ولاية رابعة للأسد في أزمة تتعمق


عشر سنين من الحرب دمرت البلد وأفقرته ودفعت نصف شعبه إلى النزوح في الداخل واللجوء إلى الخارج

رفيق خوري كاتب مقالات رأي 

تغيرت سوريا ولم تتغير في آن. تغيرت لجهة ما فعلته بها الحرب، إلى حد أنها تبدو كأنها شبح لما كانت عليه سوريا القوية. ولم تتغير لجهة الحسابات التي بُني عليها النظام في عز الحرب الباردة، وإغراء الأنظمة الشمولية ومشروع “الحزب القائد للدولة والمجتمع”. عشر سنين من الحرب دمرت البلد وأفقرته، ودفعت نصف شعبه إلى النزوح في الداخل واللجوء إلى الخارج، وجاءت بأفظع التنظيمات الإرهابية، وقسمت الأرض إلى ثلاث مناطق نفوذ تتحكم بها أربعة جيوش أجنبية. ونصف قرن من عمر النظام لم يبدل شيئاً في طقوس الانتخابات الرئاسية التي كانت ولا تزال “مبايعة”، سواء أيام الاستفتاء على مرشح وحيد، أو أيام التنافس المدار والمنظم مع الرئيس المرشح. شيء من الرهان على ما تسمى “إدارة الرياح” في مواجهة متغيرات هائلة في المنطقة والعالم، ومعالجة وقائع قاسية في الداخل. وشيء من السلوك الذي ينطبق عليه ما قيل عن آل البوربون بعد الثورة الفرنسية “لم يتعلموا شيئاً ولم ينسوا شيئاً”.

ذلك أن فوز بشار الأسد بولاية رابعة في انتخابات تجديد البيعة التي وصفها بأنها “ثورة”، هي الخطوة الأسهل في مجابهة التحديات. ومن السهل عليه وسط الدعم الروسي والصيني والإيراني، أن يسخر من وزراء الخارجية الأميركي والبريطاني والألماني والفرنسي والإيطالي الذين وصفوا الانتخابات بأنها “خدعة وليست حرة ولا نزيهة” بالقول “قيمة آرائكم صفر، وقيمتكم عشرة أصفار”. وهو تمكن حتى اليوم من الحؤول دون الاتفاق على دستور جديد وتطبيق القرار 2254، وإجراء الانتخابات الرئاسية على أساس الدستور الجديد، كما تطلب الأمم المتحدة وعواصم الغرب والعواصم العربية. لكن الذهاب إلى النهاية في تجاهل الحاجة إلى دور الأمم المتحدة والعرب والغرب، يعني أن إعادة الإعمار ستبقى مهمة مستحيلة. فالمعيار العملي للصمود هو النجاح في إعادة الإعمار المرتبطة بالتسوية السياسية. وليس أصعب من إنهاء الحرب سوى بدء التسوية، بعدما خلقت الحرب مصالح يعمل أصحابها القدامى والجدد للحفاظ عليها. ولا أهم من التسوية في الداخل سوى القدرة على إخراج الوجود العسكري والنفوذ السياسي لروسيا وإيران وأميركا وتركيا.

الكل يصف المشهد بأنه معقد، النظام صمد، والمعارضون في ضعف شديد، و”داعش” في البادية، و”القاعدة” في إدلب، وتركيا في الشمال، وأميركا في شرق الفرات، وروسيا وإيران في غرب الفرات وحلب والوسط ودمشق والجنوب، وإسرائيل تقصف من الجو. غير أن بقاء هذا المشهد من دون هز الستاتيكو ليس وصفة للجمود، بل دينامية لتطورات أمنية تبدو ساكنة في أماكن ومتحركة في أماكن أخرى. فالعجز عن إنهاء الحرب يعني الاستمرار في تقاسم النفوذ بين الجيوش الخارجية الأربعة. ولا يبدل في الأمر القول، إن الروس والإيرانيين جاؤوا بدعوة من دمشق، في حين جاء الأميركيون والأتراك كمحتلين. فضلاً عن أن موسكو الداعمة للنظام، تغازل المعارضة، وتتعاون مع إيران، وتتفاهم مع تركيا، وتنسق مع أميركا كما مع إسرائيل.

والتردد في صنع التسوية السياسية كان ولا يزال “أم المشكلات”. إذ قاد، مع استخدام العنف، إلى تحويل الحراك الشعبي السلمي “ثورة”. و”عسكرة الثورة” جعلت الحرب اللعبة الوحيدة في المدينة. والحرب فتحت كل الأبواب أمام “داعش” و”القاعدة” وإرهابيين ومرتزقة من نحو 80 بلداً. فضلاً عن أن الجيش الروسي أنشأ ميليشيا تابعة له من السوريين إلى جانب مرتزقة “فاغنر”. الحرس الثوري الإيراني جلب “حزب الله” من لبنان وميليشيات من العراق وأفغانستان بينها “زينبيون” و”فاطميون”. وتركيا أنشأت ميليشيا أسمتها “الجيش الوطني”. وأميركا حمت “قوات سوريا الديمقراطية” ذات الأغلبية الكردية التي حاربت “داعش”.

والسؤال هو، هل تنتقل سوريا من مرحلة إلى مرحلة أم لا؟ في الحرب، لا شيء يوحي أن روسيا راغبة في إكمال الحرب في الشمال وشرق الفرات، كما يريد النظام. في التسوية، لا أحد يعرف إلى أي حد تستطيع دمشق التملص من نصائح موسكو بالنسبة إلى ضرورة التسوية، لكن الكل يعرف أن الأزمة التي قادت إلى حرب سوريا ازدادت عمقاً. والساعة دقت للتفكير العملي بما تحتاجه “مرحلة العمل على بناء سوريا كما يجب أن تكون”، حسب وعد الأسد في ولايته الرابعة.

والتسوية القائمة على دستور جديد وتطبيق القرار 2254، وانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة هي المحطة الإجبارية.

المقاله تعبر عن راي كاتبها