إبراهيم درويش
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعدته فيفيان يي وفرناز فصيحي قالتا فيه إن تطبيق “كلوب هاوس” يخلق مساحة للحوار المفتوح في الشرق الأوسط.
وأضافتا أن التطبيق ينتشر بشكل واسع في الدول الديكتاتورية ويفتح المجال أمام المواطنين للحديث بحرية. وجاء فيه أن فايزة هاشمي، ابنة الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني، ظلت ممنوعة من الحديث في اللقاءات العامة ولا يعطيها تلفزيون الدولة فرصة للحديث وهاجم المتشددون محاولات سابقة لها للحديث في الأماكن العامة. ولكنها استطاعت في الشهر الماضي تنظيم لقاء عام استمر ست ساعات ونصف حضره 16.000 شخص من داخل وخارج إيران ودعت فيه إلى حكم علماني وتجريد المرشد من سلطاته.
وقالت هاشمي، 58 عاما، إن “الجمهورية الإسلامية أصبحت أسوأ من نظام الشاه”. واستطاعت هاشمي التواصل والحديث في لقاء عام عبر “كلوب هاوس” شبكة التواصل الاجتماعية الصوتية التي تقدم لمستخدميها من الدول القمعية في أنحاء الشرق الأوسط منبرا جديدا للتواصل والنقاش والتنفيس والاستماع لغرف حوار صوتية على الهواء مباشرة. وعبر هذا التطبيق ناقش السعوديون طرقا لتشريع الكحول والإجهاض، أما المصريون فتناقشوا حول كيفية التخلص من حاكمهم الديكتاتوري، واستخدمه الإيرانيون لمساءلة المسؤولين الحكوميين والتشارك في قصص عن التحرش الجنسي.
وقال نائب الرئيس الإيراني السابق محمد علي أبطحي إن الناس “يمارسون الديمقراطية في الواقع”. وفي منطقة تكون فيها نتيجة الانتخابات معروفة ولا يمكن الوصول إلى الحكام ومعظم البرامج التلفازية يديرها مسؤولون ومقدمون موالون للنظام وتمنع فيها منصات التواصل الاجتماعي أو تراقب فإن كلوب هاوس تحول إلى “ساحة عامة افتراضية”.
وقالت إيمان الحسين، المحللة السعودية والتي تصف نفسها بالمدمنة على كلوب هاوس “عندما لا يكون لديك تمثيل سياسي أو أي شيء فيكون لديك تطبيق تتحدث عبره أو تستمع على الأقل” و”لهذا السبب أصبح مهما وأشاهد بعض الأسماء فيه من الصباح حتى المساء”.
تم تحميل كلوب هاوس 1.1 مليون مرة في الشرق الأوسط منذ توفره في كانون الثاني/ يناير
وتم تحميل كلوب هاوس 1.1 مليون مرة في الشرق الأوسط منذ توفره في كانون الثاني/ يناير. وبحسب شركة تحليل التطبيق “سينسور تاور” فإن الاستخدام يشكل 7% من التحميل العالمي له. وعندما توفرت منصات اجتماعية جديدة مثل تويتر وفيسبوك فإنها حملت نفس الوعد مثل كلوب هاوس. وتحدث الناشطون والباحثون عن إمكانياتها لتعزيز الحوار ونشر الدعوات للتغيير.
وقبل عقد عندما استخدم الناشطون في العالم العربي منصات التواصل للتنظيم والتعبئة أطلق الإعلام الغربي عليها اسم “ثورة فيسبوك” و”انتفاضات تويتر”. وفي إيران ساعد فيسبوك وتويتر على التنظيم والتعبئة بعد انتخابات 2009 المطعون فيها، أما تطبيقا تلغرام وواتساب فقد ساعدا في احتجاجات 2019. وحاولت عدة حكومات شرق أوسطية تقييد استخدام تويتر وفيسبوك مع أنه تم التحايل على القيود من الإيرانيين بمن فيهم المسؤولون.
واعتقلت مصر والإمارات مواطنيها بسبب نشر تعليقات مخففة ناقدة للحكومة. أما السعودية فقد نشرت جيشا إلكترونيا لإثارة الوطنية وشيطنة المعارضين. وتخلى الناس العاديون عن استخدام هذه المنصات بعدما تحولت لأداة بيد الحكومات وذبابها الإلكتروني أو مسرحا لتصفية الحسابات بين جماعات المعارضة وتوجيه الإهانات لبعضها البعض.
وهناك إشارات عن مصير مشابه لكلوب هاوس الذي سيواجه نفس الحظر والرقابة أو منعه بشكل كامل كما في الصين. ومنعت عمان التطبيق وتحدث المستخدمون في إيران والأردن والإمارات عن صعوبات للوصول إليه. وهاجم الإعلام الحكومي في مصر التطبيق وكذا مؤيدو الحكومة السعودية.
