تتعرض البلدان التي تفتقر إلى مصادر طاقة مستدامة ومياه كافية للعوز والجفاف وتلف المحاصيل وكلها أوضاع تشجع على التمرد
مايكل فالون
إلى جانب الصراعات البشعة في سوريا واليمن، والتهديد المستمر الذي تمثله إيران كقوة نووية، يشهد الشرق الأوسط وعلاقة الغرب الأمنية معه، تغيراً متواصلاً.
في الماضي، كانت مصالحنا السائدة في المنطقة تتمثل في مكافحة الإرهاب وصفقات الأسلحة المربحة. في المقابل، أثناء الاجتماع الأخير بين جون كيري، المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص للمناخ، ورئيس قمة المناخ “كوب 26” البريطاني ألوك شارما، تبين أن المصلحة المشتركة الجديدة تكمن في تغير المناخ، خصوصاً من حيث ارتباطها بالأمن.
خلال عملي في الحكومة، قدمت إحاطات بشأن الطاقة والدفاع، وقد اتضحت لي جيداً الصلة بينهما. إن البلدان التي تفتقر إلى مصادر طاقة مستدامة ومياه كافية، تكون معرضة لحالات النقص في الإمدادات والجفاف وتلف المحاصيل، ما يؤدي إلى عدم الاستقرار والتمرد. ولقد أصبح تغير المناخ الذي يتسبب فيه الإنسان نفسه، محركاً رئيساً في هذا الوضع من عدم الاستقرار.
أدركت مراجعة الدفاع الاستراتيجي البريطانية في 2015، التي أشرفت عليها، أن هذا الأمر [المناخ] يمثل تهديداً جديداً ومتنامياً. وكذلك وعدت المراجعة المتكاملة التي صدرت الشهر الماضي بتعاون دولي مستدام هدفه تسريع التقدم نحو خفض انبعاثات الكربون إلى الصفر وتعزيز المناعة العالمية في مواجهة تغير المناخ.
وتتأثر الدول الأكثر ثراء أيضاً [بأزمة المناخ]. وتالياً، يتحرك شركاء الأمن المستقرين كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وتعتمد كلتاهما بشدة على عائدات الهيدروكربون، بسرعة بهدف تطوير مشاريع تتصدى لتغير المناخ وتساعد على التحول صوب مزيد من مصادر الطاقة المتجددة. وهذا ليس من قبيل نكران الذات، بل لأنهما بحاجة إلى صناعات جديدة تعتمد على المهارات والتقنية العالية ويمكنها توفير وظائف جيدة للشباب فيهما. وستساعد الوظائف الآمنة والصناعات الحديثة الجديدة في حماية الشراكات الأمنية التي يعتمد عليها الغرب.
ولقد عرف تماماً نظرائي في إدارة أوباما، حتى الرئيس نفسه، مدى تأثير تغير المناخ على استقرار الشرق الأوسط. لذا، وجه الرئيس أوباما أجهزته الأمنية كي تنظر في تأثير ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض على جميع المبادئ والمخططات والاستراتيجيات المستقبلية. وبعد الانقطاع الذي شهدته سنوات ترمب، عادت إدارة بايدن الآن إلى هذا الأمر مجدداً. ويعتبر عقد مائدة مستديرة من هذا النوع في اللحظة الأخيرة، في دولة تعتبر واحدة من أقوى شركاء أميركا في مجال الأمن، إشارة خفية إلى الدور الأكبر الذي ستلعبه الطاقة والمناخ في أجندة الأمن المستقبلية لأميركا.
وحضر جون كيري إلى الإمارات العربية المتحدة في وقت سابق من هذا الشهر، حيث شارك في رئاسة مائدة مستديرة لدول الخليج حول تغير المناخ. وهذا يؤكد أجندة أميركا المستقبلية التي يستجيب لها شركاؤها في المنطقة بشكل استباقي. ولدى الإمارات بالفعل واحدة من أكثر الخطط طموحاً في خفض الانبعاثات بـ23 في المئة مع حلول عام 2030. قبل خمس سنوات، كانوا ربما سيأخذوا جون كيري في جولة عسكرية، أما هذه المرة فقد اصطحبه نظيره الإماراتي الدكتور سلطان الجابر في جولة حول “نور أبوظبي” الذي يعد أكبر مجمع للطاقة الشمسية في العالم.
وفي جميع أنحاء المنطقة، تحذو الاقتصادات الأخرى التي يهيمن عليها النفط حذو السعودية والإمارات، إذ أصبح الاستثمار في الألواح الشمسية ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى بنفس أهمية المعدات العسكرية. وستكون لدول كالسعودية والإمارات مشاركة قيادية في المؤتمر عن تغير المناخ [الذي ينعقد] هذا الشتاء في غلاسكو.
لطالما التزمت الولايات المتحدة [ضمان] استقرار الشرق الأوسط. ولا شك في أن المحادثات النووية الجديدة مع إيران في فيينا مهمة. في المقابل، يلفت النظر أن أول انخراط رسمي لكبار المسؤولين في إدارة بايدن في الشرق الأوسط لم يتعلق بالقوة الخشنة على الإطلاق. ويوضح هذا كيف أن تغير المناخ والأمن الإقليمي، بالنسبة إلى جو بايدن وكيري وفريقيهما، هما الآن وجهان لعملة واحدة.
مايكل فالون سياسي بريطاني شغل منصب وزير الدولة لشؤون الدفاع من 2014 إلى 2017 ووزير الدولة شؤون الطاقة من 2013 إلى 2014.
© The Independent