كورونا يوجه ضربة موجعة لنمو الاستثمارات العالمية


انخفاض معدلات الإنتاج وتراجع التصنيع على امتداد عام 2020 بسبب الإغلاقات وتداعيات اضطراب اللقاحات

كفاية أولير صحافية 

كان عام 2020 عاماً استثنائياً لا مثيل له في التاريخ الحديث، ولم يكن قطاع الصناعات بمعزل عن باقي القطاعات الاقتصادية التي وجهت لها جائحة كورونا ضربة موجعة، وتسببت الجائحة في خفض معدلات الإنتاج، وتسبب الإغلاق القسري في الأشهر الأولى من تفشي الوباء في إغلاق مصانع العالم (باستثناء مصانع إنتاج الأغذية والمشروبات)، بانخفاض كبير في مستويات العمالة الصناعية، وبحسب توقعات مؤسسة “ديلويت للاستشارات العالمية”، فقد يستغرق التعافي الصناعي وقتاً أطول للوصول إلى مستويات ما قبل الجائحة، كما توقعت حدوث انخفاض في مستويات نمو الناتج المحلي الإجمالي الصناعي السوي للعالم لعامي 2020-2021. ووفقاً لتقدير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، يمكن أن يتسبب تفشي كورونا في تقلص الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي بنسبة خمسة إلى 15 في المئة، بسبب الانخفاض في قطاع التصنيع على امتداد عام 2020، ومن المتوقع أن تكون الآثار السلبية لأزمة كورونا كبيرة على استثمارات الاستثمار الأجنبي المباشر عالية في صناعات الطاقة والسيارات وشركات الطيران.

3.5 في المئة نمواً متوقعاً لقطاع الصناعات بالعالم في 2021

ولكن مع ولادة عديد من اللقاحات وانتشار معدلات التطعيم وإن كانت متباينة في مناطق العالم، أصبحنا نشهد انتعاشاً في القطاع الصناعي (على الرغم من أن الكثير من المصانع في الدول التي تشهد اليوم اجتياحاً ثانياً وثالثاً للوباء لا تزال تترنح). وتوقعت “ديلويت” نمو قطاع الصناعات في العالم بنسبة 3.5 في المئة في عام 2021 من تراجع سلبي بنسبة (-6.3 في المئة) في عام 2020، هذا الترنح وجه العالم مجدداً نحو الصين “مصنع العالم ” التي حولت جل مصانعها لإنتاج اللقاحات الصينية، فهل تعلم العالم درساً من الأزمة بضرورة تنويع مصادر الإمدادات وعدم الاعتماد على مصدر واحد؟ وبخاصة أننا رأينا كيف أغلقت شركات عملاقة في أميركا وأوروبا أبوابها بعد إغلاق المصانع الصينية أبوابها، حيث كانت تعتمد عليها في تصنيع المكونات الدقيقة والتقنية للسيارات والأجهزة الإلكترونية، وغيرها. ونتساءل في هذا التقرير إن كانت صناعة اللقاحات ستُهيمن على صناعات العالم الأخرى مع جائحة تصبح يوماً بعد يوم أشد ضراوة.

ومع انتشار الوباء، صدرت شركات اللقاحات الصينية مئات الملايين من الجرعات إلى الخارج وسارعت إلى توسيع طاقتها، وفي مطلع مايو (أيار) الحالي، قالت روسيا إنها ستتجه للعديد من الشركات الصينية لتصنيع لقاح “سبوتنيك” في محاولة لتسريع الإنتاج مع تزايد الطلب على اللقاح الروسي، وأعلنت روسيا عن ثلاث صفقات بإجمالي 260 مليون جرعة مع شركات لقاحات صينية في الأسابيع الأخيرة بحسب ما أوردته “أسوشييتد برس”، القرار الروسي يعني وصولاً أسرع للقاح الروسي المتجه لبلدان أميركا اللاتينية والشرق الأوسط وأفريقيا، وبخاصة مع زيادة الطلب عليه، في ظل تركيز الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل أساسي على تغطية احتياجات التطعيم المحلية.

