لبنان المتجه إلى “جهنم” يستنفر الفاتيكان


دعا البابا فرنسيس بطاركة الطوائف المسيحية إلى اجتماع يعقد في الأول من يوليو المقبل

دنيز رحمة فخري صحافية

دخل البابا فرنسيس على خط الأزمة اللبنانية، ودعا الأحد الفائت بطاركة الطوائف المسيحية في البلد إلى اجتماع يعقد في الأول من يوليو (تموز) المقبل في الفاتيكان، تحت عنوان لقاء من أجل السلام في لبنان. وقال البابا في عظته إن “الدعوة مخصصة لعقد يوم تأمل حول الوضع المقلق للبلد”. واعتبر أن “الاجتماع سيسمح لرجال الدين المسيحيين بالصلاة معاً من أجل تحقيق السلام والاستقرار”، علماً أن الدعوة تشمل كل رؤساء الكنائس المسيحية الموجودة في لبنان.

وأتت الدعوة البابوية بصيغة اجتماع طارئ من أجل لبنان. وكان بدأ التحضير له منذ أشهر، لكن تردّي الظروف الحياتية والاجتماعية والسياسية في فرضت عقده بسرعة. ودعوة البابا فرنسيس أتت على خلفية تدهور الوضع في لبنان على الصعد كلها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى حد أن رئيس الجمهورية ميشال عون صرّح قبل أسابيع أن تدهور الوضع في حال استمراره سيؤدي بالبلاد “إلى جهنم”. وهو قرر اللجوء إلى خطوة كهذه بعدما رأى، وفق ما ينقل زوار الفاتيكان، لا مبالاة السياسييين تجاه ما يحصل واهتمامهم بمصالحهم الخاصة، بدلاً من تشكيل حكومة يعتبرها البابا فرنسيس مدخلاً أساسياً لمعالجة الأزمة اللبنانية.

استبعاد السياسيين من الدعوة

تنضم الفاتيكان إلى الدول الصديقة للبنان بموقفها المستاء من الطبقة السياسية. وتعتبر دوائرها أن سياسييه فشلوا في إدارة الأزمة، وهو ما دفع بابا روما إلى استبعادهم عن اجتماع الأول من يوليو، وإن كانت الدعوة شملت بعض الجمعيات العاملة في إطار المجتمع المدني. وتكشف مصادر مطلعة عن أن سبعة من قادة الطوائف المسيحية أكدوا مشاركتهم في الاجتماع، فيما اعتذر عن الحضور بطريرك الكاثوليك الكلدان الكاردينال لويس رافايل ساكو. وسيحضر اللقاء حتى الآن بطريرك الموارنة بشارة بطرس الراعي، ومطران الكنيسة الكاثوليكية السريانية، وكذلك مطران السريان الكاثوليك والكاثوليك الأرمن ومطران اللاتين في بيروت.

وتؤكد مصادر في الفاتيكان أن البابا فرنسيس ينظر إلى لبنان كبلد التعايش بين المسلمين والمسيحيين، وهو طالما شدد في الكلمات التي خصّه بها على صون العيش المشترك بين مواطنيه ليبقى لبنان الرسالة كما وصفه البابا يوحنا بولس الثاني.

وأكدت مصادر متابعة لاجتماع الفاتيكان، أنه لا يمكن فصل هذا الاجتماع عن التطورات الحاصلة في المنطقة وما يمكن أن تتركه من تداعيات سلبية على لبنان، خصوصاً في ظل فقدانه أي مناعة تجنّبه هذه التداعيات. ويعمل بابا روما على تحصين بلاد الأرز وحمايتها في ظل ما يُرسم للمنطقة من تغيرات.

وتكشف المصادر عن أن دولة الفاتيكان ترى أن الحل لا يمكن أن يبدأ إلا بتشكيل حكومة، تشجع كل مبادرة من شأنها إنقاذ الوضع في لبنان، لا سيما المبادرة الفرنسية، كونها الوحيدة المتوافرة حالياً. كما أن الفاتيكان سعت ولا تزال مع كل الدول المؤثرة إلى إبعاد الساحة اللبنانية عن الصراعات الإقليمية وتجنيب البلاد أي ارتدادات سلبية لما يحصل على طاولة المفاوضات الإقليمية.

