14 في المئة نمواً سنوياً بالتجارة البينية والسوق المشتركة تصطدم بالخلافات السياسية
إبراهيم عبد المجيد
على مدار تاريخها كان الملفُ الاقتصاديّ من أبرز اهتمامات جامعة الدول العربية، وعلى الرغم من الانتقادات العديدة لأداء الجامعة في كثير من القضايا، فإن الأرقام تؤكد أن تعزيز الاقتصاد العربي المشترك أحد نجاحات الجامعة، خصوصاً في العقدَين الأخيرَين.
تحقيق تعاون اقتصادي
التعاون الاقتصادي كان الشاغل للجامعة العربية منذ تأسيسها، إذ نصّ ميثاق المنظمة الإقليمية على تحقيق تعاون اقتصادي أوثق بين دولها كأحد أهداف إنشائها، وأُبرمت معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين الدول العربية عام 1950، ونصّت المادة السابعة منها على “تعاون الدول المُتعاقدة على النهوض باقتصادات بلادها، واستثمار مرافقها الطبيعية، وتسهيل تبادل منتجاتها الزراعية والصناعية، وتنظيم نشاطها الاقتصادي وتنسيقه، وإبرام ما يقتضيه الحال من اتفاقات خاصة لتحقيق هذه الأهداف”.
وبعد مُضيّ 3 سنوات من المعاهدة وقّعت الدول الأعضاء اتفاقية تسهيل التبادل التجاري، ثمّ اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية عام 1957، والنتيجة إقرار “السوق العربية المشتركة” عام 1964، بهدف ضمان حرية انتقال الأموال والأفراد والبضائع، إلا أن واقع الحال يختلف كثيراً عمّا جرى التوقيع عليه، بسبب ضعف آليات التطبيق والخلافات السياسية بين بعض الدول.
منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى
النجاح الأهم في مسيرة التعاون الاقتصادي العربي كان إنشاء “منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى”، التي بدأت خطوات إنشائها من القمة العربية في القاهرة يوليو (تموز) 1996 بالتوجيه إلى إقامة المنطقة وفقاً لجدول زمني.
وكان مُفترضاً أن تستمر فترة توفيق الدول أوضاعها 10 سنوات تبدأ من 1998، لكن التنفيذ استغرق 7 سنوات، إذ أطلقت منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى عام 2005، وتشارك بها كل الدول العربية، باستثناء جزر القمر والصومال وموريتانيا وجيبوتي وسوريا المجمدة عضويتها، ويجرى تبادل السلع المنتجة سواء صناعية أو زراعية في هذه الدول بالإعفاء الكامل من الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب.
وبعد مرور 15 عاماً على إنشاء منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ارتفعت قيمة التجارة البينية للدول الأعضاء من 15 مليار دولار عام 1997 إلى نحو 110 مليارات دولار عام 2018، بمعدل نمو سنوي نحو 14 في المئة.
يقول كمال حسن علي، الأمين العام المساعد للجامعة للشؤون الاقتصادية، “المنطقة رفعت نسبة التجارة البينية العربية لتمثّل نحو 12 في المئة من التجارة الخارجية للدول مقابل 5 في المئة قبل إنشائها”.
وأضاف كمال، في حديثه إلى “اندبندنت عربية”، “التجارة البينية تتجاوز 45 في المئة من تجارتها الخارجية لبعض الدول غير النفطية، ولولا هيمنة النفط على هيكل الصادرات للدول العربية لتجاوزت النسبة 25 في المئة من التجارة الإجمالية”.
وكشف الأمين العام المساعد أنه بدءاً من يونيو (حزيران) المقبل ستدخل حيز النفاذ “قواعد المنشأ التفصيلية المتضمنة في منطقة التجارة الحرة العربية”، وبذلك سيُجرى التغلب على العقبة الكبرى في إطار المنطقة، وضمان أن تستفيد السلع العربية فقط من المزايا الممنوحة في إطار المنطقة.