الهند ستبقى صيدلية العالم

باراس شهدادبوري، رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات “نيكاي”، قال لـ”اندبندنت عربية”، إن الهند ستبقى، ولا تزال، “صيدلية العالم”. وأضاف أن كورونا تسبب بأزمة غير مسبوقة لا يمكن تخيلها، ولم يتوقع أحد على الإطلاق حصول أزمة من هذا النوع، وهي أكبر أزمة صحية يمر بها العالم منذ 100 عام، حيث كانت الإنفلونزا الإسبانية آخر وباء اجتاح العالم في عام 1918، وكان تعداد سكان العالم في ذلك الوقت 500 مليون نسمة، واليوم تعداد السكان 7.5 مليارات نسمة، والحقيقة أنه لم تكن أي دولة في العالم مسلحة للتعامل مع تداعيات هذه الأزمة الكبيرة، ولكن في نهاية الأمر كان على دول العالم التعامل معها.

وتابع شهدادبوري، “ليس كل مدن الصين اجتاحها كورونا. لقد تفشى الوباء في مدينة ووهان، وتأثرت بعض المدن الصينية، والبعض الآخر لم يتأثر على الإطلاق، وحتى الولايات المتحدة أكبر اقتصاد في العالم لم تتمكن من التعامل مع الجائحة في ذروة انتشارها وسجلت فيها حالات وفاة وإصابات كبيرة، وكذلك الحال في دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة”.  ولفت إلى أنه في العام الماضي كانت المصانع الهندية تنتج ملايين اللقاحات لدول العالم، وزودت العديد من الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بأدوية مهمة مثل “الكلوروكين”، و”هيدروكسي كلوروكوين” للمساعدة في التخفيف من حدة المرض قبل أن تخرج اللقاحات للعالم، ولقد نجحت الحكومة الهندية، أكثر من عام، في احتواء الوباء في دولة يصل تعداد سكانها إلى 1.400 مليار نسمة في وقت كان فيه الوباء قد اجتاح معظم مناطق العالم.

المصانع الهندية تحولت لإنتاج اللقاحات

وقال رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات “نيكاي”، إن المصانع في الهند اتجهت لتصنيع اللقاحات مع ارتفاع الإصابات والوفيات في الهند في الأسابيع الماضية لكون توفير اللقاح يعد أولوية في الوقت الحاضر، ولكن المهم الإشارة إلى أن مصانع الأغذية والسلع الأخرى لم تتوقف، وليس كل المصانع قد تحولت لإنتاج اللقاح، فالمصانع التي تحولت لإنتاجه تلك التابعة لشركات الأدوية العملاقة التي وجهتها الحكومة لإنتاج اللقاح، ولكن في الوقت الحالي وبسبب الارتفاع الكبير في الإصابات، لا يمكن  للمستشفيات الحكومية التي تقدم اللقاحات مجاناً أن تتعامل وحدها مع هذا الطلب الهائل على اللقاحات، بالتالي تقوم شركات من القطاع الخاص بإنتاج اللقاح مقابل مبلغ زهيد. وأضاف أنه عندما نتحدث عن تطعيم 7.5 مليار نسمة في العالم فنحن نتحدث عن ضرورة توفير 15 مليار لقاح باعتبار أن هناك جرعتين لكل لقاح باستثناء لقاح “جونسون أند جونسون” الذي يتطلب جرعة واحدة، بالتالي لا يوجد مصنع في العالم قادر على إنتاج هذا الكم الهائل من اللقاحات، ومع أن الهند لا تزال (مصنع العالم)، ولكن بالنظر إلى تعداد سكانها، كان عليها اللجوء لتأمين اللقاحات من مصادر أخرى مثل الصين والولايات المتحدة وأوروبا.

