خطفت المواجهات في مدينة اللُّد وغيرها من المناطق داخل إسرائيل، الأضواء من الاحتجاجات في القدس والتصعيد في غزة، أبطالها مواطنون إسرائيليون في الأوراق فلسطينيون في الهوية، تطلق عليهم الدولة العبرية اسم “عرب إسرائيل”، فيما يفضلون هم تسميتهم “فلسطينيي الداخل” أو “فلسطينيي 48” تذكيراً بسنة النكبة.. فما قصتهم؟
عام 1948، حين أُعلن “قيام إسرائيل” إبان النكبة، هُجّر قرابة مليون فلسطيني من أراضيهم، لكن 120 ألفاً فقط بقوا وفشلت إسرائيل بطردهم، فيما تمكن آخرون من العودة خلال سنوات قليلة، قبل إغلاق إسرائيل الباب نهائياً بوجههم عام 1952، عبر قانون سنّه الكنيست يمنعهم من الدخول كمواطنين أو حتى سكان.
وبموجب هذا القانون، مُنحت الجنسية الإسرائيلية لكل من أقام داخل “الخط الأخضر”، أي الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل وأعلنت سيادتها عليها، بمن فيهم الفلسطينيون المقيمون على أراضيهم التاريخية، الذين أُجبروا على حمل الجواز الإسرائيلي شرطاً لبقائهم.
اعتبرت الدولة الإسرائيلية الجديدة هؤلاء الفلسطينيين تهديداً لها، فأخضعتهم طوال 18 عاماً (من 1949 إلى 1966) لحكم عسكري منعهم من مغادرة قراهم بعد حلول الظلام؛ ومُنعوا من التمويل والتعلم والاستفادة من فرص العمل، وبُذلت محاولات متعمدة لعزلهم عن جذورهم الثقافية العربية وإذابتهم في المجتمع الإسرائيلي.
ومع السنوات، تكاثر الـ120 ألفاً وأصبحوا يعدّون الآن مليوني نسمة، ويشكلون 21 في المئة من عدد من يحمل الجنسية الإسرائيلية ويقيم داخل إسرائيل، حتى أن أعداد ولاداتهم فاقت أعداد ولادات الإسرائيليين اليهود لفترة زمنية طويلة، قبل أن تتساوى عام 2015.
هوية عربية
ويتمسك “فلسطينيو الداخل”، بهويتهم الثقافية الفلسطينية ولغتهم العربية وأديانهم، الإسلام والمسيحية والدرزية، وتربطهم بفلسطينيي الضفة الغربية وغزة علاقات أسرية تصعّبها المسافات والسياسات.
انبثقت منهم تيارات سياسية اختلفت على مبدأ المشاركة في الحكم الإسرائيلي رفضاً لمنحه الشرعية، حتى توصلت إلى قناعة بضرورة الانضمام إلى الكنيست للتأثير في القرار الإسرائيلي “من الداخل” لمصلحة القضية الفلسطينية. وتشكل هذه التيارات اليوم جبهة معارضة في الكنيست، وتستغل حضورها الرسمي دولياً قدر المستطاع للتأثير لمصلحة الحقوق الفلسطينية.
معاناة وتهميش
يقيم “فلسطينيو الداخل” في مدن عربية بالكامل مثل الناصرة وراهط وأم الفحم وغيرها، وأخرى مختلطة مع يهود مثل حيفا ويافا وعكا واللد وغيرها، ويعيشون تحت واقع التمييز العنصري والتهميش، لجهة الميزانيات الصغيرة المخصصة لتطوير قراهم ورفع مقومات الحياة الأساسية فيها، كبناء المدارس والمستشفيات وتأهيل البنية التحتية والمناطق الصناعية.
وزاد قانون “الدولة القومية اليهودية” الذي أقره الكنيست صيف عام 2018، تهميش فلسطينيي الداخل، كونه يعترف بـ”يهودية الدولة” ويجعلها “وطناً قومياً لليهود”، ما يضع فلسطيني الداخل قانونياً في منزلة أدنى من الإسرائيليين، فضلاً عن إقراره اللغة العبرية لغةً رسمية للبلاد وإقصائه اللغة العربية. كما يعمل المشرعون الإسرائيليون على منع فلسطيني الداخل من شراء واستئجار عقارات خارج القرى العربية، لحصر وجودهم.
لكن إسرائيل لم تنجح في عزل فلسطيني الداخل عن الخارطة الإقليمية ثقافياً، إذ لمع من بينهم أدباء كثر حملوا قضيتهم الوطنية في سطورهم وكلماتهم، مثل شاعر القضية الفلسطينية محمود درويش، والشاعر توفيق زياد، والشاعر سميح القاسم، والروائي إميل حبيبي، والسياسي رائد صلاح، وغيرهم.