تنشيطه يبدأ بالمطورين ومساندة البنوك حتمية
كفاية أولير صحافية
اكتسبت مدن في الشرق الأوسط وأفريقيا زخماً، وتم تصنيف كل من دبي والرياض ونيروبي ضمن أفضل 20 مدينة، وفقاً لمؤشر زخم المدينة لعام 2020، التابع لشركة “جونز لانغ لاسال”، الذي يحدد أكثر مدن العالم ديناميكية من منظور العقارات، ولكن سرعان ما تفشت جائحة كورونا وقطعت أوصال العالم وفرضت الحجر الذي أغلق المكاتب لتدخل الشعوب في حقبة جديدة شعارها العمل من المنزل، ما أوجع العقارات المكتبية في المنطقة، وخلق تردداً كبيراً في التوجه نحو شراء العقارات السكنية في ظل موجة القلق السائدة في المنطقة والعالم، من التراجع الكبير في النمو الاقتصادي العالمي، وخاصة أن العالم غير قادر على التنبؤ بتوجهات الفيروس وتحوراته المقبلة، كما ألحقت موجات الإغلاق في العالم كثيراً من الضرر بقطاعي السفر والسياحة، ما وجه ضربة أخرى أكثر إيلاماً لذراع عقارية أخرى، وهي الفنادق.
وبقي مسار الوباء، ولا يزال، المحدد الأساسي لأداء السوق العقارية في الربع الأول من عام 2021. وفي هذا التحقيق نرصد توجهات السوق العقارية في المنطقة الخليجية، والتحديات والتوقعات في ظل التعافي البطيء في أداء اقتصاداتها في قطاعات عديدة في وقت لا يزال القطاع العقاري الأبطأ من حيث التعافي، وينعكس ذلك في أسهم شركات التطوير العقاري التي لا تزال مرابطة في الخانات الحمراء في أسواق المال.
ويتفق عدد من المحللين الماليين الذين تحدثنا إليهم على ضرورة خلق حلول جديدة غير تقليدية لتنشيط القطاع العقاري، وأكدوا الدور المهم للقطاع المصرفي في انتشال القطاع العقاري من تعثره.
توجهات القطاع العقاري
قال ﺷﻬﺎب ﺑﻦ ﻣﺤﻤﻮد، المتخصص في شؤون العقار، لـ”اندبندنت عربية”، إنه مما لا شك فيه أن القطاع العقاري الخليجي يشهد، وسيشهد في الأشهر المقبلة، انتعاشاً بعد أزمة كورونا. أضاف أن هناك ثلاثة عوامل مهمة يجب أخذها بالاعتبار في هذا السياق، العامل الأول هو تأثير ودور الحكومات الذي يختلف من دولة لأخرى، ففي الوقت الذي تواصل فيه السعودية دعمها المالي والمباشر للقطاع العقاري في نطاق رؤية 2030، ومن منظور استراتيجي، نجد أن الأمر يختلف في دبي والإمارات بشكل عام، وكذلك الكويت، حيث سيكون الدعم غير مباشر، وسيكون أكبر من ناحية الشق التنظيمي والتشريعي، والعامل الثاني هو أنه على المدى القريب، المتوسط والطويل، ستكون هناك تحولات جذرية ستمس بعض أقسام القطاع العقاري، وخاصة سوق عقارات المكاتب، وسوق عقار التجزئة التي ستشهد من عام 2022 تحولاً جذرياً.
والعامل الثالث والأخير هو أنه وإن كانت سوق العقار الاستثمار المحبذ للمستثمرين في الخليج بصفة عامة، وخاصة الأجيال الأكبر، فإن هناك تحولاً مهماً بسبب وجود الأجيال الجديدة الصاعدة من المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال، إذ لن تكون لدى هذه الأجيال الجديدة قابلية الاستثمار العقاري ذاتها، أي إن هناك جيلاً جديداً يحتل موقعاً مهماً في اتخاذ القرار في الشركات الخاصة، وفي إدارة الأصول والثروات العائلية والشخصية، وهي أجيال تختلف بطبيعة الحال عن جيل الآباء والأجداد، وهذا سيكون له بالطبع تأثير على سوق العقار في الخليج على المدى الطويل، وخاصة في الأسواق التي تعتمد على الطلب الخارجي.
