبعة. فإدارة التلفزيون الرسمي التي نظمت المناظرات بينهم، تولّت تحديد الأسئلة ومنح الوقت الذي ارتأته للإجابة، وتفادت إطلاق أي نقاش جدي بين المتبارين، وحصرت المواضيع المطروحة في نطاق لا يتعدى الاهتمامات الداخلية في ظروف الحصار المتصل بالملف النووي وسوء الإدارة وبعض ملامح القمع الداخلي. ولم يُتَح للمرشحين التطرق الجدي إلى قضايا التدخل الإيراني في دول الإقليم والأموال التي تُغدَق في سبيله، خصوصاً في المنطقة العربية، وهكذا بقي عرض الأمين العام اللبناني من دون تعليق ولم يدخل بازار التشويق الرئاسي الإيراني.

وخطاب نصر الله في “المعركة” الرئاسية الإيرانية مثله مثل خطاب عبد الملك الحوثي في اليمن، أو خطاب إسماعيل هنية من غزة، أو أحد زعماء ميليشيات الحشد الشعبي في العراق. هو خطاب ردّ جميل للسلطة الفعلية الممولة في طهران وليس مشاركة للاهتمامات الشعبية الإيرانية حتى إنه لا يمتّ بصلة إلى الإيرانيين العاديين الذين انتقدوا في تحركاتهم المقموعة صرف أموالهم وثرواتهم على ميليشيات خارج الحدود.

كان المواطن الإيراني لحظة انهماك الحوثي ونصر الله وهنية وغيرهم في توجيه الولاء إلى المرشد، منهمكاً في تأمين دوائه ومأكله. وبينما كان إسماعيل قاآني يجول بين بغداد وبيروت، مهدداً بتكسير عظام أميركا وإسرائيل، كان إيرانيون يبحثون عن عظام الدجاج التي أصبحت مادة غذائية نادرة !

وبحسب موقع “تجارت نيوز” الإخباري الإيراني، فإن “قلب (الدجاج) والكبد والقوانص والأجنحة والأرجل وحتى الهيكل العظمي… أصبحت نادرة هي الأخرى في البلاد”.

ويقول مهدي خاني، رئيس نقابة تجار الدواجن والأسماك، إن هناك أسباباً عدة لندرة مخلفات الدجاج، منها زيادة الطلب عليها بسبب ارتفاع أسعار اللحوم، وانخفاض إنتاج الدواجن والحظر الحكومي على الدجاج المبشور.

ما قيل عن عظام الدجاج يُقال عن الدواء. فشكوى النقص في الأدوية وندرتها في الأسواق تتردد يومياً. صحيفة “اقتصاد أونلاين” كتبت، “كورونا ليست أولوية بالنسبة إلى أي شخص في الوقت الحالي. أي من المرشحين لم يذكر كورونا في المناظرة الأولى”. وقالت صحيفة “جهان صنعت”، “دعونا نتذكر أن الدولة التي تعاني الحرمان الاقتصادي على الأقل هي إيران. يجب أن نفتح الطريق للتنفس في بعض الأماكن في الصراع الاقتصادي”.

“في الوقت الحالي، لا يستطيع المستوردون والمصنعون توفير الأدوية في الوقت المحدد وأدوية عدة لا تصل إلى المستهلك في الوقت المناسب. نقص الأدوية صارخ في الوقت الحالي. حتى بالنسبة إلى أدوية قرحة المعدة البسيطة، يبحث الناس عن الدواء كما يبحثون كثيراً عن الإنسولين”. هذه التصريحات أدلى بها علي فاطمي، نائب رئيس نقابة الصيادلة في إيران وليس معارضاً أجنبياً للنظام.

تحوّلت انتقادات من هذا النوع إلى مادة أساسية في تصريحات مرشحي الرئاسة. وعلى هؤلاء، علّق روحاني قائلاً، “يبدو الأمر كما لو كنّا طوال 42 عاماً في فساد كامل. إذا كان الأمر كذلك. فلماذا إذاً قمنا بالثورة؟”.

في الواقع إن روحاني على حق، والإيرانيون يطمحون إلى التغيير وخلق المنافذ، لكن أتباعهم الذين يعيشون كلياً على حساب الخزانة الإيرانية، لن يتحسسوا يوماً آمال الشعب الإيراني ما دام مصدر التمويل مهيمناً. ثم لماذا سيتحسسون آمال الإيرانيين وهم لا يعيرون انتباهاً للشعوب التي ينتمون إليها؟

الحوثي ونصر الله وغيرهما من منتجات الحرس الثوري يؤدون أدوارهم في تبييض صفحة النظام الإيراني واقتداره. إنهم ناخبون من الباطن في المعارك الإيرانية الداخلية يؤذون في آن واحد شعب إيران وأبناء بلدهم.

تصريحات نصر الله عن التفاوض للإتيان بالبنزين الإيراني إلى لبنان لم تجد مسؤولاً إيرانياً يعلّق عليها. إلا أن مغردين إيرانيين تناولوها على طريقتهم. كتب وحيد علي زادة لنصر الله: “لِمَ التفاوض؟ إرفع السمّاعة وأجرِ  اتصالاً واحداً حتى تأتيك قوافل السفن النفطية إلى بيروت!”.

وقال جون بولتون، “نعم لقد أصبحت إيران مؤسسة خيرية لجميع الإرهابيين في العالم”. بو عبد الله قال شيئاً آخر، “التفاوض يختلف عن الوساطة. عندما يقول حسن نصر الله إنه يتفاوض، فهذا يعني أنه الحاكم الفعلي للبنان وأن الجنرال عون مجرد تمثال. لو قال إنه سيتوسط، لدلَّ ذلك على أن هناك حكومة شرعية في لبنان”.

في إيران، علّق مواطنون على أقوال نصر الله وكشفوا عن حقيقتها. أما في لبنان، فأصغى المسؤولون الرسميون إلى تحدّيه لهم أن يمنعوه من دخول ميناء بيروت بنفطه الإيراني من دون أن ينبسوا ببنت شفة. أراد نصر الله أن يقول إنه عنصر في مراكز القوى الإيرانية عبر إعلانه الهيمنة على لبنان، وهذا يضعه في الحالتين خارج طموحات اللبنانيين والإيرانيين، ولو طالت أزماتهما المتشابهة.

المقالة تعبر عن راي كاتبها فقط

اندبندنت