“برلين 3”


فيلم ألماني طويل سيناريو وإخراج المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل

أحمد الفيتوري كاتب 

المستشارة الألمانية أنغيلا دوروتيا ميركل من البشر، ولهذا تصاب بالغيرة والحسد، وألمانيا دولة عظمى اقتصادياً، لكن عقلها الباطن حامل بأنها كانت دولة عظمى عسكرياً، وأنها كانت دولة إمبريالية، ترتكب المذابح في ناميبيا عند أول القرن الـ20، المذابح التي اعتذرت هذه الأيام عن ارتكابها، بعد مرور قرن تقريباً. المستشارة الألمانية ميركل، هذه التي من البشر، لم ترد أن يفوتها من الحرب نصيب، الحرب التي انتهت في أوروبا عقب هزيمة ألمانيا، لم تنته بعد في العالم الآخر، بخاصة في الشرق الأوسط منه، التي منها حروب بالوكالة، كما حاصل في ليبيا، التي تُخاض فيها معارك ضروس، بين دول كبرى ودول إمبريالية، ودولة السلطان رجب طيب أردوغان ودول الجوار. 

في هذا الخضم، حرصت المستشارة على أن تمثل دور الحياد الإيجابي، أي حسبها أن تشارك في الجانب البارد من الحرب. ومن المعروف أن لألمانيا وجود تاريخي في ليبيا، ففي الحرب الكبرى الأولى، كانت حليفة تركيا-الرجل المريض، وأسهمت من خلال “غواصة” في الحرب ضد إيطاليا على الأراضي الليبية. أما الحرب الكبرى الثانية، فكانت ليبيا مسرحاً رئيساً لها، وجعلت من القائد العسكري الألماني رومل يحصل على لقب “ثعلب الصحراء”. ولم تنقطع ألمانيا عن لعب دور في ليبيا، ولو كان دور الحياد الإيجابي!، كما فعلت في الربيع العربي أثناء الثورة الليبية في فبراير (شباط) 2011.

دخلت المستشارة المعركة في ليبيا بسيناريو خاص، ولما استعرت نار الحرب بالوكالة عام 2014، دعت في العام التالي إلى مؤتمر برلين. ومما جاء في المؤتمر الصحافي للممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا برناردينو ليون، في برلين 10 يونيو (حزيران) 2015، “هذا جهد جماعي، فإذا تواجدنا هنا اليوم، وإذا أحرزنا بعض التقدم، فالفضل يعود لدعم المجتمع الدولي. وأود أن أشدد اليوم، على الدور الحاسم الذي تؤديه ألمانيا. ثمة نوعان من الديناميات كبيرة الأهمية، تبدأ هنا اليوم، التي لم تكن متوفرة في العملية من قبل، والتي ترجع من دون شك إلى العمل الفعال للغاية، الذي يقوم به الوزير الألماني شتاينماير وفريقه”.

سنوات حرب خمس ساخنة، استغرقتها المستشارة، للتأكد من فشل “برلين 1″، لتعقد “برلين 2” في يناير (كانون الثاني) 2020، بعد جائحة كورونا. ما بيّن صحة الانطباع الشائع عن الثقل الألماني ورزانة ساسته، من يتخذون القرارات بعد تأن وروية! على أي حال، بذلت المستشارة في المرة الثانية جهداً قل نظيره، لأجل سيناريو الجزء الثاني من فيلم برلين الطويل، الذي قامت الولايات المتحدة بتنفيذه حسب إخراج سفيرها ريتشارد نورلاند، ومواطنته ستيفاني ويليامز ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا. وكانت الحكومة الألمانية نشرت الاثنين في 20 يناير 2020، على موقعها الإلكتروني، نص البيان الختامي لمؤتمر برلين، الذي انعقد الأحد، في العاصمة الألمانية.

ووقعت على البيان الختامي، المكون من 55 بنداً، 16 دولة ومنظمة، إلى جانب طرفي الأزمة.

وشارك في المؤتمر بدعوة من المستشارة الألمانية قادة ومسؤلون من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وتركيا والصين وروسيا ومصر والإمارات والجزائر وجمهورية الكونغو الديمقراطية، إضافة إلى ممثلين رفيعي المستوى من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي. 

لقد كان البيان بمثابة دستور من 55 بنداً لليبيا، كُني في ما بعد بخريطة طريق ستيفاني، التي حولت شيئاً من بنوده إلى إجراء، عبر لقاءات مكوكية بين تونس وجنيف، ومجموعة مختارة من الليبيين، عُرفت بمجموعة الـ75، فيما هجاها البعض بأنها “مجلس وصاية”.

على أي حال، لم يحقق “برلين 2” مآربه عند البعض، على اعتبار أنه يردد اسطوانة مشروخة حول تنظيم الانتخابات في موعدها، كما كان يردد أن لا حل عسكرياً في ليبيا، وأن المؤتمر لم يفعل شيئاً، ومما جاء في البيان مثلاً: 

“نتفق على أن مؤتمر برلين حول ليبيا هو خطوة مهمة في عملية أوسع نطاقاً بقيادة ليبية تهدف إلى وضع نهاية حاسمة للأزمة الليبية من خلال معالجة شاملة للدوافع الكامنة وراء الصراع.

54- اتفقنا على إنشاء لجنة متابعة دولية تتألف من جميع الدول والمنظمات الدولية التي شاركت في مؤتمر برلين حول ليبيا من أجل الحفاظ على التنسيق عقب المؤتمر، وتحت رعاية الأمم المتحدة، وسوف تجتمع اللجنة على مستويين:

الأول: جلسة عامة واحدة على مستوى كبار المسؤولين، تجتمع شهرياً مع رئيسها من بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا، إضافة إلى رئيس مشارك بالتناوب. وستكون اللجنة مسؤولة عن تتبع التقدم المحرز لمخرجات المؤتمر، وممارسة الضغط عند الضرورة. وفي نهاية كل جلسة، ستُقدَّم مذكرة بالإنجازات أو الالتزامات.

الثاني: أربع فرق تقنية عاملة: تعقد اجتماعات مغلقة مع الخبراء مرتين شهرياً خلال مراحل التنفيذ الأولى. وسيقود كل مجموعة ممثل للأمم المتحدة. وفي الجلسات المغلقة، سيقوم المشاركون بمعالجة العقبات التي تعترض عمليات التنفيذ، وتبادل المعلومات ذات الصلة، والتنسيق دون المساس بولاية مجلس الأمن”.

لكن على الرغم من هذا وذاك، فإن “برلين 2” عند آخرين مهد الطريق بإنجازات صغرى، تكمن أهميتها في أنها أفردت المسائل الكبرى لمرحلة خاصة بها تحتاج إلى “الجهد الأكبر”، وأن هذا كان مما جاء به بيان برلين، لكن في المسكوت عنه. والمقصود أن تأجيل المسائل الكبرى، كان من أجل إنجاز ما يمكن إنجازه وقد حصل، وأن المؤجل ضمناً بحاجة إلى “برلين 3″، يُفترض أن ينهي مسألة المسائل: إنها الحرب الدولية في ليبيا. فيكون ختام الفيلم الألماني الطويل، مسك أنغيلا ميركل!