ورقة موحدة؟

دعوة البابا فرنسيس إلى عقد لقاء خاص بلبنان أتت بعد التشاور بين دوائر القرار في الفاتيكان والبطريرك الماروني وبطاركة آخرين. وبحسب المعلومات، فإن موفداً فاتيكانياً سيصل إلى بيروت خلال الأسابيع المقبلة قبل موعد الأول من يوليو للتحضير لاجتماع الفاتيكان المسيحي الموسع. وفي الموازاة، علمت “اندبندنت عربية” أن البطريركية المارونية بدأت العمل على اجتماع تحضيري في بكركي لإعداد ورقة عمل مشتركة سيحملها ممثلو الكنائس المسيحية إلى روما، ولن تكون بحسب المعلومات بعيدة من طروحات البطريرك الراعي الداعية إلى حياد لبنان، إضافة إلى مناشدة المجتمع الدولي، علماً أن مصادر في بكركي، تؤكد أن اجتماعاً كهذا لم يحدد بعد وهو لا يزال في إطار المشاورات. كما أن ورقة عمل موحدة تحتاج إلى كثير من الإعداد والنقاش. لكن مصادر متابعة تؤكد أهمية أن يذهب رؤساء الكنائس الكرادلة والمطارنة إلى الاجتماع بورقة موحدة، لما لذلك من تأثير مباشر في طريقة التفكير في الحل المشترك مع البابا ودوائر الفاتيكان. وتقول المصادر أن اتفاق رؤساء الكنائس المسيحية ليس أمراً مستحيلاً، فهم يلتقون بشكل دوري، ويمكن أن يلتقوا على تصور واحد لكل المشكلات التي يعاني منها لبنان، وذلك على عكس السياسيين الذين لا يمكن أن يتفقوا على أمر واحد.

النتائج المتوقعة

لا شك في أن دعوة البابا فرنسيس إلى عقد اجتماع مخصص من أجل السلام في لبنان، هي رسالة للدول الإقليمية والغربية بأن بلد الأرز غير متروك وأنه حاضر دائماً في اهتمامات رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم. لكن، كيف يمكن لاجتماع كهذا أن يساعد لبنان، وهل تكفي الصلاة وحدها لانتشاله من القعر الذي وصل إليه؟

يشرح سفير لبنان السابق في الفاتيكان ناجي أبي عاصي، أن دولة الفاتيكان لا تملك جيشاً ولا أموالاً، بل لديها الصلاة والفكر والعمل الدبلوماسي، ولكي تستطيع المساعدة يجب أن تفهم حقيقة ما يحصل وخلفياته، والإقدام على أي خطوة يتطلب منها معلومات دقيقة، علماً أن دوائر الفاتيكان بدأت منذ أشهر تعمل على جمع المعطيات، وبات لديها ملف كامل عن كل النقاط العالقة في لبنان، لكنها أرادت الاستماع من رجال الدين الذين هم على تماس يومي ومباشر مع الناس إلى وجهة نظرهم وتصورهم في شأن المشكلات وطريقة حلها. وهذا ما دفع البابا فرنسيس إلى دعوة رؤساء الكنائس ليستمع إلى آرائهم وليطرحوا معاً الحلول الواقعية وسبل التوصل إليها.

وستحضر على طاولة اجتماع الأول من يوليو في الفاتيكان، ملفات عدة منها الحياد والمؤتمر الدولي والمشكلة الاقتصادية والمالية وهوية لبنان ومستقبله والتغيير الديموغرافي الحاصل. والمعلوم أن لدى الكنيسة المارونية طرحاً كاملاً في شأن العناوين الأساسية.

ويشدد أبي عاصي على أن اتفاق رؤساء الكنائس المسيحية على ورقة واحدة تتضمن طرحاً مفصلاً للمشكلات وكيفية حلها، يمكن أن يساعد في التوصل خلال الاجتماع مع البابا إلى وضع خريطة طريق للمرحلة المقبلة، تتضمن المساعدات الإنسانية والاجتماعية والحلول السياسية الدبلوماسية، وقد تلعب الفاتيكان دوراً أساسياً في تحقيق هذه الأهداف.

وربما تظهر نتائج الاجتماع تدريجاً، ولن تنقلب الأمور بطبيعة الحال بين ليلة وأخرى من الأسود إلى الأبيض، لكن، على الأقل، يمكن أن تؤسس للمرحلة المقبلة، مع الأخذ في الاعتبار أن الفارق كبير بين التمنّي والواقع وبين التصور المثالي الذي يمكن تحقيقه. فبدلاً من الحياد، ربما يتفق المجتمعون على التحييد، وبدلاً من المؤتمر الدولي ربما يحصل اتفاق على السعي إلى اجتماع مجموعة الدعم الدولية الخاصة بلبنان.

للبنان خصوصية يجب الحفاظ عليها، تقول مصادر مطلعة على موقف الفاتيكان، وربما يكون هَمّ رأس الكنيسة الكاثوليكية بشكل خاص الحفاظ على استقرار لبنان وعلى عيش أبنائه بكل انتماءاتهم في أمان.

التحديات السياسية والمعيشية والاجتماعية التي تهدد لبنان الكيان سترافق كل المشاركين بعد شهر من الآن في اجتماع الفاتيكان، فهل تكفي الصلاة وحدها لاستعادة لبنان الوطن قبل فوات الأوان؟