وعن الربحية الضخمة التي تحققها شركات إنتاج اللقاحات، قال إنه أمر محزن أن تتجه شركات إنتاج اللقاحات لتحقيق مليارات الدولارات من هذه المأساة التي خلقتها الجائحة، وبالنظر إلى الهند، لا يزال سعر اللقاح زهيداً جداً، لا يتجاوز 10 دراهم (2.72 دولار).  وفي الإمارات يقدم اللقاح للمواطنين والمقيمين مجاناً، ولكن للأسف، الكثير من الشركات في العالم تسعى لتحصيل ثروات طائلة من هذه المأساة الإنسانية.

عوائد بالمليارات وبناء مزيد من المصانع لإنتاج اللقاحات

ووفقاً لـ”مورغان ستانلي” من المتوقع أن تحقق شركة “فايزر بي” 19 مليار دولار من عائدات لقاح كورونا في عام 2021، علاوة على عائدات اللقاح المقدرة بـ975 مليون دولار في عام 2020. ومن المتوقع أن تحصل الشركة على 9.3 مليار دولار أميركي إضافية من عائدات اللقاح مجتمعة في عامي 2022 و2023 مع استمرار تلقيح العالم، بحسب توقعات “مورغان ستانلي”، وكانت “فايزر بي – بيوتيك”، قد وعدت بما لا يقل عن ملياري جرعة في عام 2021، حيث تنتج مواقع “فايزر بي” في الولايات المتحدة وبلجيكا حالياً نحو نصف هذه الجرعات، بينما تصنع “بيونتيك” النصف الآخر. وأدت الترقية في منشأة شركة “فايزر بي” في بلجيكا إلى توقف الإنتاج مؤقتاً لمدة أسبوعين في وقت مبكر من هذا العام، واستغرقت مصانع “فايزر بي” في ميشيغان والولايات المتحدة وبلجيكا وقتاً أطول من المتوقع.

وأعلنت “أسترازينيكا” أنها أقامت التصنيع في 15 دولة و25 موقعاً، بما في ذلك اتفاقية ترخيص مع معهد “سيروم” في الهند، لتزويد اللقاح في جميع أنحاء العالم، على الرغم من أن الشركة أكدت أن مشاكل الإنتاج ستقلل عمليات التسليم المخطط لها للقاحات إلى الاتحاد الأوروبي، ويُقال إن العائد من منشأة التصنيع في بلجيكا، المملوكة لشركة “نوفاسيب هولدينغ”، أقل بكثير مما كان متوقعاً، وأخبرت شركة “جونسون أند جونسون”، الاتحاد الأوروبي أن لديها مشكلات في الإمداد تتعلق بالمكونات والمعدات، لذلك قد تواجه صعوبة في تسليم الجرعات الموعودة إلى أوروبا بحلول نهاية يونيو (حزيران) بحسب موقع “كيميستري وورلد دوت كوم” المختص بتقارير تصنيع الأدوية واللقاحات.

لن تبقى الغلبة لصناعة اللقاحات

من جانبه، استبعد المحلل في أسواق المال عميد كنعان، أن تبقى الغلبة لصناعة اللقاحات بعد زوال الجائحة، لكنه قال إن 2021 كان عام تصنيع اللقاحات بامتياز، ورأى أن صناعة اللقاحات في العالم أصبحت اليوم مسيسة بدرجة كبيرة، فعلى سبيل المثال، الاتحاد الأوروبي لم يعترف حتى الآن باللقاح الصيني “سينوفارم”، أو الروسي “سبوتنيك”، وأعلن أن الراغبين في السفر لدوله الـ27 يحتاجون لتلقي اللقاحات الأوروبية والأميركية التي اعترفت بها منظمة الأدوية الأوروبية والأميركية، وكذلك فعلت الولايات المتحدة، بالتالي هناك عملية تسييس كبيرة للقاحات.

