مقاييس جمال النساء من الأقدام المطوية إلى نفخ الشفاه


اختلفت المعايير من عصر إلى آخر وتنوعت بتنوع الثقافات

أمينة خيري صحافية 

خرجت الغندورة إلى الدنيا برقبة زرافة بعد تزاوج الريح وأنثى التنين التي فرحت لحملها، فأخذت تدور في دوائر جعلت النساء يرتدين الأطواق الثقيلة حول رقابهن، وكلما زاد طول الرقبة، زاد الجمال، وزاد الخُطّاب في تايلاند وميانمار، وغيرهما في جنوب شرقي آسيا.

اختلاس النظر

الخطيب زوج المستقبل يختلس النظر إلى الشفاه مصدر القبلات المرجوة، وكلما زاد حجم الفم زاد مجال القبلة، ومن هنا جاء صحن الفخار الصغير الذي يتم دسه في فم الصغيرات ويبقى في مكانه سنوات حتى إذا جاء وقت البلوغ والعرض في سوق الزواج، اتسعت الخيارات المطروحة لزوج المستقبل في إثيوبيا، الذي كثيراً ما يبحث عن كتل شحم وجبال دهن يغوص فيها، وهو ما يفسر سبب تربع المرأة التي اكتنزت لحماً وامتلأت شحماً ملكة على عرش النساء قروناً طويلة في ثقافات عديدة.

تعدد ثقوب الأذن والأنف تلجأ إليه فتيات ونساء على سبيل التجمل والتزين، لكن أن تعمل الفتاة على توسيع ثقب الأنف حتى يتسع لوضع سدادة عصا كاملة، أو يتم ربط حجر في شحمة الأذن لتتمدد حتى تصل إلى ما بعد الكتفين، أو يتم شق جروح بأشكال هندسية على الوجه، فهذه سبل أكثر تشدداً أو تطرفاً في التجمل والتزين أملاً في الوصول إلى معايير الجمال “المثالية”.

من المثالية ما قتل

تقييد أقدام الأطفال من الإناث منذ بلوغهن سن الخامسة أو أقل لمنعها من النمو حتى تطابق مقاييس الجمال والجودة الأنثوية التي يفضلها الرجال حدث بالفعل. ولم يقع الأمر في غفلة من الزمن لشهر أو عام أو بضعة أعوام، لكن على مدى قرون من الزمان كان خلالها أحد أبرز وأهم معايير جمال المرأة في الصين هو القدمان الصغيرتان بشكل مبالغ فيه لدرجة تصل معها إلى 10 سنتميترات، هي طول قدم امرأة بالغة!

قصص المنشأ كثيرة، وتواريخ الأصل عديدة، لكن ما يهم هو أن ملايين النساء الصينيات عشن وكبرن وعملن وتزوجن ومتن وهن يعانين آلاماً مبرحة وتقلصات رهيبة وتشنجات جمة وهن يعتقدن أنها جزء لا يتجزأ من الحياة الطبيعية لنساء الصين في عصر سلالة سونغ التي عاشت بين عامي 960 و1279، تشير إلى أنه كان يتم ربط قدمي النساء بقطع من القماش شديد الصلابة وبشكل بالغ الإحكام منعاً لنموها!

عادة الطي

الكاتبة الصحافية البريطانية أماندا فورمان تحكي ما اكتشفته في الصين أثناء عملها مع “بي بي سي” لإنتاج حلقات توثيقية عن تاريخ النساء في أرجاء عدة من العالم. تقول إن ما وجدته وما زال يطاردها حتى اللحظة هو ما اكتشفته أثناء العمل على هذه الحلقات التوثيقية في الصين، حيث كان الفريق التلفزيوني يبحث في التغيرات الاجتماعية التي طرأت على نساء الصين بدءاً من نهاية القرن الـ13 الميلادي. وتضيف أنها وأعضاء فريق العمل زاروا متحفاً هناك يحوي قبر هوانغ شنغ زوجة أحد أفراد العشائر الإمبراطورية التي توفيت عام 1243، حيث شاهدوا حذاء دمية مطرزاً مع شروح عن عادة “طي الأقدام” التي كانت سائدة في الصين.

