محور “الممانعة” إذ يفقد فرصته التاريخية في هزيمة إسرائيل
طوني فرنسيس إعلامي وكاتب ومحلل سياسي لبناني
أعادت المواجهة الفلسطينية – الإسرائيلية الأخيرة القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام العالمي والأميركي تحديداً. وإذا كان لا بد من تقويم دقيق لهذه المواجهة، فإن الوقائع تفرض الخروج باستنتاجات تتعدى خطاب النصر الإسرائيلي الرسمي، ومثيله خطاب حركة “حماس” وحلفائها في محور “الممانعة والمقاومة” الذي تتزعمه إيران، فما حققه هذا المحور لا يتخطى تسجيل خطوة إضافية في محاولة الهيمنة على القرار الفلسطيني واحتكار المقاومة، وهذه المحاولة مستمرة منذ السيطرة على قطاع غزة والانفراد في حكمها وطرد حركة “فتح” منها عام 2007. ولم تكن الحروب الدورية المتتالية مع إسرائيل إلا طريقة لتعزيز موقع التنظيم من دون التفات فعلي إلى المصالح العليا للشعب الفلسطيني.
وفي المعركة التي انتهت قبل أيام اتضحت هذه الأهداف الداخلية، وانكشفت المواقف الفعلية للرعاة الإيرانيين، الذين ما انفكوا منذ سنوات عن التهديد بتدمير إسرائيل وإزالتها من الوجود، تارة في أيام وطوراً في سبع دقائق ونصف الدقيقة. وقد وفرت ظروف الصدام الأخير فُرصاً لا تتكرر لتحويل التهديد إلى وقائع وترجمته على الأرض، ومن يستمع إلى خطابات أركان المحور الممانع في وصفهم لمجريات الاشتباك والانهيار الذي بلغته الجبهة الداخلية في اسرائيل، يتساءل كيف أهدر هذا المحور فرصة تاريخية ربما لا تتكرر للإجهاز نهائياً عليها؟ أو على الأقل إجبارها على تغيير نهجها؟
وبحسب الخطابات المذكورة على لسان قادة “حماس” والحوثي و”حزب الله” وأركان “الحشد العراقي”، فإن المقاومة في غزة ألحقت هزيمة قاسية بالعدو، وأربكت حركته على امتداد فلسطين التاريخية، ولم يكن ينقص استكمال المعركة سوى مساندة عملية بقيادة إيران، عبر فتح الجبهات في لبنان والجولان، أو من ايران نفسها، حيث نفوذ “المحور المقاوم” قائم عبر الميليشيات الموالية المزودة بآلاف الصواريخ .
لكن الجبهات لم تفتح للمساندة، وبعيداً من خطابات الدعم والشكر حدثت أمور أخرى ليست في مصلحة المحور المذكور، ولا في مصلحة القيادة السياسية الإسرائيلية، وعلى رأسها رئيس حكومة تصريف الأعمال بنيامين نتنياهو، الطامح للاستمرار في منصبه .
أحيت المواجهة صفحة جديدة من الوطنية الفلسطينية عنوانها الدفاع عن المنزل والأرض، وفرضت مجدداً على جدول الأعمال الدولي ضرورة إيجاد حل نهائي للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني على قاعدة الدولتين، بالاستناد إلى القرارات الدولية والعربية، خصوصاً مبادئ مبادرة السلام العربية .
كانت الولايات المتحدة الأميركية انتهجت أثناء إدارة الرئيس دونالد ترمب سياسة الإلغاء تجاه الفلسطينيين، ولم يبد الرئيس جو بايدن اهتماماً بالصراع، وكانت أولوياته في المنطقة ولا تزال إعادة إحياء الإتفاق النووي مع إيران، غير أن الانفجار الشعبي والعسكري على أرض فلسطين اضطره إلى تعديل اهتماماته .
تدخل بايدن شخصياً في مجريات الأحداث دعماً لإسرائيل، لكنه ألحّ على وقف اطلاق النار، وأوفد وزير خارجيته أنتوني بلينكن في جولة إلى المنطقة للقول إن أميركا عادت بسياسة جديدة. وخلال الجولة أعلن بلينكن أن بلاده ستعيد فتح قنصليتها في القدس الشرقية، وستسهم في مساعدة الفلسطينيين وفي إعادة إعمار غزة .
وذهب الوزير الأميركي إلى إبداء عزم بلاده العمل على كسر حلقة العنف، وأعلن أن التعايش بين الدولتين هو أفضل طريقة لتحقيق السلام. كان هذا الكلام جديداً على مسامع العرب، خصوصاً القيادة الفلسطينية، ومع أن خطة أميركية للتحرك السياسي لم تتبلور بعد، فإن العودة الأميركية إلى الساحة كانت العنصر الجديد المميز في أعقاب المواجهات .
العنصر الثاني كان الدور المصري البارز في التوصل الى الهدنة، وهذا الدور أسهم في إعادة الحيوية إلى العلاقات الأميركية – المصرية، وفي تأكيد الحضور المصري الفاعل في غزة وحاجة فصائلها إليه، وتستكمل مصر جهودها في سلسلة اتصالات ربما تتوج باجتماعات فلسطينية – إسرائيلية في القاهرة .
استعادة الاهتمام الأميركي والدور المصري الفاعل في توطيد الهدنة يلقيان ارتياحاً عربياً ودولياً، وسيتحول هذا الارتياح إلى التزامات أقوى عندما تستعيد عملية السلام المتوقفة زخمها، وتنتقل مساعي التهدئة إلى مرحلة الانخراط في إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، ولا شك في أن لقاء القمة الروسي – الأميركي بعد نحو أسبوعين سيتطرق إلى هذه المسألة. وفي الأجواء الأولية المريحة لعلاقات الطرفين يمكن توقع إعطاء دفعة لـ “الرباعية” الدولية المكلفة البحث في إرساء السلام في المنطقة .
انتهت جولة جديدة من الصراع، فانكفأ رعاة “محور المقاومة”، وبقيت مقاومة الشعب الفلسطيني لتستعيد اهتمام أصحاب الشأن والتأثير.