كشف “الانفصام السياسي” في جمهورية الملالي


أقل ما وُصف به ظريف هو أنه “صفيق وخائن”

رفيق خوري كاتب مقالات رأي

مشروع “التاريخ الشفوي” الذي أشرف عليه مستشار الرئيس حسن روحاني كشف التناقض مع التاريخ المكتوب، وليس الضجيج الدائر في إيران حول تسريب “شهادة سرية” لوزير الخارجية محمد جواد ظريف سوى تعبير عن صدمة الوقوف أمام المرآة بلا أقنعة، فالوزير الضاحك الذي أمسك بوزارة الخارجية منذ 2013 تحدث بلا كفوف على أساس أن ما يسجله هو شهادة للتاريخ ستبقى محفوظة خارج التداول كتجربة للتعلم من دروسها داخل السلطة ولكن بعد مضي وقت، وما سجّله أوضح ما هو معروف وغير معلن: المسافة البعيدة بين الخطاب الرسمي للنظام الثيوقراطي وبين السياسة الحقيقية له. والانفصام السياسي” بين ما يعلنه المسؤولون وبين آرائهم ومواقفهم المخبأة في الصدور.

وكالعادة، فإن ما ركز عليه روحاني هو الهدف من التسريب الذي رآه “مؤامرة” وإثارة خلافات في الداخل للتأثير في محادثات فيينا حول عودة أميركا إلى الاتفاق النووي، وما انشغل به المحافظون المعتدلون والمتشددون هو الدفاع عن إرث الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، الجنرال الذي اغتاله الأميركيون على الطريق من مطار بغداد، بعدما أشرف على إقامة ميليشيات تخوض معارك طهران بالوكالة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وتلعب أدواراً أمنية في بلدان عدة.

أقل ما وُصف به ظريف هو أنه “صفيق وخائن”، وأبسط ما طالب به النواب هو محاكمة روحاني وظريف، وهكذا اضطر الرئيس ووزير الخارجية إلى المبالغة في امتداح سليماني ودوره، روحاني أعلن “أن سليماني كان يناقش قضايا المنطقة في العراق وسوريا واليمن ولبنان وأفغانستان في المجلس الأعلى للأمن القومي”، وظريف زار الموقع الذي اغتيل فيه سليماني، وأعاد نشر صور تجمعه به، وقال، “دعونا لا نقلق من أجل التاريخ”.

ما جرى بثّه من التسجيل الذي مدته سبع ساعات كان ثلاث ساعات فقط، وليس قليلاً ولا عادياً ما جاء فيه، لكن اللافت في أقوال ظريف هو ثلاث نقاط بارزة، الأولى هي تسلط “الميدان” على “الدبلوماسية”: “الميدان لم يقم بأي تضحية من أجل الدبلوماسية بل إن الدبلوماسية كانت ضحية الميدان، العنصر الأمني يغلب على أجهزة وزارة الخارجية”، “وفي كل مرة أذهب إلى التفاوض كان سليماني يقول لي: احصل لي على هذا الامتياز، وخذ هذه النقطة، كنت أتفاوض لنجاح العمل الميداني”.

النقطة الثانية هي نقض السردية الإيرانية التي أوحت أن سليماني هو الذي أقنع الرئيس فلاديمير بوتين بالتدخل العسكري في سوريا إلى جانب النظام، فما يؤكده ظريف هو “أن بوتين كان قد اتخذ قرار التدخل قبل أن يوجه دعوة إلى سليماني في يوليو (تموز) 2015” بعدما جرى توقيع الاتفاق النووي، وما يسأله هو: “لماذا اختار الروس الضرب من فوق أجواء إيران، وكانوا يستطيعون ذلك من البحر المتوسط؟”.

أما المعادلة، فإنها “دخول بوتين الحرب بقواته الجوية مقابل مشاركة القوات البرية الإيرانية، ولم تكن هناك قوات برية إيرانية، بل السوريون، العرب، الأفغان، والمتطوعون”.

والنقطة الثالثة هي اتهام روسيا بأنها حاولت عرقلة التوصل إلى الاتفاق النووي خشية تحسين العلاقات الإيرانية- الأميركية، كيف؟ “روسيا بذلت قصارى جهدها في الأسبوع الأخير لمنع توقيع الاتفاق”، في البدء، لم يقتنع الروس بأن الاتفاق سينجح، وعندما لاحظوا أنه صار على وشك الوصول إلى نتيجة، قدموا مع الفرنسيين اقتراحاً قوامه التزام إيران بتمديد إذن مجلس الأمن كل ستة أشهر لمواصلة الاتفاق”، “حتى أن وزير الخارجية سيرغي لافروف غاب عن الصورة الجامعة لوزراء الخارجية لدى أطراف الاتفاق”.

وفي الردود، فإن الأمين العام لمجلس الأمن القومي الأدميرال علي شمخاني أعاد تذكير الجميع بأنه “لا توجد ازدواجية بين الميدان والدبلوماسية في تنفيذ السياسة الخارجية” التي يمسك بخيوطها المرشد الأعلى علي خامنئي. ومن الصعب تصور ظريف يجهل أن الأولوية في القضايا الخارجية عند الأنظمة “الثورية” هي لقيادة الميدان، وأن كل شيء في خدمتها، فلا جمهورية الملالي تقبل بأن تتخلى عن كونها “قضية” وتعمل لأن تصبح “دولة”، ولا هي تخالف نص الدستور القائل، “تقوم السياسة الخارجية على الدفاع عن حقوق جميع المسلمين”، وهذه المهمة ملقاة على عاتق الحرس الثوري الذي عليه العمل لنشر الثورة و”بناء الأمة الواحدة في العالم”. عناوين وشعارات هي أسماء مستعارة لهيمنة الملالي على المنطقة، وإذا صارت الجمهورية الإسلامية في إيران دولة عادية، فإن لعبة الملالي والثورة الإسلامية تنتهي.

المقالة تعبر عن راي كاتبها

اندبندنت