رغم جو الحوار المفتوح إلا أن هناك مخاطر. فمن يدخل للنقاش باسمه الحقيقي يتم التعرف عليه بسهولة
ورغم جو الحوار المفتوح إلا أن هناك مخاطر. فمن يدخل للنقاش باسمه الحقيقي يتم التعرف عليه بسهولة وتستطيع أجهزة الأمن الحكومية التنصت بسهولة على الحوارات، مع أن الرقابة قد تكون أصعب من مراقبة منصات التواصل التي تستخدم الرسائل النصية مثل فيسبوك. وحذر دعاة الخصوصية من مخاطر البيانات التي يجمعها كلوب هاوس والتي تكون أخطر لو حصلت الحكومات الديكتاتورية على منفذ إليها. فقد تم تسجيل النقاشات السعودية حول المثلية والسماح بالخمور وسربت إلى وسائل الإعلام بشكل أدى إلى شجب واسع. وزعم مقدم برنامج مؤيد للحكومة المصرية أنه استطاع الكشف عن شبكة مستخدمين من الجماعة المحظورة، الإخوان المسلمين، في إشارة لرقابة واسعة في الطريق.
وقالت الحسين إن تحميل السعوديين للتطبيق وصل ذروته في شباط/ فبراير إلا أن المعظم بات ينضم إليه بأسماء وصور غير حقيقية. وقد يحميهم ذلك لكنه يؤثر على الحوار الحضاري عبر التطبيق الذي جلب شخصيات حقيقية وليس وهمية. ومع أن التطبيق متوفر على هواتف أيفون إلا أنه قد يلفت انتباه الحكومات بعد توفر نسخة أندريود ستنزل للأسواق هذا الشهر. وهناك نسخة مهربة منها موجودة في إيران.
وقال تيموتي كالداس، المحلل في معهد التحرير بواشنطن “هل سيتم اعتقال شخص لاستخدامه كلوب هاوس؟ بالتأكيد سيلقي هذا بظله على كل الأمر” و”ما أخشاه هو أن يشعر الكثيرون بالراحة، ومع أن السلطات لا تقوم بمراقبة على قاعدة واسعة لكن لديها أشخاص يدخلون إلى هذه الغرف”.
وتمنع كلوب هاوس تسجيل الحوارات بدون موافقة المشاركين، لكنها تقوم بتسجيل مؤقت للحوارات للتحقيق في انتهاكات السياسة. ولكن لا يعرف من يستمع لهذه الحوارات ومتى. ورفض متحدث باسم كلاب هاوس التعليق. لكن الحوارات العفوية والعاطفية المفتوحة لكل شخص مشهورا أم غير مشهور تدفع المشاركين للحوار. فبعيدا عن دعاية الحكومة يمنح كلوب هاوس القطريين فرصة للحديث بدون معوقات مع جيرانهم السعوديين بعد سنوات من الخصام بين البلدين. وقال ثروت أبازة، 28 عاما، طبيب الأسنان من القاهرة، إن الناس يتطلعون لمثل هذه الاتصالات ومنذ وقت طويل ولم يكتشفوها إلا عندما بدأوا الحوارات على كلوب هاوس. وقال إنه استمع لنقاش حول الأنثوية وتعليم الجنس والتحرش الجنسي والصحة العقلية. وأضاف أن المنصة هي الأكثر حرية ويحب استخدامها بدون خوف من الملاحقة.
وهناك غرف حوار لا يجري فيها حوار مشحون بل وتركز على الطيور والوجبات الغذائية ومفطرات الصيام وبعضها يقدم تلاوات قرآنية وصلوات جماعية.
ولو قدم كلوب هاوس خدمة ممكنة لأن يكون مكانا للعلاج النفسي والبرامج الحوارية وحفلات البيوت وندوات علمية فإنه يتميز بإمكانياته السياسية.
ففي إيران التي يتوقع المحللون مشاركة متدنية في الانتخابات المقررة في حزيران/يونيو يتدفق المشاركون على غرف الحوار ويناقشون الحملات الانتخابية. ونظم الذين يأملون بترشيح أنفسهم للرئاسة مناسبات على كلوب هاوس. وتلقى وزير الخارجية محمد جواد ظريف أسئلة. وشارك آخرون مثل نائب الرئيس والقائد السابق للحرس الثوري ووزير الاتصالات الذي نفى محاولات الحكومة لمنع التطبيق. وقال مستخدم “لقد غير هذا التطبيق حالة الاستقطاب في إيران”، وأضاف مازيار سميعي “أنا المواطن العادي الذي لم يلتق أبدا مع المسؤولين في السابق أستطيع الحضور إلى هنا والاستماع إليهم”.
والأهم في كل هذا أن الإيرانيين في الداخل والخارج، إصلاحيين ومتشددين ومن طبقات المجتمع المختلفة والساسة، يختلطون معا. وقال الصحافي الإصلاحي فريد مدرسي “لم يتحدث الإيرانيون مع بعضهم البعض منذ وقت” و”على تويتر لعنا بعضنا البعض أما كلوب هاوس فقد جعلنا نتحدث مع بعضنا البعض”. ونفس الأمر في مصر حيث شيطنت قنوات الحكومة المعارضة التي ردت بهجمات من الخارج وكان الأمر مختلفا على كلوب هاوس.