تحرير تجارة الخدمات بين الدول العربية
وتابع، “تطوير التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء مستمرٌ، إذ ستُعتمد اتفاقية لتحرير تجارة الخدمات بين الدول العربية من قِبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي”، موضحاً “قدمت 11 دولة جداول التزاماتها، وجرى التصديق عليها من قِبل السعودية والأردن ومصر والإمارات، ومن ثمَّ دخلت حيز النفاذ منذ 14 نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي، كما انتهت اللجان الفنية من وضع آلية المعالجات التجارية، التي تضم آليات الدعم والإغراق والتدابير الوقائية، وتحديث آلية فض المنازعات في إطار منطقة التجارة الحرة العربية”.
وحول كيفية دفع الجامعة الدول الأعضاء إلى مزيدٍ من التبادل التجاري العربي، قال كمال، “جرى إقرار آلية التزام الدول بقرارات المجلس الاقتصادي والاجتماعي الخاصة بالتحرير الكامل للتجارة، وتتكوّن من خمس خطوات، بداية من محاولة الأمانة العامة التواصل مع الدولة غير الملتزمة، لحثّها على الالتزام بتلك القرارات، نهاية بوقف الإعفاء الجمركي لصادراتها في إطار المنطقة”.
وأضاف، “هذه الآلية تعدُّ الضمان الأساسي لالتزام الدول الأعضاء قرارات المجلس الاقتصادي والاجتماعي ذات الصلة بمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، إلى جانب تطوير الإطار التشريعي للمنطقة التجارة الحرة بإضافة بعض الملفات التي تعد عوائق غير جمركية، وتتسبب في إعاقة التبادل التجاري بين الدول العربية، مثل تدابير الصحة والصحة النباتية، والقيود الفنية على التجارة، وتسهيل التجارة وحقوق الملكية”.
وأوضح، “يجرى حالياً إعداد ملاحق قانونية لتلك الموضوعات، تكون مكملة لاتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية الموقعة عام 1981، وهذه الملفات بعد اعتماد ملاحقها القانونية سيكون لها أثرٌ بالغٌ في زيادة التدفق التجاري البينيّ”.
اتفاقية استثمار عربي جديدة
وعن خطة الجامعة لتحقيق مزيدٍ من الحوافز الاستثمارية لرؤوس الأموال العربية داخل الدول الأعضاء، كشف الأمين العام المساعد للجامعة، عن أنه يجرى الآن الانتهاء من صياغة “اتفاقية استثمار عربي جديدة لتحقيق أقصى قدر من المواءمة والموازنة بين حقوق المستثمر العربي، والدولة المضيفة للاستثمار، ليضمن توقيع ثم تصديق كل الدول العربية عليها”.
وواصل، “تتولى الأمانة الفنية بالجامعة مهمة التنسيق مع الدول للانتهاء من صياغة النصوص الجديدة للاتفاقية، وتضمينها في شكل يجمع بين كل آراء الدول الأعضاء، وبما يضمن أن تتلافى الاتفاقية الجديدة مُعضلات الاتفاقيتين السابقتين حول الاستثمار العربي الأصلية (1980) والمعدّلة (2013)، وتعمل على استيعاب التطورات الاقتصادية على المستوى الدولي، بما في ذلك المفاهيم الحديثة، مثل التنمية المستدامة، واقتصاد المعرفة، والاقتصاد الرقمي، بما يمكّنها من تشجيع الاستثمارَين العربي والأجنبي بالمنطقة، وإزالة المعوقات التي تواجه المستثمرين”.
واختتم كمال، “كما تضع الأمانة العامة حالياً استراتيجيات عربية مشتركة للابتكار والريادة لتعزيز التعاون الاستثماري في الاقتصاد الرقمي بالمنطقة، من خلال سياسات اقتصادية داعمة ومحفزة القطاع الخاص، وقوانين وتشريعات وآليات تحمي الاستثمارات”.