تحاول تل أبيب وطهران الاستفادة مما يجري للتأثير في الملف النووي والمحادثات المحتملة مع إدارة بايدن
هدى رؤوف كاتبة
لا يمر يوم إلا وتثبت فيه تفاعلات منطقة الشرق الأوسط أن استقراره الأمني يعتمد على الفاعلين به جميعاً، وأن ما يحدث من تطورات في إحدى الدول تمتد تداعياتها إلى الدول الأخرى، كما يثبت كيفية توظيف تلك الدول للعديد من الأحداث بما يخدم مصالحها. ويأتي التصعيد الجاري حالياً في غزة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل على وقع أحداث القدس منذ أيام ليثبت الفرضيتين السابقتين.
وعلى الرغم من التصعيد العسكري في غزة ومحاولات الوساطة من الجانب المصري للتهدئة، فإن التوتر يجرى توظيفه حالياً من جانب بعض القوى الإقليمية للتأثير في ملفات أخرى، فإسرائيل وإيران يحاولان الاستفادة من أحداث غزة والقدس، للتأثير في الملف النووي الإيراني والمحادثات المحتملة مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.
فمن جهة إيران، لم تتوان عن محاولة الظهور في المشهد، فقد دعا المرشد الإيراني علي خامنئي الفلسطينيين يوم الثلاثاء إلى تعزيز قوتهم القتالية، لوقف “وحشية” إسرائيل، قائلاً إن الإسرائيليين “لا يفهمون سوى لغة القوة”.
كما جرى اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ورئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية أبلغه أن إيران تقف وراء “الكفاح الفلسطيني”. كما صرح رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية بأن توازن القوى تغيّر لصالح فلسطين أكثر من أي وقت آخر، وأكد ضرورة إنشاء تحالف استراتيجي قوي لحل القضية الفلسطينية.
وتشير المكالمة الهاتفية إلى التقارب بين “حماس” وطهران، بعد قطع العلاقات بينهما، بسبب دعم الحركة للمسلحين في سوريا ضد بشار الأسد. وعززت حينها إيران علاقاتها مع حركة “الجهاد الإسلامي” الفلسطينية، لكنها تحركت أخيراً نحو مصالحة مفتوحة مع “حماس”، وقال بعض قادة “حماس” و”الجهاد الإسلامي” إنهم تحدثوا مع المسؤولين الإيرانيين حول التصعيد الأخير.
على الرغم من الوساطة المصرية للوصول إلى هدنة، فهل تشير هذه المكالمات والاتصالات مع الإيرانيين إلى رغبة في توقيت محدد لوقف إطلاق النار، خصوصاً في ظل قيود على تحركات “حزب الله”، لأسباب ترتبط بالظروف اللبنانية السيئة أو السياق الإقليمي والمباحثات مع إيران؟
دخول تصريحات المسؤولين الإيرانيين على خط النار إنما يستهدف تسجيل حضور وموقف في الأحداث الجارية المتزامنة مع مباحثات فيينا بين الأطراف الأوروبية وإيران، التي تتخللها مباحثات غير مباشرة مع واشنطن. تريد طهران التذكير بإحدى أوراق الضغط لديها، وهي دعمها وعلاقتها بالتنظيمات المسلحة في غزة، ومن ثمّ قدرتها على التأثير في الأمن الإسرائيلي، بالتالي محاولة قدرتها على تحريك الأحداث نحو التصعيد أو التهدئة، لا سيما أن التفاوض بشأن الاتفاق النووي يستحضر الملفات الإقليمية الأخرى، منها العلاقة مع الفاعلين من دون الدول مثل “حماس” و”حزب الله” والحوثيين.
ومن المعروف أن إيران عملت منذ سنوات طويلة على جعل القضية الفلسطينية بمثابة مركز الجاذبية في خطابها المتواصل عن “المستضعفين”، وعملت على دعم عدد من الحركات الفلسطينية السُّنية، مثل منظمة “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، فبعد انتصار الثورة الإيرانية، ووصول المرشد الأعلى السابق الخميني إلى إيران التقى الرئيس السابق ياسر عرفات، كما جرى افتتاح سفارة فلسطين محل السفارة الإسرائيلية قبل الثورة. وحرصت على تقديم الدعم المالي والعسكري للتنظيمات الفلسطينية المسلحة، لكن في المجمل لم تقدم إيران تصوراً أو مبادرة لحل القضية الفلسطينية أو تصوراتها للدولة الفلسطينية، بل اقتصر دورها على شعارات عدائية ضد إسرائيل وواشنطن، وتسمية يوم القدس.
أما من جهة إسرائيل، فتحاول توظيف الأحداث لتصوير معاناتها ومعضلتها الأمنية المتمثلة في وجود تهديدات على الجبهة السورية، وكذلك الخط الأزرق مع لبنان، وتحركات “حزب الله” وغزة الآن.
الأمر المؤكد أن الدافع لدى إسرائيل لتحجيم القدرات الصاروخية لإيران سيزداد، فواقع الأمر أنها لا تمثل تهديداً لإسرائيل فقط، بل إن نقل البنية التحتية لهذه الصواريخ يمثل تهديداً لكل دول المنطقة ووقوعها في يد ميليشيات أو تنظيمات مسلحة.
لكن، ما يعنينا هو كيف ستحاول إسرائيل مواصلة الضغط على إدارة بايدن لتقييد نقل الأسلحة من وإلى إيران أو ستصر على أن تحتفظ لنفسها بهامش الحرية في التصرف المنفرد لملاحقة نقلها من إيران إلى التنظيمات والميليشيات المسلحة في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن.
ربما ليس هذا هو الجدل الآن داخل إسرائيل، لكن بعد انتهاء التصعيد العسكري في غزة ستثور تلك المسألة، وفي المقابل داخل الولايات المتحدة تقدم أكثر من أربعين عضواً جمهورياً في مجلس الشيوخ بطلب للرئيس بايدن بإنهاء المفاوضات مع إيران بشأن تخفيف العقوبات.
المقاله تعبر عن راي كاتبها