بقلم: د. زيد احمد المحيسن
يقال : ان من لا يتجدد يتبدد، وان من السنن الكونية الثابته التي لا يختلف عليه اثنان هو التغيير، فعمليات التغيير مستمرة طالما بقي الانسان حيا على هذه الارض – لهذا حديث الاصلاح في الاردن قديم وجديد في نفس الوقت، فكلما تأزم وضعنا السياسي او الاقتصادي او الاجتماعي بادر الجميع بالحديث عن ضرورة التغيير للخروج من الازمة بوسائل ورؤية جديدة تعيد القطار الى مساره الصحيح.. ولكن سؤال الاصلاح السياسي والذي هو الاس والمقام في العملية الاصلاحية للشأن الاردني المأزوم ما زال يراوح مكانه ! والسبب الواضح والجلي ان ارادة التغيير حتى الان لاتزال في مطبخ القرار السياسي والاستراتيجي للدولة الاردنية تطهى على نار الشموع ! . من هنا يأتي سؤال في غاية الاهمية بمكان : من هو المستفيد الاول من عملية الاصلاح السياسي ؟ هل هو النظام السياسي الحالي ؟ ام هو المواطن الذي يئن تحت وطاة الفقر والبطالة والاحباط والمصير المجهول ؟ ام ان المستفيد سيكون النظام السياسي والمواطن معا بل الوطن باكمله .
السؤال الثاني المشروع ماذا لو تصادم مشروع الاصلاح السياسي المنشود مع النظام السياسي ؟ وما هو الحد الادنى الذي يقبل به النظام السياسي ويتوافق عليه الشعب ؟ من المهم بمكان ان نعرف مسبقا اين نقف اليوم والاهم من ذلك ان ندرك اين نتجه، فالتغيير يجب ان لا يكون مجرد افكار في رؤس البشر بل ان يكون حقيقة قابلة للتنفيذ ويراها البشر ، كل من يرفض التغيير والاصلاح مآله الزوال والاضمحلال، فالمجتمعات البشرية التي ترفض التطور هي مجتمعات تعيش في المقابر.
ان عملية الاصلاح المنشود تساعدنا على مراجعة الذات ومعرفة اين اصبنا واين اخفقنا ،وتساعدنا ان نجود اعمالنا وسياساتنا وبرامجنا تجاه نهضة وطننا، والاهم من ذلك تساعدنا ان نقف على ارضية صلبة وجبهة داخلية محصنة من الاختراق تساعدنا على مواجهة كافة التحديات بكل كفاءة واقتدار وثقة بالنفس، فالطائر الذي يقف على الغصن لا يخاف ان ينكسر الغصن فيه لان ثقته ليس في الغصن بل في اجنحته هي التي تمكنه من الطيران وقت الازمات، من هنا فان عملية الاصلاح سنة الحياة الخالدة ومن يقصرون نظرهم على الماضي او الحاضر سوف يخسرون المستقبل.
ان نظام الحكم في الاردن كما هو معروف للجميع – نيابي – ملكي – وراثي – و بمفهوم اخر اوسع واشمل، ان صاحب السيادة هو الشعب – فهل فعلا هذا النص مطبق على ارض الواقع ؟ اترك الجواب لكم ومن هم يعرفون بواطن الامور ومهتمون بالشأن العام للاجابة على هذا السؤال الهام والذي يمثل الاس والمقام في العملية الاصلاحية المنشودة.
لقد حاولت على مدار شهرين ان ارصد مطالب الناس الاصلاحية من خلال الاستماع الى حواراتهم البينية الصريحة، ومن خلال همساتهم ولمزاتهم واشاراتهم وتلميحاتهم الذكية بعضها ملك الجراءة الادبية وقام بنشره امام العامة من باب الوطنية الخالصة وبعضهم عبر عنها من خلال البيانات الجماعية لاصحاب القرار والبعض الاخر صرح بها من خلال اللقاءات الجانبية وتجذبات اطراف الحديث – ويمكن اجمال المطالب الاصلاحية للشعب الاردني بايجاز مختصر ومفيد بالامور التالية :-
1- لابد من وجود عقد اجتماعي جديد بين الحاكم والمحكوم – فالظروف القديمة تغيرت والحال الجديدة تتطلب مفاهيم واساليب واليات وتشريعات جديدة لتواكب عمليات التجديد والتطوير والحداثة ويلبي مطالب الشعب صاحب السيادة في المقام الاول والاخير .ويتماشى مع النص الدستوري لنظام الحكم – النيابي والملكي والوراثي –
2- ايجاد قانون جديد للانتخابات
3- ايجاد قانون جديد للادارة المحلية
4- تخفيف القبضة الامنية على كافة مرافق الدولة وخاصة المجال السياسي والاعلامي
5- ايجاد تشريعات جديدة تمنح حرية كاملة للاعلام – فنحن بحاجة الى اعلام دولة وليس اعلام حكومة
6- ايجاد تشريعات ناظمة جديدة وعصرية للعمل النقابي ومنظمات المجتمع المدني
7- عدم تسيس القضاء والمحافظة عليه كسلطة مستقلة تحظى باحترام الجميع
8- احترام رأي المعارضة وعدم التضيق عليها في العمل وحياتهم المعيشية
9- اخراج المعتقليين السياسيين واصدار عفو شامل عام لعودة الجميع للمساهمة في بناء الوطن وتطويره
10- تعزيز مفهوم المواطنة والهوية الوطنية
11- تعيين الكفاءات في المناصب القيادية والرسمية
12- محاربة الفساد بكافة مسمياته واشكاله – الاداري والمالي والتشريعي والخدمي
13- تفعيل خدمة العلم العسكرية واستثنائها من كافة المبادرات والتسميات التشغيلية الاخرى من اجل تصليب الجبهة الداخلية قوة ومنعة – فالدفاع عن الاردن وحماية استقلاله ومنجزاته لايتم الا بالاستعداد الدائم والمستمر لمواجهة العاديات والجيش هو العمود الفقري الذي يحمي الوطن ومنجزاته في السلم والحرب
هذه اهم المطالب الاصلاحية الرئيسة ومن خلال اجراء حوار وازن بين كافة اطياف المجتمع الاردني، ومن خلال وضع الدستور والميثاق الوطني والاوراق الملكية النقاشية مرجعيات استرشادية وكروافع لعمليات الحوار والنقاش يمكن التوصل الى حلول يتم قوننتها بسلسلة من القوانين الناظمة ليسار الى تنفيذها عمليا يستشعر المواطن بعد ذلك نتاج الاصلاح الشامل من اجل بناء اردن عربي ديمقراطي ينعم الجميع بالمواطنة و بالحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، ويكون مدخلنا القوي للولوج الى المئوية الثانية اكثر قوة ومنعة وصلابة واكثر استقرارا وامنا لمجتمعاتنا ووطنا الغالي .