مطالب بإقالته على خلفية اتهامات بشأن تكتمه حول إمكانية تسرب الفيروس من مختبر ووهان
عيسى نهاري صحافي @ES_Nahari
عادت نظرية تسرب فيروس كورونا من المختبر إلى الواجهة، لتضم ضحية جديدة إلى قائمتها، هذه المرة ليست الصين ولا منظمة الصحة العالمية، إنما أنتوني فاوتشي مدير المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية، الذي يتداول الأميركيون اليوم الآلاف من رسائله البريدية التي تكشف عن الحال المضطربة التي عاشتها الولايات المتحدة في أعقاب تفشي الجائحة، في الوقت الذي كان الطبيب الثمانيني، الذي عاصر سبعة رؤساء في البيت الأبيض، لسان أميركا الموثوق في كل ما يخص مرض “كوفيد–19″، ما جعله موضوع ثناء ونقد شديدين من الجمهوريين والديمقراطيين.
منشأ كورونا
أكثر من 3000 صفحة من رسائل البريد الإلكتروني، التي رفعت عنها السرية بموجب قانون حرية المعلومات ((FOIA، تكشف عن حال القلق والارتباك التي عمت الولايات المتحدة نتيجة الجائحة، وتقدم لمحة خاطفة عن الأيام الأولى لتفشي فيروس كورونا، إضافة إلى تعاملات فاوتشي مع الحكومة ومسؤولي الصحة الأجانب والمحليين ووسائل الإعلام والمشاهير والأميركيين العاديين، في إطار زمني يبدأ من يناير (كانون الثاني) إلى يونيو (حزيران) 2020.
وتؤكد الرسائل التي حصلت عليها صحيفة “واشنطن بوست” وموقعا “سي أن أن” و”بازفيد”، أن فاوتشي وزملاءه لاحظوا في الأيام الأولى، إمكانية أن يكون فيروس كورونا قد تسرب من مختبر مدينة “ووهان” الصينية حيث تفشى المرض لأول مرة، لكن، في وقت كان الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي جمعته علاقة مضطربة بالطبيب الأميركي، يسمي كورونا المستجد بـ”الفيروس الصيني”، متهماً بكين بنشر المرض حول العالم، رفض المختصون هذا الادعاء المثير للجدل العام الماضي، وقالوا إنه “مستبعد للغاية”، إذ لم يظهر أي دليل يدعم ذلك.
إلا أنه في الآونة الأخيرة، عاد النقاش حول إمكانية تسرب الفيروس من مختبر “ووهان” في مجتمع الاستخبارات الغربية، وسط انتقادات ومطالب بإجراء تحقيق دولي للكشف عن منشأ الفيروس، والمثير للجدل أن رسائل فاوتشي توحي بأن الأخير تجاهل تحذيرات وأحاديث خبراء ترجح هذه النظرية، إذ تشير رسالة بريدية في يناير العام الماضي، من مدير أكبر منشأة للأبحاث الطبية الحيوية في الولايات المتحدة، إلى أنه من المحتمل أنه قد جرت “هندسة” الفيروس ليكون ممرضاً، ما دفع مدير المعهد الأميركي للأمراض المعدية للقول، إنه سيتواصل معه هاتفياً.
وفي أبريل (نيسان) 2020، حث مدير المعهد الوطني للصحة، فرانسيس كولينز، فاوتشي على النظر في إمكانية تسرب الفيروس، في رسالة بعنوان “المؤامرة تكتسب زخماً”، وعلى الرغم من استبعاده تلك النظرية في وقت مبكر، أقر فاوتشي الشهر الماضي، بأنه “غير مقتنع”، بأن الفيروس نشأ بشكل طبيعي، معرباً عن دعمه إجراء تحقيق، في حين دعا الرئيس الأميركي جو بايدن أجهزة الاستخبارات في بلاده، إلى إعداد تقرير خلال فترة لا تتجاوز 90 يوماً حول منشأ فيروس كورونا.
وبينما يقول منتقدون إن بعض رسائل البريد الإلكتروني هذه تُظهر ما وصفوه بأنه “علاقة تعاونية بشكل مفرط” بين الدكتور فاوتشي والسلطات الصينية، ضم الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب صوته إلى مشرعين جمهوريين، وسياسيين محافظين بارزين للمطالبة بإقالة كبير المستشارين الطبيين بالبيت الأبيض، وأشار البعض إلى رسالة تلقاها العام الماضي من مسؤول تنفيذي في منظمة غير ربحية عالمية، ساعدت في تمويل بعض الأبحاث في معهد “ووهان” لأبحاث الفيروسات، تحديداً، على الرغم من أنها محجوبة بشكل كبير، تُظهر أنه كان يفكر في نظرية “التسرب المخبري” من “ووهان” في ما يتعلق بنشأة “كوفيد-19″، بشكل أكثر جدية مما أفصح عنه بشكل علني.