وقال كنعان، إن الصراعات في عالم صناعة اللقاحات والأدوية سياسية تفرض نفسها، وأضاف أنه في توقيت الجائحة خرجت للعالم لقاحات أوروبية وأميركية وروسية وصينية، بالتالي إنتاج وتوزيع اللقاحات وشروط التلقيح المرتبطة بالسفر هي الأخرى سياسية.

وتحدث المحلل في أسواق المال عن نقطة مهمة تتمثل في كفاءة اللقاحات، وقال إن هناك لقاحات تجاوزت كفاءتها 90 في المئة أو أكثر في بداية الإعلان عنها، واليوم تتراجع لنحو 50 في المئة ما يتطلب تطعيمات ثالثة مثل “سينوفارم” الصيني الذي يقدم اليوم لقاحاً ثالثاً لمن تلقوا جرعتين من هذا اللقاح لتدعيم مستويات المناعة في الجسم، أيضاً اللقاحات الأوروبية خرجت تقارير عن عوارض جانبية خطيرة لبعضها، بالتالي كل ما يقال من أحاديث أو شائعات بشأن اللقاحات يطغى عليه الجانب السياسي، ولكن بشكل عام، وبحسب التقارير العالمية التي تخرج لنا، من المتوقع أن يخرج العالم من براثن الوباء في النصف الأول من عام 2022، وأن يعود العالم لحالة الاستقرار. وتابع أن قضية اللقاحات شكلت درساً كبيراً لجميع الأنظمة الصحية في العالم، وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية، وللمصانع بضرورة الاستعداد لأوبئة قادمة قد تجتاح العالم مستقبلاً.

لقاح “حياة – فاكس” إماراتي الصنع

ويعتقد كنعان أن صناعة اللقاحات محصورة في ظروف معنية وتوقيت معين، وهو تفشي وباء كورونا الذي أجبر العالم أن يتجه بثقلة لعمليات تصنيع وإنتاج اللقاحات، والتي لن تسيطر، على حد قوله، على الصناعات التقليدية، وتوقع أن تكون هناك تخصصات لصناعة اللقاحات بعد أن تتراجع معدلات انتشار الجائحة في العالم. أضاف كنعان أنه في مارس (آذار) الماضي، أعلنت الإمارات عن بدء إنتاجها لقاحاً مضاداً لفيروس كورونا داخل الدولة، وأطلقت عليه اسم لقاح “حياة – فاكس”، وهو أول لقاح محلي الصنع، وتصنيع اللقاح تم بواسطة “سي أن بي جي 42” إحدى أكبر شركات الأدوية في العالم، وهي شركة مشتركة تم إنشاؤها حديثاً بين شركة “سينوفارم سي أن بي جي” إحدى أكبر شركات الأدوية في العالم، والتي وفرت أكثر من 100 مليون جرعة من اللقاح على مستوى العالم، وشركة “جي 42” الإماراتية البارزة في مجال التكنولوجيا في أبوظبي.

وتابع كنعان أن صناعة اللقاحات لن يكون لها السواد الأعظم، ولن تطغى على باقي الصناعات الأخرى، فهي استثناء، وارتبطت بظروف معينة، وهي ظروف تفشي كورونا، وعندما تستقر الأمور سيكون لقاح كورونا مثل اللقاحات الأخرى كلقاح الإنفلونزا الذي يعطى سنوياً.

وكانت وزارة الصحية المصرية أعلنت في مارس الماضي، عن التوجه لتوقيع اتفاقية مع شرك “سينوفاك” الصينية لبدء تصنيع لقاحات فيروس كورونا في مصر من خلال الشركة القابضة للمنتجات البيولوجية واللقاحات (فاكسيرا)، ولم تحصل مصر على اللقاح الصيني “سينوفاك”، لكنها حصلت على 650 ألف جرعة من لقاح “سينوفارم” الصيني.