تمويل المشاريع العقارية
وفيما يخص موضوع التحفيز العقاري، يرى بن شهاب أنه ينبغي أن تكون هناك أفكار وحلول خارج الصندوق، أي حلول غير تقليدية، ويقول إنه في الإمارات على سبيل المثال، هناك مبادرة الإقامة الذهبية والتجنيس، بالتالي ينبغي البحث عن حلول جديدة لم يتم اللجوء إليها في الماضي لتنشيط الاستثمار العقاري.
ومن المهم أيضاً الإشارة إلى أن تراجع الموارد الحكومية في دول المنطقة بسبب الإنفاق الكبير لتقليل الخسائر التي تسببت بها جائحة كورونا، وضعف الميزانيات الحكومية تجعل من الصعب على الحكومات أن تسهم بشكل مباشر في تمويل المشاريع العقارية، أيضاً من المهم القول إن البنوك تدخل اليوم في مرحلة جديدة من المخاطر. وأضاف أن هناك دولاً قادرة على التدخل في السوق العقارية بشكل مباشر من خلال التحفيز المالي، وهناك دول يكون دورها مقتصراً على الجانب التنظيمي والتشريعي.
الفجوة بين العرض والطلب
وقال وضاح الطه، عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد “تشارترد للأوراق المالية والاستثمار”، إن وضعية القطاع العقاري تتباين من دولة لأخرى في المنطقة الخليجية. وأضاف أنه عندما نتحدث عن القطاع العقاري، فنحن نتحدث عن خمسة قطاعات فرعية، وهي السكنية، والمكتبية، والتجارية، والصناعية، والفندقية، وكلها تنتمي للقطاع العقاري، وبرأيي فإن القطاعات التي تحتاج إلى تحفيز هي السكنية والمكتبية، بسبب جائحة كورونا وتداعياتها.
وأضاف أنه بالاستناد إلى تقرير “جونز لانغ لاسال”، الصادر للربع الأول من عام 2021، هناك 607 ألف وحدة سكنية جاهزة في دبي يطلق عليها “المخزون العقاري”، مع إضافة 10000 وحدة خلال الربع الأول، وبالنسبة إلى ما تبقى من عام 2021، من المتوقع إضافة 46000 وحدة إضافية، وعلى العكس من ذلك، شهدت أبو ظبي تسليم 200 وحدة سكنية ليصل إجمالي المخزون إلى ما يقرب من 265300 وحدة، وبحلول نهاية عام 2021، ستصل الوحدات السكنية تقريباً إلى 11,700 وحدة من المقرر أن تدخل السوق.
وبحسب “جونز لانغ لاسال” من حيث الأداء، فيما يتعلق بالبيع والتأجير العام في دبي، استمرت المعدلات في تسجيل انخفاض بنسبة خمسة في المئة و10 في المئة على التوالي على مدار العام، وفي غضون ذلك، في أبو ظبي، ظلت أسعار البيع مستقرة في حين سجلت معدلات الإيجار انخفاض متوسط بنسبة ثلاثة إلى أربعة في المئة.
ويقول الطه، إن الظروف التي خلقتها الجائحة تسببت في تراجع الطلب على العقارات، ما تسبب في اتساع الفجوة بين العرض والطلب نتيجة ارتفاع المعروض وانخفاض الطلبات، وبرأيي فإن هذا الموضوع يحتاج إلى دراسة خارج الطرق التقليدية، فالتعافي العقاري حدث في المواقع المتميزة في دبي، مثل منطقة “الداون تاون” ببرج خليفة، وغيرها من المناطق التي دائماً ما تشهد طلباً متزايداً عليها، وأيضاً التعافي لا يحدث مع جميع المطورين، لكن مع مطورين بعينهم، مثل “إعمار”، فهي تمتلك قاعدة بيانات تتضمن مستثمرين عالميين، وليس فقط محليين، بالتالي التنوع في قاعدة المستثمرين لدى كبار المطورين العقاريين نشط برأيي الطلب على وحدات عقارية منتقاة، بالتالي النشاط العقاري كان في مناطق معينة في دبي، وليس في كل المناطق. وأشار تقرير “لانغ لاسال” إلى الارتفاعات التي طاولت أسعار بعض العقارات السكنية.
