هكذا يسعى الاحتلال لدمج فلسطيني 48 وتفكيك مشروعهم السياسي

أحمد صقر

في خضم الاستهداف المتواصل من قبل الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين في الداخل المحتل عام 1948، تسعى أجهزة الاحتلال المختلفة إلى إفقارهم وإذابتهم في المنظومة الإسرائيلية، بغية تفكيك المكون الفلسطيني، وضرب مشروعه السياسي.


ويسلط هذا التقرير، الضوء على الجانب الاقتصادي، الذي يعتبر من أهم مقومات صمود الفلسطينيين في الداخل.


سياسات الاحتلال


وعن الأدوات والسياسيات التي يستخدمها الاحتلال من أجل إضعاف المجتمع العربي اقتصاديا بالداخل، قال سليمان إغبارية، رئيس بلدية أم الفحم سابقا، وأحد قادة الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني المحتل: “سأذكر مثالا لذلك ويمكن القياس عليه؛ في عام 2002 عندما كنت رئيسا لبلدية أم الفحم، خططنا لإقامة منطقة صناعية خلال عامين، الأرض متوفرة وبدأ العمل، وحتى الآن لم ينتهوا من المشروع، ويمكن القياس على هذا في باقي المجالات”.


وأضاف : “سعينا بشكل دائم للاستقلالية الاقتصادية، والتي بدروها يمكن أن تمنحنا استقلالية سياسية، لكن السلطات الإسرائيلية تريد أن تربطنا بهم بشكل مستمر، وفي ذيل مسيرتهم”، منوها إلى أن الاحتلال “يسعى بيض وجهه، من خلال تبجحه أمام العالم بأنه ديمقراطي”


وأعرب عن أسفه لأن “السلطة الفلسطينية والعالم العربي والإسلامي تركوا المجتمع الفلسطيني في الداخل نهائيا، إلا من بعض الإسلاميين الذين لديهم انتماء لهذا الدين ولهذا الوطن”، لافتا إلى أن “إسرائيل ومنذ عام 1948 وحتى يومنا هذا، تفرق في الصرف بين الطالب العربي واليهودي؛ فالأخير يحصل على حوالي 4 أضعاف”.



وعن بعض المؤشرات التي تدلل على إمعان سلطات الاحتلال في إفقار المجتمع العربي، ذكر أن “نسبة الموظفين العرب في شركة الكهرباء الإسرائيلية (رسمية) لا تتعدى الواحد في المئة، ويشترط أن يكونوا من الدروز، أي أنهم خدموا في الجيش، أما شركة الاتصالات (رسمية) فلا تتعدي ما بين 3-4 بالمئة، رغم أن نسبة العرب بالدخل تصل لنحو 17 في المئة”، مضيفا: “نحن نحرم من الكثير من الأمور”.


ولفت إلى أن “حالة الفقر لدى المجتمع العربي، لديها تداعيات سلبية وخطيرة، فالمواطن العربي ملزم بدفع الضرائب مثل؛ ضريبة أرنونا، وضريبة الدخل، وتأمين صحي إجباري إضافة إلى العديد من الأمور التي تحتاج ما بين 30-40 بالمئة من داخل الفرد، والكثير من المواطنين دخلهم لا يكفي لسد كل هذه المدفوعات، ما يجبر بعضهم للتوجه لبعض العصابات التي تمنح قروض ربوية، يعجز عن سدادها، وهو ما يجعله عرضة للعمل مع تلك العصابات، وكل هذا يجري بالتنسيق معهم (سلطات الاحتلال)”.


بين الإفقار والدمج


من جانبه، أوضح مهند مصطفى محاجنة، مدير عام مركز مدى الكرمل للدارسات بالداخل المحتل، أنه “حدث تحول لدى إسرائيل في الـ20 عاما الأخيرة، وأصبح المشروع الإسرائيلي أكثر ذكاء؛ بمعنى أن سياستها أصبحت ليس الإفقار وإنما دمج الأفراد في الاقتصاد الإسرائيلي، بمفهوم؛ أنه كلما دمجت العرب في الاقتصاد الإسرائيلي بشكل أكبر (رأسمالي ليبرالي)، كلما انعكس على مشروعهم السياسي”.


وأضاف : “سابقا اتبعت إسرائيل أسلوب إقصاء العرب عن الاقتصاد الإسرائيلي، وعدم تمكينهم اقتصاديا، بهدف إضعافهم اجتماعيا واقتصاديا..”، منوها إلى أن “الاقتصاد الإسرائيلي يندمج أكثر في اقتصاد العولمة، وانخراط إسرائيل في مؤسسات اقتصادية دولية مثل “OESD” (منظمة التعاون الاقتصادي)، التي فرضت على إسرائيل بعض الشروط لانضمامها منها؛ تقليل الفجوة الاقتصادية داخل المجتمع الإسرائيلي وخاصة فيما يتعلق بالعرب”.



وأكد محاجنة، أن “السياسات التي اتبعتها إسرائيل خلال الـ20 سنة الماضية، لا تهدف إلى بشكل مركزي إلى إفقار العرب، وإنما نتائجها يمكن أن تؤدي إلى إفقار العرب، وهدفها المركزي دمج العرب، وهذا ليس حبا بالعرب، وإنما لتحقيق عدة أهداف منها؛ أن الدمج سيؤدي لصعود الفردانية واندماج الطبقة الوسطى أكثر في الاقتصاد الإسرائيلي، مما سيتعكس على وجود وقوة مشروع سياسي جماعي بداخل المجتمع العربي، وهذا ما حدث”.


وأدت سياسة الاحتلال المعتمدة على دمج الأفراد في الاقتصاد “نيو ليبرالي”، بحسب الباحث إلى “تفكيك المشروع السياسي بالداخل، أكثر بكثير من سياساتها المعتمدة على القمع والتهميش وإقصاء العرب عن الاقتصاد الإسرائيلي”.


ومن بين الأسباب التي دفعت الاحتلال إلى اتباع سياسة الدمج، “المقاييس الدولية التي تلزم إسرائيل باتباع سياسات محددة في التعليم والفقر، وتحاول تحسين صورتها أمام الاقتصادي العالمي بتغيير تلك المعايير، وإظهار فجوات اقتصادية وبطالة أقل، إضافة إلى أن إسرائيل تستفيد اقتصاديا من دمج العرب”، مؤكدا أن “إسرائيل تربح من عملية دمج العرب في الاقتصاد الإسرائيلي نحو 20 مليار دولار سنويا”.


ونوه إلى أن “هناك العديد من المجموعات الضعيفة في المجتمع العربي، تضرر من تحول الاقتصاد الإسرائيلي إلى اقتصاد نيو ليبرالي، ما يؤدي إلى إفقارها، لأنها غير قادرة على الاندماج في هذا الاقتصاد بسبب سياسيات التمييز الطويلة ضدهم”، موضحا أن “نتائج سياسية الدمج الفردي وقمع مشروع العرب السياسي ظاهرة بوضوح؛ في تراجع السياسي والأسرلة”.


ونبه محاجنة إلى أن “تبعية عرب الداخل للاقتصاد الإسرائيلي ينعكس سلبا على مشروعهم السياسي، ولهذا تقوم بصياغة الكثير من المشاريع لتسهيل دمج الطلاب العرب في التعليم العالي”، لافتا إلى أن “هناك مشكلة أيضا في نوعية التشغيل الخاص بالعرب ومردوده المالي، وهو ما تسبب بوجود 50 في المئة من العائلات العربية تحت خط الفقر”.

عربي ٢١