لشهر رمضان في المغرب أجواء خاصة، تتجلى في العادات الغذائية وقوائم الطعام التي تزين مائدة الإفطار، وتعكس حرص المغاربة على استقبال هذا الشهر الفضيل أحسن استقبال وبأبهى حلة.
وتبقى مائدة الإفطار في «سيدنا رمضان» كما يطلق عليه في المغرب، شكلاً مميزاً يجعل الأسر تستنفر كل جهودها لإعداد مأكولات وأطباق خاصة، غير آبهين بإرهاق جيوبهم.
زيادة العادات الاستهلاكية
في السوق الشعبي «باب الأحد» في العاصمة الرباط، يبدو جلياً خلال الأيام الأولى لرمضان أن السوق تخلى عن رتابة الأجواء التي تسوده عادة، ليرتدي لباس المحتفي بحلول الشهر، حيث اختفت سلع كثيرة من المحلات التجارية، لتحل محلها مواد يقبل عليها المواطنون في رمضان. ورغم التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا على الأسر، فإن السوق يشهد إقبالاً كبيراً كما السنوات السابقة، مما يظهر أن زيادة العادات الاستهلاكية أحد طقوس الشهر الكريم، التي يتوارثها المغاربة. وساهم منع التجوال الليلي خلال رمضان في تركيز حركة المواطنين خلال النهار، مما يخلق استنفاراً كبيراً في الأسواق والمحلات التجارية.
وفي 7 أبريل/ نيسان الجاري، أعلنت الحكومة توسيع حظر التجوال الليلي في رمضان، في جميع أنحاء البلاد، من الساعة الثامنة مساءً إلى الساعة السادسة صباحاً، للحد من تفشي كورونا.
ومن بين البضائع المعروضة في السوق ما تحتاجه النساء لإعداد الحلويات الرمضانية من «لوز» و»زنجلان» (سمسم) و»نافع» وغيره.
فيما يلاحظ تغير واجهات عدد من المحلات، حيث أصبحت تعرض مواد غذائية، وانتعاش عدد من أصحاب المهن الموسمية من الشباب العاطلين عن العمل، وخاصة باعة الفطائر والحلويات والتمور. أثناء تجولها في السوق، قالت السعدية الإسماعيلي (36 سنة): «يومياً أتردد على السوق لاقتناء المواد الغذائية التي أحتاجها لتزيين مائدة الإفطار».
فيما اعتبرت فاطمة الخلج (48 سنة) أن «إعداد مائدة رمضان يحتاج منها يومياً استنفاراً لإعداد المأكولات الشهية، التي تلتف عليها الأسرة».
مكونات المائدة الرمضانية
تتربع «الحريرة» بلا منازع (حساء مغربي من أصل أندلسي) على عرش المائدة الرمضانية للمغاربة، حيث لا تكاد تخلو مائدة إفطار مغربية منها، رغم اختلاف المستوى المعيشي للأسر. ولا تحلو «الحريرة» إلا بوجود «الشباكية» وهي حلوى عسلية مشبكة بعناية مزينة بالسمسم ومعطرة باليانسون وماء الزهر والشمر، ولا يمكن أن تمر من حي أو زقاق دون أن تشتم رائحتها من كثرة المحلات التي تختص ببيعها، رغم أن عدداً من الأسر ما زالت تفضل إعدادها في المنازل.
ويختلف ثمن «الشباكية» حسب جودة مكوناتها، وفق البائع محمد العطار (62 سنة)، الذي قال إن «ثمن الشباكية يتراوح بين 25 درهماً (دولارين ونصف أمريكيين) إلى 120 درهماً (12 دولاراً) إذا كانت العجينة من اللوز».كما لا يمكن أن يغيب عن المائدة الرمضانية في المغرب»سلو» والمسمى أيضاً «السفوف» وهو من أكثر الحلويات الشعبية تقديماً في رمضان، ويتكون من مزيج من الطحين المحمر (الدقيق) واللوز والسمسم واليانسون والسكر والزبدة.
ويحجز «سلو» مكاناً متقدماً في قوائم الأطعمة الرئيسية في المائدة الرمضانية، ولا يمكن للأسر أن تتجاهله، بغض النظر عن مستواها المعيشي. وعادة، يقدم المغاربة «سلو» مصحوباً بالشاي الأخضر المحلي في أطباق مزينة باللوز المقلي، لما يحتويه من مكونات طبيعية غنية بعدد من الأغذية المفيدة، منها بروتينات نباتية ونشويات وألياف غذائية، وفيتامينات، حيث تغذي الجسم وتمنحه الطاقة، خلال ساعات الصيام الطويلة، كما تمده بالطاقة اللازمة لأداء صلاة التراويح.
وتبقى أطعمة أخرى بمثابة «نوافل» تحضر وتغيب حسب الإمكانيات المادية للأسر، منها «البريوات» المعروفة في الشرق الأوسط باسم «السمبوسة» و«المسمن» (رغايف) وهو أحد أشهر الفطائر المغربية، و»البغرير» وهو مثل «القطايف» لكن حجمه أكبر ولا يتم حشوه، إذ يكتفي المغاربة بصب قليل من الزبد المذاب في العسل عليه. فيما لا يمكن للتمر والحليب أن يغيبا عن المائدة الرمضانية، لأنهما ما يفتتح به المغاربة إفطارهم.
نفقات المائدة الرمضانية
ولأجل إعداد المائدة الرمضانية، يحرص معظم المغاربة على شراء المواد الغذائية المطلوبة غير آبهين بما قد تخلفه من إرهاق لجيبوهم.
المتقاعد إسماعيل الزمراني (66 سنة) قال: «لا أستعمل آلة الحساب عندما يتعلق الأمر بشهر رمضان، فأنا حريص على اقتناء كل ما تطلبه زوجتي لتقديم أفضل الأطعمة الرمضانية، ولا يهم إن أنهيت هذا الشهر بعجز مالي». وإذا كان المغاربة يحرصون على تزيين مائدة الإفطار، رغم ما تكلفه من مصاريف، فإن التجار يستفيدون من كثرة الإقبال على سلعهم.
وأفاد البائع المتجول سعيد البكوري (47 سنة) أن «ما أتحصل عليه من مداخيل في هذا الشهر الفضيل يفوق ما أجنيه خلال باقي أشهر السنة».
وحسب «المندوبية السامية للتخطيط» (الهيئة الرسمية المكلفة بالإحصاء)، فإن نفقات المغاربة خلال رمضان، ترتفع بنسبة 16.3 في المئة في المتوسط، ويزيد إنفاق الأسر على الغذاء بنسبة 37 في المئة، موضحة أن الإنفاق يتطور تدريجياً حسب مستوى معيشة الأسرة، إذ ينتقل من 22.5 في المئة كأدنى نسبة إلى 40 في المئة.