لكن مدير المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية قال لـ”سي أن أن”، الخميس، الثالث من يونيو، إن رسالة البريد الإلكتروني التي تلقاها العام الماضي من مسؤول تنفيذي في منظمة “EcoHealth Alliance، ومقرها الولايات المتحدة، قد أسيء فهمها، وأكد فاوتشي أنه ما زال يعتقد أن “الأصل الأكثر ترجيحاً هو انتقاله (الفيروس) من نوع حيواني إلى إنسان، لكنني أبقى منفتحاً تماماً على أنه إذا كانت هناك أصول أخرى، فقد يكون هناك سبب آخر، قد يكون تسرباً في المختبر”.
من جانبها، دافعت إدارة الرئيس جو بايدن عن فاوتشي، في أعقاب تداول رسائله الإلكترونية، وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، الخميس، للصحافيين، “لقد كان (فاوتشي) أحد المكاسب التي لا يمكن إنكارها في استجابة بلادنا للوباء، ولكن من الواضح أنه ليس من المفيد بالنسبة لي أن أعيد التشكيك في جوهر رسائل إلكترونية منذ 17 شهراً”.
وأشارت ساكي إلى أنها لا تعلم إذا كان الرئيس بايدن قد تم اطلاعه على رسائل البريد الإلكتروني، مضيفة، “يرى الرئيس والإدارة أن الدكتور فاوتشي قد لعب دوراً مثيراً للإعجاب في السيطرة على الوباء، كونه صوتاً معبراً للجمهور طوال فترة هذا الوباء، وأكرر مرة أخرى أن كثيراً من رسائل البريد الإلكتروني هذه من 17 شهراً مضت أو أكثر، بالتأكيد قبل هذه الإدارة”.
الكمامات
جدل الرسائل الإلكترونية طال أيضاً الكمامات التي كثر التشكيك بشأن فعاليتها في بداية الجائحة، حتى تحولت إلى علامة سياسية في الولايات المتحدة، حيث أصر الديمقراطيون على ضرورة إلزام الناس ارتداءها، في حين بدا الجمهوريون أكثر تساهلاً بشأنها، وظهر ذلك في رفض ترمب لبس القناع في التجمعات الانتخابية، في الوقت الذي كانت الحكومة تعمل على اعتماد الإرشادات اللازمة بشأن الكمامة.
في فبراير (شباط) العام الماضي، قال فاوتشي في رسالة بريد إلكتروني موجهة إلى وزير الصحة الأميركي السابق، إن “الكمامات تستخدم من قبل المصابين لمنعهم من نشر العدوى إلى الأشخاص غير المصابين، بدلاً من حماية الأشخاص غير المصابين من الإصابة”، وقلل الطبيب الثمانيني من فعالية الكمامات قائلاً إن الأقنعة التي يتم شراؤها من المحال “ليست فعالة حقاً في إبعاد الفيروسات”.
تسييس الوباء
في سياق متصل، تقول تارا مكيلفي، مراسلة “بي بي سي” في البيت الأبيض، إن فاوتشي يعتبر بطلاً بالنسبة لليبراليين في الغرب الأوسط وفي مناطق أخرى، إذ تعزز رسائل البريد الإلكتروني الخاصة به وجهات نظرهم، المتمثلة في أن الطبيب الأميركي غيّر رأيه بشأن ما يجب على الناس فعله لمحاربة الفيروس، اعتماداً على البيانات العلمية، وليس على ما يريد ترمب أن يسمعه الناس.
لكن بالنسبة لمؤيدي ترمب الذين تعرفهم مكيلفي في بلدات كنساس الصغيرة والمناطق الريفية الأخرى، فإن فاوتشي ليس إلا شريراً، إذ يقول هؤلاء الجمهوريون إنه يبث رسائل متضاربة حول الفيروس، ويقلب العلم كما يتهمونه بالإضرار بالرئيس ترمب، لذلك رفض هؤلاء المحافظون ارتداء الأقنعة، حتى خلال أسوأ أيام الوباء، لأن الإرشادات العلمية، كما قالوا، تتغير باستمرار، وسط “تخبط” فاوتشي.
وتضيف مراسلة “بي بي سي” أن رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالطبيب الأميركي ستدعم آراء المحافظين، إذ غير فاوتشي بالفعل رأيه بشأن الإرشادات الصحية، مثل ارتداء الكمامات، بعد ظهور معلومات إضافية حول الفيروس، وكان قد “أخبر شخصاً ما في فبراير 2020 أنهم ليسوا بحاجة إلى ارتداء القناع أثناء السفر”، قبل أن يشجع الناس لاحقاً على ارتدائه.
وكان الطبيب الأميركي المتخصص في الأمراض المعدية وصف الضغط الذي مورس على العلماء خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب بـ”المخيف”، وقال في مقابلة سابقة، إن الضغط كان من المسؤولين الذين يسعون إلى تقديم رسائل إيجابية في شأن فيروس كورونا.
ولم يكتفِ فاوتشي الذي كان عضواً بارزاً في فريق عمل البيت الأبيض المعني بفيروس كورونا بذلك، إذ اعتبر أن الوضع غير العادي شهد تشويهاً ورفضاً للعلم، وقال، “مورس كثير من الضغط لتنفيذ ما لا يتوافق مع العلم”، مضيفاً، “لم أُرد أن أكون على خلاف مع الرئيس لأنني أحترم منصب الرئاسة”.