استأذنت فورمان أمين المتحف الذي أخرج لها حذاء الدمية لتمسكه بيدها أثناء تصوير أحد المقاطع. وقالت فورمان إن عادة طي أقدام النساء في الصين على ما يبدو كانت تهدف إلى التشبه بأقدام متناهية الصغير تدخل في أحذية دمى كهذه، ثم رفعت الحذاء على سبيل الدعابة، لكن الدعابة انقلبت إلى صدمة لها حين أخبرها أمين المتحف أن ما كانت تمسكه في يدها هو حذاء السيدة شنغ وليس دميتها.

إنها أقدام اللوتس الذهبية. إنها الأقدام التي تقف على طرف نقيض من أقدام كلوي كارديشيان، أيقونة الجمال، وهايدي كلوم، عارضة الأزياء المثيرة، وسيندي كروفورد، عارضة الأزياء الأسطورة، وغيرهن من الجميلات صاحبات الأقدام مقاس 41 و42.

أقدام اللوتس

إنها أقدام اللوتس الذهبية (نسبة إلى زهرة اللوتس) التي يقال إن بدايتها كانت في القرن العاشر على يد، أو بالأحرى على قدم، راقصة صينية تدعى ياو نيانغ، اعتادت ربط قدميها على هيئة هلال أثناء رقصها للإمبراطور لي يو. وحيث إن طي الأقدام ارتبط بأفعال وأفكار ذات طابع جنسي، فقد بدأ هذا التقليد ينتشر لتقتدي به نساء القصر وغيرهن ممن يملكن المال والوقت لطي الأقدام، لتصبح الأقدام المطوية (المشوهة) رمزاً من رموز الطبقات المخملية في الصين.

لكن تحقيق المظهر المخملي لم يكن ذا ثمن مادي فقط، بل مؤلم بالغ الجسامة. مقادير “قدمي اللوتس” وطريقة صنعهما تبدأ بغمس القدمين في الماء الساخن وقص الأظافر، ثم تدليكهما جيداً قبل كسر كل الأصابع ما عدا الإصبع الكبيرة. ثم يتم دس الأصابع المكسورة أسفل القدم في شكل مثلث، ويتم الضغط بشدة على قوس القدم حتى يتسنى طي القدم مرتين قبل ربطها بحبل من الحرير طوله 10 أقدام وعرضه بوصتان. ويجري إزالة الحبل كل يومين لمنع تجلط الدم. وأحياناً كان يتم قطع اللحم الزائد. وكانت الطفلة تجبر على المشي مسافات طويلة حتى يتم كسر قوس القدم بسرعة. وبعد نحو عامين، يكون شكل القدم قد أصبح “مثالياً”، حيث إن القدم تم سحقها في شكل مثلث، ولا يظهر منها إلا الإصبع الكبيرة، إذ إن بقية الأصابع مغروسة أسفل القدم مع وجود شق عميق في الثلث الأخير منه.

أقدام مطوية وأيادٍ شابة

لكن كتاب “أقدام مطوية، أيادٍ شابة” للأميركيتين لوريل بوسين وهيل غايتس، يشير إلى سبب آخر لطي أقدام النساء في الصين قديماً، وهو سبب يتعلق بالمردود الاقتصادي. ترجح المؤلفتان أنه كان يتم طي أقدام النساء ليهبن حياتهن لخدمة الاقتصاد، أي العمل الشاق ولا شيء غير العمل اليدوي. الجلوس لساعات طويلة منذ نعومة الأظافر للحياكة والتطريز والغزل ممكن في سن الطفولة حين تشعر الصغيرة بأنها مقيدة بسبب صعوبة الحركة أو بسبب الألم الشديد حال الحركة. ويحكى أن اقتصاد العديد من القرى الصينية كان قائماً على الأعمال اليدوية وهو ما شجع تثبيت وتجذير طي أقدام الإناث.

