الجوزية.. حلوى “ملكية” عثمانية تزين سهرات رمضان بالجزائر

الجزائر ـ حسام الدين إسلام

تشتهر الجزائر بحلويات تقليدية عريقة ذات شعبية كبيرة، من بينها “الجوزية” التي يعود أصلها إلى الحقبة العثمانية وتلقب بـ “الحلوى الملكية” و”سلطانة” السهرات الرمضانية.
تشتهر حلوى “الجوزية” بمحافظة قسنطينة عاصمة الشرق الجزائري، التي تعدّ مهد صناعتها، على الرغم من توافرها في السنوات الأخيرة في محافظات أخرى.
** أصل الجوزية
توارثها سكان قسنطينة أباً عن جد منذ الحقبة العثمانية في الجزائر (1518- 1830)، ولا تزال إلى اليوم من أشهر الحلويات التي تزين مائدة السهرات في رمضان، وتقدم هديةً في المناسبات للضيوف والأصدقاء والأقارب.
كما تخطى صيت “الجوزية” حدود قسنطينة والجزائر، إلى الخارج، حيث أصبحت لا تفارق حقائب زوار البلاد من أبناء الجالية والسواح.
تنافس “الجوزية” خلال رمضان بالجزائر حلويات عريقة مختلفة، مثل “البقلاوة وقلب اللوز والزلابية والمقروط” وغيرها، ويقبل عليها الصائمون بصورة لافتة خلال شهر الصوم وعلى مدار السنة، لطعمها المميز.
و”الجوزية” اسم مشتق من ثمرة الجوز الذي يشكل عنصراً أساسياً في صنعها وتزيينها، إضافة إلى مكوّنات أخرى منها العسل والبيض.
وبحسب مختصين وحرفيين يمتهنون صناعة “الجوزية”، فإنّ تاريخها يعود إلى الحقبة العثمانية في الجزائر، وكانت آنذاك تلقب بـ “الحلوى الملكية”، لكونها مخصصة لقصر الباي وليس للعامة.
في تلك الفترة كانت قسنطينة بايلك (إقليم) الشرق إبّان إيالة (ولاية) الجزائر من 1555 إلى 1830، وكان يحكمها باي يُعيّنه داي (حاكم) الجزائر (تداول على حكم قسنطينة 43 بايا) أولهم رمضان تشولاك باي وآخرهم أحمد باي بن محمد الشريف، بحسب مراجع تاريخية.
** اقتفاء أثر الجوزية بقسنطينة
الأناضول اقتفت أثر “الجوزية” في قلب محافظة قسنطينة، وحطّت الرحال بأعرق وأشهر المحلات التي تصنعها.
يقول خالد أحمد، صاحب متجر جوزية “أحمد باي” الذي افتتح عام 2003، إن أقدم محلات بيع الجوزية في المدينة العتيقة بقسنطينة هو محل الحاج صيد خلفة.
ويشير في حديث للأناضول، إلى أن “هناك حلويات أخرى، إلى جانب الجوزية، مثل (روح الباي) التي كان يأكلها الباي إذا غضب، فتخفف عليه حسب الروايات المتوارثة”.
ويضيف: “كانت الجوزية مخصصة لقصر الباي ولم تكن للعامة، إذ كانت تعد آنذاك حلوى ملكية”.
ويلفت إلى أنّ “العائلات الأولى التي اشتهرت في قسنطينة بصناعة الجوزية، هي عائلة بن تشاقر، وخلفة صيد، وبن شوالا، ثم بدأت هذه الحلوى في الانتشار مع مرور السنوات”.
ويوضح أحمد أن تلك العائلات “كانت تصنع الجوزية داخل المنازل، ثم توسعت إلى المحلات، لكن عائلات قليلة فقط حافظت على المهنة، مثل عائلة خلفة صيد، التي توارث أبناؤها الحرفة ولا يزالون إلى اليوم يمارسونها في قلب المدينة العتيقة”.
ويشير إلى أنه “في تسعينات القرن الماضي، أخذت صناعة الجوزية تتوسع وبدأت العلامات التجارية تنتشر، خصوصاً عام 2015 في إطار قسنطينة عاصمة الثقافة العربية”.
“وغدت الجوزية اليوم غاية تجارية بدل حرفة أصيلة عند الكثيرين، الذين يُعدّون ويصنعون جوزية مقلدة وليست أصلية”، وفق تعبيره.
وتصنع الجوزية من الجوز وبياض البيض والعسل الصافي، “مع وجود سر يكمن في طريقة طبخها وتحضيرها، لا يمكن الكشف عنه”، بحسب أحمد.
وفي النهاية، تصف وتقطع إلى قطع مربعة تعلوها حبة الجوز أو مستطيلة ممزوجة بمكسرات الجوز، ثم تغلّف بنايلون شفاف.
** رمضان.. وأسرار الجوزية
بدوره، يقول خلفة عبد الكريم، الذي يدير محل “جوزية سيرتا” ابن الحاج خلفة صيد، أعرق العائلات القسنطينية التي تصنع الجوزية، إن “شهرتها تخطت القسنطينة إلى العالم، والطلب عليها طوال السنة، ولدينا زبائن من أمريكا والصين ودول كثيرة”.
ويشير عبد الكريم، الذي ورث الحرفة عن والده منذ 27 سنة، إلى أنّ “جودة وسر طبخ الجوزية يكمن في خلطتها، إضافة إلى استحضار النية في إعدادها، وإلاّ لما نجحت الوصفة”.
ويعود عبد الكريم إلى إرث والده وبداياته مع “الحلوى الملكية”، فيقول إنّه فتح محل “جوزية سيرتا” في أربعينات القرن الماضي، ويعد من الأوائل، فبدأ بجوزية تعتمد في مكوناتها على السكر، كما كان في العهد العثماني.
من جهته، يرى عبد الوهاب شري، رفيق درب الحاج خلفة صيد، أنّ “بدايات عائلة صيد مع الجوزية كانت يدوية وبوسائل بسيطة”، لافتاً إلى أن إنجاز الصينية الواحدة منها كان يستغرق 3 ساعات.
ويقول إن “خلفة صيد كان من يشرف عليها بنفسه، ويختار الجوز السليم غير المكسر، وعسل النحل، وبياض البيض ويقوم بخلطته السحرية، على طاولة من رخام”.
ويشير شريط، إلى أن “الحاج صيد بدأ بحلوى النوقة (تشبه الجوزية)، ثم حلوى الحلقوم والفوندا، ثم جوزية العسل الطبيعي التي يشتهر بها المحل”.
“وخلال الحقبة العثمانية، كانت الجوزية تعتمد في مكوناتها على السكر، ثم تطورت مع مرور الزمن إلى جوزية أساسها العسل الطبيعي”، وفق تعبيره.
وداخل المحل، التقت “الأناضول” بعض الزبائن، من بينهم أمينة ووالدها أحمد شفيق الذي يقول إنّه “يقصد محل الحاج صيد في كل فرصة تسنح له بذلك لشراء الجوزية المميزة”.
ويشير إلى أنه يشتري الجوزية للعائلة، خصوصاً في رمضان، وفي مناسبات مختلفة، كما يهديها للأصدقاء والأقارب.
ويتحدد سعر الجوزية بحجم العلبة وعدد القطع بداخلها، وتختلف من محل إلى آخر، وعموما يبلغ سعرها من 3 دولارات إلى 20 دولاراً.