هذا ما كتبه حسين المجالي عن الأمير محمد بن طلال

بقلم : حسين هزاع المجالي

غيب الموت أمير الإنسانية، فكان المصاب الجلل، وكان عزاؤنا الوحيد مواقفه الإنسانية التي لازالت باقية فينا، تاركا للأردنيين إرثا وبصمات لا تنسى.

نستذكر اليوم سمو الأمير محمد بن طلال ، وفي النفس غصة الفقد ، فكيف خان نعشك عهداً بيننا ، ورحلت بصمت دون وداع.

تكاد الكلمات تخذلني اليوم ، وتكاد العبارات تغادرني ويسكت القلم معلناً استسلامه، ولأولِّ مرةٍ أجدُ قلمي جافاً حافاً, أشحذ مدادَه, وأستجدي خطاه ليحاول وصف رجلٍ أتهيَّبُ فكرةَ الحديث عنه.

ابدأ من قلب كل أردني ، من شمال الوطن سيراً الى وسطه ، وأحمل الدمع الى جنوبه، وأجالس البحر لأشكو له فراق الامير الذي ترجل باكراً.

كان الدور الريادي للفقيد الراحل وانجازاته رحمه الله في مسيرته الغراء في العديد من المجالات والتي ستظل خير شاهد وبرهان على مسيرة رجل عظيم، سخر سنوات عمره وافناها في حب الوطن والمواطن وجعله من أولى اولوياته.

“الحجر في مطرحه قنطار”، مقولة تختصر كيف كان يفكر المغفور له بإذن الله .

هذه الجملة كان دائما يكررها في إشارة منه إلى كيف ينجز الرجل عمله على اكمل وجه عندما يوضع في المكان المناسب له، فهو كان شديد الحرص على أن يؤدي الجميع أدوارهم وأعمالهم على أكمل وجه لتحقيق الغاية والفائدة التي تحتاجها الدولة.

إسهاماته المتميزة بترؤسه الفخري لنادي الشطرنج الملكي، رياضة الأذكياء، ونادي الرماية حيث قام بإعطاء توجيهاته السامية بضرورة الاستمرار في تقديم كل الدعم لرياضة الرماية ورماة المنتخبات الوطنية سيما وان رياضة الرماية هي أول رياضة أردنية تشارك في الألعاب الأولمبية والتي جرت في موسكو عام 1980.


في رثاء سمو الأمير محمد بن طلال صعبة، لأنها تشعل نيران الفقد في النفس لأن الفقيد شخصية شامخة تتقاصر عنها الكلمات مهما تطاولت وتعجز الجمل عن إيفائها حقها مهما تجاسرت، فالأمر أكبر من المقالات وأعمق من الكلمات فجرح الحزن في النفوس والقلوب عميق، فكم كان الرجل عظيماً، وإنساناً، وكم أن الفقد فادح ومؤلم ومحزن وجارح.

عندما يرحل العظماء تنقص الأرض من أطرافها، وتنطفئ منارة كبرى كانت ترسل إشعاعات خيرها ونورها في ربوع العالمين. عندما يرحل العظماء تنفطر لذهابهم القلوب، لكونهم حماة الأمة وركنها الركين، وصمام أمن قيمها ومبادئها التي ترتفع بها إلى مصاف الأمم الخالدة ذات الإسهامات الكبرى في حياة البشرية.

لقد مثل سمو الامير مدرسة فكرية كبرى متكاملة الابعاد والزوايا وموسوعة سياسية شاملة طبعت بصماتها المؤثرة في كل مكان وتركت اثارها العميقة في حياة الاردن الحبيب .

آمن، رحمه الله، إيمانا مطلقا بالدولة فكان ذلك تعبيراً عن عشقه لتراب الوطن، وولائه لجلالة الملك، وهو الامير الإنسان الذي ظل مؤمنا ومخلصا للعائلة الهاشمية.

كان الراحل لا يدخر جهداً لنجدة كل من يطلب نجدته فقد كان رحمه الله يستمتع وهو يمد يد العون والمساعدة للآخرين، بسرية مطلقة إلى حد أنه كان في كثير من الاحيان لا يخبر أقرب المقربين إليه بما كان يقوم به، مقدما بذلك أروع الأمثلة في البذل والعطاء، والتي اقترنت على مر التاريخ بالهاشميين.

ترك أثرا طيبا واحتراما شديدا لدى كل من تعامل معه، فقد احتفظ بعلاقات نوعية مع الجميع

أمير الإنسانية، وصف يستحقه بجدارة سمو الامير المرحوم محمد بن طلال، الذي ما أراد يوما ان يخرج للعلن ما يقدمه من مساعدات لكل من قصده بحاجة.

لقد ظل سموه فخوراً بنجليه الأميرين طلال وغازي ، الذين يسيران اليوم على نهج والدهما نهج الهاشمين الأبرار.

اليوم، تمر الذكرى الأربعين على وفاة الامير الذي عاش طوال عمره كريما عزيز النفس، وليس أقل في هذه الذكرى من أن نسلط الضوء على كثير من أفعال الخير التي كان يقوم بها والتي كان يخفيها حتى عن اهل بيته، ليعرف الناس عن الامير ولو جانبا من حياته الحافلة في البذل والعطاء.

مع رحيلك يا سيدي ، لن ننسى آخر كلماتك طيب الله ثراك بالحفاظ على الوطن ومليكه وولي عهده في قلوبنا .

رحلت يا سيدى برداً وسلاماً ، ولتهدأ روحك الطاهرة، وفكرك النير، وابتسامتك العطوفة، تغمدك الله بواسع رحمته وأسكنك فسيح جنانه.

رحم الله الامير ، وأدام عرش بني هاشم وأحفظ اللهم سيد البلاد عبدالله بن الحسين وولي عهده.