مقياس الجمال

لكن تظل نظرية مقياس الجمال المتمثل في القدم متناهية الصغر هو الأكثر شيوعاً وترجيحاً. وسواء كان طي الأقدام بغرض جذب أنظار الرجال وتعظيم فرص الفتاة في الحصول على الرجل المناسب، أو بغرض تركيز الجهد والوقت في العمل الشاق لخدمة الاقتصاد، فإن النتائج المترتبة على الأفخاذ والأرداف واحدة. إنه التشوه الكامل شكلاً، والألم الجم مدى الحياة. فتغيير شكل القدمين بهذه الطريقة الجذرية يؤدي إلى اعتماد الفتاة على الفخذين والأرداف أكثر ما يؤدي إلى التهاب الأوردة والمفاصل وتورمها، ناهيك باعوجاج الساقين وتأثر الجسد بأكمله شكلاً وألماً.

ملايين النساء في الصين فقدن القدرة على المشي بشكل سليم، أو حتى الوقوف، لكن أحداً لم يجرؤ على الخروج على التقليد أو معارضة معيار الجمال الضامن لزوج جيد. حتى حين أقدم الإمبراطور كانغشي الذي حكم بين عامي 1661 و1722 على حظر هذا الإجراء عام 1662، عاد وسحب القرار عام 1668 بعد أن اكتشف أن الغالبية ما زالت تمارسه.

المبشرون والازدراء

المعارضة الحقيقية لطي أقدام النساء حدثت على أيدي المبشرين بالمسيحية في الصين الذين جاهروا بالقول إنه إجراء قاسٍ، وبدأت دول عدة في العالم تنظر إلى الصين بازدراء بسبب هذه النظرة الدونية للمرأة والتعامل بالغ القسوة معها لإرضاء أذواق الرجال. وبعد ثورة “شين هاي” عام 1911، صدر قرار بمنع الإجراء عام 1912، لكن العادة لم تتوقف فعلياً إلا عقب تدشين جمهورية الصين الشعبية عام 1949.

ولأن العادات والتقاليد كثيراً ما تكون أقوى وأعتى وأعنف من القوانين والقرارات، وتماماً كما تصر عائلات عدة على إخضاع بناتهن لعمليات تشويه الأعضاء التناسلية بهدف “العفة” والمسماة بـ”الختان” على الرغم من تجريمها في دول مثل مصر، فإن عائلات عدة أيضاً في الصين ظلت مستمرة في طي أقدام بناتها سراً. ليس هذا فقط، بل كان البعض يسارع إلى لف أقدام الصغيرات المطوية بأقمشة لتبدو أكبر حجماً وسدها في أحذية كبيرة قبل قدوم مفتشي الحكومة الذين كانوا يجولون البيوت للتأكد من أن العادة لم تعد تمارس.

الفوز بزوج ثري

المضحك المبكي المؤلم في آنٍ هو أن عديداً من النساء من صاحبات الأقدام المطوية، واللاتي نجحن في تحقيق المنى والمراد والحصول على زوج ثري يبحث عن زوجة بأقدام دمية عشن بالفعل حياة مرفهة بالغة الثراء، لكن جاء الحزب الشيوعي الصيني ليصادر هذه الأموال وتعيش النساء مطويات الأقدام ليس فقط فيما يشبه الفقر المدقع، حيث إن الجميع سواسية، ولكن محدودات الحركة مقيدات المجهود نظراً لآلام الأقدام والأرجل والعمود الفقري.

اليوم رحلت عن عالمنا أغلب النساء مطويات الأقدام. بعضهن عاش ليعاصر تغير معايير الجمال ومقاييس جذب الأزواج. عاصرن كذلك ثورة البعض على تشييء النساء وتحويلهن إلى سلع يسهل تطويعها لجذب الزبون: قصيرة طويلة نحيفة ممتلئة سمراء شقراء، إلخ، لكن أغلبهن لم يلحقن بقطار نفخ الشفاه وحقن الخدود وشفط البطون وضخ الناتج في الأرداف ونحت القوام نحتاً.