الذين يملكون القوة ويتحكمون بالسلطة في لبنان هم أصحاب المشروع الإيراني
رفيق خوري كاتب مقالات رأي
كان شكسبير يقول، “الأحزان لا تأتي فرادى”. والواقع يؤكد لنا أن المصائب في زحام على لبنان. ولا حدود لتوريط البلد المأزوم في الإساءة إلى نفسه وتراثه قبل الإساءة إلى أشقائه العرب وأصدقائه الدوليين.
توريطه في سياسات تدفعه إلى الغرق وتمنع محاولات إنقاذه. توريطه في مواقف تؤذي مواطنيه في الداخل وتهدد مصالح العاملين منهم في الخارج وهم بمئات آلاف في الخليج. وتوريطه في خدمة مشروع إقليمي ضد طبيعته ومعاد للعرب والغرب.
شيء من تهريب الكبتاغون داخل الرمان إلى السعودية التي أوقفت دخول الصادرات الزراعية من لبنان، وهي جزء من الصادرات التي تزيد قيمتها على أربعمئة مليون دولار. وشيء من القصف السياسي على الرياض. قصف مركّز ومستمر في خطب السيد حسن نصر الله الأمين العام لـ “حزب الله”، لا يخف إلا عندما تحاور إيران السعودية. وقصف مفاجئ من القلعة التاريخية للدبلوماسية اللبنانية قام به وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة.
وكالعادة، حين غضبت المملكة ومعها مجلس التعاون الخليجي، وسلمت السفير اللبناني في الرياض مذكرة احتجاج واستنكار، سارعت السلطة إلى محاولة الاستدراك بعذر أقبح من ذنب. رئاسة الجمهورية أعلنت أن ما قاله الوزير هو موقف شخصي لا يمثل سياسة الدولة.
وليس هناك شيء اسمه موقف شخصي لوزير خارجية، ما دام في المنصب، ولم يصبح خارج الوزارة أو أُجبر على الذهاب إلى بيته. والوزير حاجج بأنه لم يذكر أية دولة بالاسم، ثم اعترف بالخطأ، واعتذر، وطلب إعفاءه من منصبه، لكن التوصيف الذي استخدمه الوزير كان أوضح من التسمية على طريقة أغنية فيروز، “سمّى الجيرة وسمّى الحيّ ولولا شوية سماني”.
والإشارة إلى “البدو” سقطة أخلاقية في بلد تحكمه سياسة القبائل. فلا مجال لسوء الفهم في قول الوزير، “في المرحلة الثانية جاء الدواعش. أتت بهم دول أهل المحبة والصداقة والأخوة. دول المحبة جلبت لنا داعش وزرعته في سهل نينوى والأنبار وتدمر”.
وليس هذا الكلام تغريدة من خارج السرب الذي يتبع له الوزير. فهو ما يكرره سراً وأحياناً علناً المنتمون إلى “محور الممانعة” الذين كانوا ولا يزالون يدّعون أن “داعش” “صناعة أميركية – سعودية، إسرائيلية” مع أن واشنطن والرياض في طليعة الذين دعموا الحرب على “داعش”. فضلاً عن أن الموقف الخطر والخطير الآخر لشربل وهبة ليس فقط الدفاع عن سلاح “حزب الله” الذي هو خارج الشرعية، بل أيضاً الاستخفاف بالانهيار الاقتصادي. إذ وضع معادلة غير واقعية هي الخيار بين الانهيار الاقتصادي وانهيار السيادة التي يحميها سلاح “حزب الله”، فاختار الحفاظ على السيادة، مع معرفته بأنه لا سيادة لبلد منهار اقتصادياً. وفضلاً أيضاً عن قوله “إن سلاح حزب الله يتحمل مسؤوليته حزب الله” كأن لبنان “منطقة حرة” أو “أرض للإيجار”.
والمسألة ليست السعي لترقيع غلطة الشاطر وهبة. فالترقيع صار صعباً. ونحن مع الأشقاء والأصدقاء في الحال التي وضعها شاعر عربي قديم بالقول، “اتسع الخرق على الراقع”. ونحن في بلد منقسم سياسياً بين فريق متمسك بهوية لبنان وجوهره وعروبته، وفريق يريد الوصول إلى لبنان آخر مختلف. فريق مع “النأي بالنفس” عن صراعات المحاور وحتى مع “الحياد” الذي ينادي به البطريرك الماروني بشارة الراعي ودعوته إلى مؤتمر دولي لإنقاذ لبنان، وطبعاً مع التمسك بالشرعية العربية والشرعية الدولية. وفريق مع “محور الممانعة” وهو اسم مستعار للمشروع الإقليمي الذي تعمل له جمهورية الملالي ليضم العراق وسوريا ولبنان واليمن وبلداناً أخرى، على حساب العرب والعروبة والوطنيات في هذه البلدان. والطرف الذي يملك القوة ويتحكم بالسلطة هو فريق المشروع الإيراني.
وحجر الأساس في مشروع الإنقاذ هو تغيير اللعبة السياسية واللاعبين بالانتخابات وكل الوسائل الديمقراطية، إن لم تكن تسوية الانقسام السياسي ممكنة. والحاجة كبيرة في هذا المجال للخروج من الحسابات الفئوية بين المؤمنين بأهداف استراتيجية واحدة إلى التحالف ضمن جبهة إنقاذ واسعة.
لكن، الحاجة أكبر إلى دعم الأشقاء العرب والأصدقاء الدوليين، كما إلى دورهم المهم في الوطن الصغير، بحيث لا يتم تركه وحيداً في مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد والمحمي بالسلاح، والنفوذ التركي الذي لا يزال محدوداً، والخطر الإسرائيلي المرشح للاستمرار من دون التوصل إلى تسوية شاملة للصراع العربي – الإسرائيلي.
ولبنان ليس بلا دور في العالم العربي، وهو كان جامعة العرب وثقافتهم ومسرحهم وموسيقاهم وأدبهم وشعرهم.
المقاله تعبر عن راي كاتبها