البنوك وتعافي القطاع العقاري
ويرى عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد “تشارترد للأوراق المالية والاستثمار”، أن الكم الهائل من الوحدات السكنية الجاهزة في دبي يحتاج إلى حلول، هذه الحلول، بحسب الطه، لا يمكن أن تتم بمعزل عن القطاع المصرفي. ويقول، “لا بد أن يبادر المطورون العقاريون بالتحفيز عبر تقديم أسعار بيع جاذبة، وأيضاً أن تطول هذه الجاذبية خطط السداد، وكذلك أيضاً مدة السداد التي يجب أن تتاح لسنوات طويلة، وهنا يأتي دور المصارف”.
ويضيف الطه، أن الاستثمار العقاري مضمون بالنسبة للبنوك، إذ يكون السداد بضمان العقار، ودعا دول الخليج للنظر في خطط الإقامات المرتبطة بشراء العقارات، واستشهد بتجارب ناجحة في هذا المجال، مثل برنامج “ماليزيا بيتي الثاني”، الذي يمنح مستثمري العقار إقامة طويلة، وأعلنت تركيا منح جنسيتها للمستثمرين بعد ثلاث سنوات من شرائهم عقاراً بقيمة ربع مليون دولار. وقال الطه إنه على الرغم من الهبوط الكبير في الليرة التركية فإنه وبسبب هذه المحفزات، حافظت أسعار العقار على ارتفاعها. وأضاف، “هذا بطبيعة الحال، لا يمكن تطبيقه في بلدان المنطقة بحكم التباين في المساحة وتعداد السكان، إذ يبلغ تعداد سكان تركيا 80 مليون نسمة، مقارنة مع أعداد السكان الصغيرة نسبياً في المنطقة، بالتالي نحن لا نتحدث عن مقاربة مطابقة بقدر ما نتحدث عن إيجاد خطط لتنشيط القطاعات العقارية في المنطقة خارج النطاق الاعتيادي، مثل منح الإقامة طويلة الأمد مقابل الاستثمار العقاري على سبيل المثال”.
عجز بالوحدات السكنية في السعودية
وعن السوق السعودية قال الطه، “أولاً التركيبة السكانية للسعودية تختلف عن دول أخرى، وعلى العكس تماماً من الإمارات، هناك عجز في الوحدات السكنية بالسعودية، وهناك حاجة للبناء بوتيرة أسرع لأن نسبة تملك المواطنين العقار في السعودية متدنية، وكانت في حدود 47 في المئة قبل عامين، وهذه النسبة توضح مدى الحاجة لبناء مزيد من المشاريع السكنية في البلاد”.
أرض وقرض مشروع كويتي ناجح بامتياز
أما بالنسبة للبحرين فهناك هدوء نسبي في الاقتصاد ينعكس على القطاع العقاري، في حين ينتظر الكويتيون المساكن المقدمة من الحكومة، وليس من القطاع الخاص، إذ تمنح المواطن قطع أرض وقرضاً لبناء السكن، ويسدد القرض على فترة طويلة مريحة، وهذا أثبت نجاحه بشكل منقطع النظير.
فائض كبير في المكاتب وتعافٍ جزئي في الفنادق
أما بالنسبة للقطاع المكتبي في الخليج فيقول الطه، إنه يعاني فائضاً كبيراً من الوحدات المكتبية، بسبب تداعيات الجائحة التي فرضت العمل من المنزل، مشيراً إلى أن أرقام هذا الفائض كبيرة في دبي. وعن وضعية القطاع الفندقي قال الطه، إن قطاع الفنادق في المنطقة تأثر بالجائحة والضربة التي وجهها الوباء لقطاع السياحة والسفر، لافتاً إلى أن معدلات إشغال الفنادق ترتفع بشكل ملحوظ منذ بداية العام، بسبب التعافي الجزئي لاقتصادات المنطقة.